عام جديد ومازال الوضع السوري في حالة استنقاع

أحمد مظهر سعدو

يَلِجُ الشعب السوري في عامه الجديد، بينما مازال يحاول إعادة إنتاج مستقبله الأكثر إشراقًا والأقدر على تلبية الحاجات والضرورات، التي حملها الإنسان السوري على كاهله كسفودٍ يؤشر نحو إنتاج الدولة الديمقراطية، دولة المواطنة وسيادة القانون. هذا الشعب العظيم الذي قدَّم على مذبح الحرية ما ينوف عن مليون شهيد، وكسر حاجز الخوف كلياً، وأعاد الاعتبار لصوت الإنسان السوري المهدور والمقهور عل يد آلة البطش الفاشيستي الأسدي، منذ ما يزيد عن خمسين عامًا. يلج السوريون عامهم الجديد حيث مازال الأمل باقٍ، والاستمرار في إنجاز ما عجز عن إنجازه، وهذا ما يتمظهر صعودًا وجهدًا شعبيًا مهمًا وملفتًا في الجنوب السوري، في حبل العرب، وكل محافظة السويداء، وكل فعالياتها ومحدداتها الوطنية الديمقراطية، وكذلك في درعا التي لم تهدأ يومًا، وهي مهد الثورة السورية، حتى لو مورست عليها كافة أنواع الهدر والظلم والتخلي. ولايزال الشعب السوري في الشمال يعاني من كل أنواع القهر والقصف والقتل من قبل نظام هو أشبه بالعصابة، تدعمه آلة البغي والحقد الإيراني الفارسي، وتعيد قيامته من جديد آلة الحرب الحديثة الروسية، التي تناكف الغرب والأميركان على أرض سورية، وتنتج مشاريعها الشرق أوسطية ومصالحها البراغماتية التي لم تبرح المكان يومًا، بل هي من خطف السيادة في دمشق مقايضة مع الإيرانيين، ووضع جل العسكريتاريا الأسدية، والاقتصاد السوري في الجيب الروسي والإيراني.

رغم كل أنواع الإجرام التي تلقاها السوريين بصدورهم العارية ما يزال السوري المُحب والعاشق للحرية، والذي يتوق للكرامة، يعيد المحاولة والكرة تلو الكرة، لتكون سورية بلا آل الأسد وبلا آلة القمع، وكم الأفواه، وصولًا إلى حالة قطيعة تامة مع حلف (المقاومة والممانعة) بمشروعه الإيراني الفارسي، الذي يريد الهيمنة، ليس على سورية فحسب، بل على كل الجوار العربي والإسلامي ضمن اشتغاله الدؤوب لإعادة إنتاج امبراطورية (كسرى أنو شروان) التي بادت على يد العرب والمسلمين.

في العام الجديد تبقى قضية السوريين هي قضية حق وعدل يصبو إليها ويعمل على أساسها الإنسان السوري في مواجهة كل طغاة العالم، وينفك كليًا عن الارتباطات السابقة، مع الكثير ممن كان يدَّعي صداقته للشعب السوري، ثم يتركه ويتخلى عنه وحيدًا.. تمامًا كما يجري التخلي اليوم عن الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة والضفة الغربية.

لكن السوريين وقد أدركوا تمام الإدراك مدى أهمية الإمساك بمسارات الحرية والكرامة، ما برحوا يتعلقون بأنساق العمل الوطني السوري الديمقراطي، ومهام الثورة الوطنية الدمقراطية التي لم تنته بعد، لأنها بالأصل لم تحقق ما عملت إليه وعليه، وما زال الشعب السوري بقضه وقضيضه يعمل من أجل سورية الحرة المستقلة بدون احتلالات، وبدون هيمنة من أحد، بل بدون وضع البيض كله في سلة الخارج ، إذ لا قيمة لثورة شعبية حرة فيما لو استمرت بالتعلق بمصالح سواها، حيث لا يمكن للآخر العمل من أجل مصالحك، إن لم تعمل أنت أولًا عليها وعلى أساسها،  ومن لم يدرك أن السياسة جملة مصالح، وأن الاقتصاد يرتبط بالسياسة بشكل مباشر، لا يكون قد وعى واقعه، ولا تَمكَّن من العمل على إنتاج آنه ولا مستقبله ومن لم يدرك ماهية الفكر التاريخاني ثلاثي الأبعاد، لا يمكن أن يتحرك وجوديًا ولا منطقيًا من أجل خدمة وطنه، ولا استطاع أن يعيد تأسيس مداميك متينة، لبناء صرح الوطن السوري المتماسك، بعقد اجتماعي وطني جامع لا يستثني أحدًا ولا يقبل التقسيم أو التجزئة، تحت أي ظرف، وأمام أي معطى. الوطن السوري واحد والمستقبل للجميع، ويخدم الجميع، ويشارك في بنائه جموع أبنائه، ويعطي الحقوق للكل، نعم الكل بلا استثناء على أرضية وحدة الوطن، حتى لو كان قد تأسس الوطن السوري منذ البدء على هدي وأساسات (سايكس بيكو). لكن الواقع اليوم والمعطى الجديد يشير إلى أهمية العمل على وحدته ومنع ثم إيقاف كل المحاولات التي تريد تجزئته، مهما كانت نواياها طيبة أو حسنة.

في العام الجديد لابد من التأسيس على بناءات وأساسات متينة ومتمكنة، ومستفيدة بالضرورة من كل الهنات والصدأ والترهلات التي اعتلت محيَّا الواقع السوري، إذ لا بد أيضًا من الاستفادة أساسًا من تجربة أهلنا في غزة، وأهمية الصمود وتحمل المشاق وكل أنواع العسف والقتل، كما يتحمل شعب غزة الآن، وأن ندرك ونعي جميعًا أن هناك مشروعين كبيرين خطرين على السوريين وعلى كل المنطقة، هما المشروع الصهيوني الاحتلالي، والمشروع الفارسي الإيراني الكولونيالي، وهذين المشروعين الخطرين يتساويان في مدى تأثيرهما على المنطقة برمتها. من هنا كان لابد من إدراك كنه كل منهما واحتمالات خطورته على المستقبل الوطني السوري المنشود، والتنبه كذلك إلى مصالح الأميركان وعدائهم للعرب والمسلمين، وعدم الركون إلى مشاريعهم التي ما عرفت المنطقة منها إلا الشر والقتل والاحتلال، وهو ما شهدناه ونشهده تباعًا، يومًا إثر يوم في قطاع غزة، وقبل ذاك وبعده في سورية والعراق وباقي بقاع المنطقة العربية.

المصدر: مجلة الوعي السوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى