إسرائيل وإيران في سورية.. “حرب صاروخية في الظل”

ضياء عودة

رغم أن القصف الإسرائيلي على مواقع عسكرية في سوريا ليس جديدا، تحمل الضربات ذات المسار التصاعدي منذ الحرب في غزة طابعا مختلفا من زاوية الهدف ومسارات تحقيقه على الأرض، حسبما أشارت مصادر لـ”رويترز” ومعلومات أوردتها صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية.

وفجر الجمعة تعرضت قاعدة جوية للنظام السوري في جنوب سوريا لقصف نسب لإسرائيل، وتزامن مع آخر استهدف مواقع عسكرية في محيط العاصمة دمشق. وهما حادثان أعقبا مقتل القيادي الإيراني الكبير في “الحرس الثوري”، رضي موسوي بثلاثة أيام فقط.

وقتل موسوي بـ3 صواريخ قالت طهران إنها “إسرائيلية” واستهدفت منزله الكائن في منطقة السيدة زينب بريف دمشق، وهو يعتبر مسؤول عملية تنسيق إدخال الأسلحة الإيرانية إلى سوريا بداية، ومن ثم إلى “حزب الله” في لبنان، وفق مصادر إسرائيلية وإيرانية متقاطعة.

كما تصفه وسائل إعلام عبرية، بينها “يديعوت أحرونوت”، بـ”همزة الوصل بين الإيرانيين وحزب الله، ومسؤول إمداد الطائرات بدون طيار التي تحاول الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا إرسالها إلى إسرائيل”.

ما الجديد إسرائيليا؟

المصادر العسكرية الإقليمية التي نقلت عنها “رويترز” ذكرت أن تكثيف الغارات الإسرائيلية على سوريا يرتبط بـ”مساعي تعمل عليها طهران بصورة متسارعة”، وأن “الأخيرة تكثف جهودها لتزويد سوريا بأنظمة دفاع جوي يمكن أن تقلل فعالية القصف”.

ويرتبط الهدف الإيراني “بحسابات حرب غزة في حال اتساع نطاق الصراع هناك”، وفق المصادر التي لم تسمها الوكالة.

وتابعت: “الحملة الإسرائيلية المكثفة تستهدف تعطيل أنظمة الدفاع الجوي السورية، التي شاركت إيران في توسيعها”.

صحيفة “يديعوت أحرونوت” من جانبها أشارت في مقال تحليلي إلى أن “إيران تعمل على تسريع نقل الأسلحة الدقيقة إلى حزب الله، استعدادا لصراع واسع النطاق في الشمال”.

و”كصورة معكوسة للأميركيين الذين يدعمون إسرائيل، تسرّع إيران عملية تسليم الصواريخ والقذائف عبر سوريا لوكيلها حزب الله”، حسب تعبير المحلل العسكري الإسرائيلي وكاتب المقال، رون بن يشاي.

وتحاول أيضا، وفق المحلل نقل أنظمة دفاع ضد المروحيات والطائرات بدون طيار الإسرائيلية التي يستخدمها “حزب الله” بالفعل، والمعروفة بصواريخ “المنتج 358”.

وهذه الصواريخ (358) استخدمها “حزب الله” خلال الفترة الأخيرة ضد مسيّرة إسرائيلية، كما جاء في المقال التحليلي، واستخدمها الحوثيون في اليمن أيضا في إسقاط الطائرة الأميركية بدون طيار فوق البحر الأحمر.

وهي من صناعة إيرانية، ويمكن تشبيهها بــ”المسيرة التي تستخدم في أغراض الدفاع الجوية”، كما يوضح مراقبون تحدثوا لموقع “الحرة”.

“حرب صاروخية في الظل”

ومنذ الحرب في غزة ركّزت إسرائيل في ضرباتها في سوريا على مطاري دمشق وحلب الدوليين، وتحرص حتى الآن على إبقائهما خارج الخدمة، ودائما ما تشير وسائل إعلام عبرية إلى أن المرفقين المذكورين تستخدمهما إيران لنقل شحنات الأسلحة.

وفي غضون ذلك لا يعتبر اهتمام إيران في نقل الصواريخ إلى “حزب الله” ومنظومات الدفاع الجوي حديثا، بل سبق وأن تسلطت الأضواء على هذه المساعي كثيرا، والتي دائما ما كانت تقابلها إسرائيل بالقصف، وبموجب الحرب التي تقودها “في الظل”.

ويوضح الباحث المهتم بمتابعة النشاطات الإيرانية في سوريا، ضياء قدور أن “الصواريخ الإيرانية من نوع 358 بطيئة ولا تشبه أي صاروخ من منظومات الدفاع الجوي”.

ويمكن أن تستهدف “مسيّرات استطلاعية لكنها غير مجدية من الناحية العملية للتصدي للطائرات الإسرائيلية”، حسب ما يقول قدور لموقع “الحرة”.

ويتحدث قدور عن عمل إيراني بدأ منذ سنوات لدعم “حزب الله” بمنظومات دفاع جوي وكذلك نظام الأسد في سوريا.

ويشير إلى أن “هدف طهران يرتبط بالأساس بإنشاء شبكة دفاع جوي تكون مستقلة وخارج شبكات الدفاع السورية التي تدار من جانب الروس”.

ويقول رون بن يشاي في “يديعوت أحرونوت” إن إسرائيل تعطّل محاولات إيران نشر الصواريخ في سوريا، وخاصة في المطار العسكري بالعاصمة دمشق، حيث تصل بعض الشحنات إليه، وإلى مواقع أخرى.

“الصواريخ الاعتراضية التي يسميها الإيرانيون (358) ويطلق عليها في الغرب وإسرائيل اسم SA-67 موجهة ضد الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض والمروحيات والمسيّرات، وضد الصواريخ قصيرة المدى”، حسب بن يشاي.

ويشير إلى أن “إيران قامت بالفعل بتجهيز حزب الله بكمية كبيرة منها، وهم الآن يطلقونها على الطائرات الإسرائيلية بدون طيار العاملة في لبنان”.

ما هو صاروخ “358”؟

وتقتصر قدرات “حزب الله” على الاشتباك مع الأهداف الجوية حاليا على المدافع المضادة للطائرات قصيرة المدى، ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة مثل منظومتَي “ستريلا-3″ و”إيغلا-1″ الروسيتي الصنع، حسب تحليل لـ”معهد واشنطن”.

كما يستخدم منظومة “ميثاق” الإيرانية (نسخة من الصاروخ الصيني “كيو دبليو -1”)، وما يعرف بصواريخ كروز من طراز “البند 358” للدفاع الجوي، وهو الذي يتردد الحديث عنه كثيرا.

تحليل المعهد الأميركي يشير إلى أن النظام الإيراني سعى من خلال محاولة تنفيذ عمليات نقل الأسلحة إلى العراق وسوريا أو التخطيط لها، إلى تعقيد العمليات الجوية لإسرائيل في منطقة واسعة تمتد من حدوده الغربية وصولا إلى لبنان.

ويضيف أنه تبين منذ عام 2018 أن إيران تعمد إلى نقل صواريخ كروز من طراز “البند 358” للدفاع الجوي، ليس فقط إلى “حزب الله”، ولكن أيضا إلى الميليشيات العراقية وحتى إلى الحوثيين اليمنيين.

ومن المرجح أن هذا السلاح الذي يعمل بالطاقة النفاثة قد تم استخدامه خلال حادثة وقعت في 8 نوفمبر، حيث أسقط الحوثيون طائرة استطلاع أميركية بدون طيار من طراز “إم. كيو-9” فوق المياه اليمنية.

ويوضح محلل الدفاع في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في بريطانيا، فابيان هينز أن “الصاروخ 358 مثير للاهتمام لأنه يعتبر تصميما غير عادي لصاروخ أرض-جو”.

ويضيف لموقع “الحرة” أنه “يستخدم محركا نفاثا وليس محركا صاروخيا، كما هو الحال في معظم صواريخ أرض-جو، مما يمنحه نوعا من وقت التأرجح. بمعنى أنه يمكن أن يبقى في منطقة ما لفترة ويطير هناك وينتظر الأهداف”.

يحتوي “358” على جهاز استقبال بالأشعة تحت الحمراء، “مما يجعله جيدا لأنه يصعب التشويش عليه أو تنفيذ تدابير مضادة ضده”.

وكان الإيرانيون قدموه للحوثيين بنسخ مختلفة، واستخدموه في حادثة الطائرة الأميركية الأخيرة وقبلها الطائرة صينية الصنع التابعة للتحالف بقيادة السعودية، حسب هينز.

ومع ذلك يوضح الباحث أنه “حتى لو كان نظاما فعالا جدا قد لا يكون كذلك ضد إسرائيل، وهي واحدة من أكثر القوات العسكرية تطورا في العالم”.

وبينما يمكنه أن يسقط طائرات الهيلوكوبتر والطائرات بدون طيار المخصص من أجلها، ليس بمقدره فعل ذلك ضد الطائرات الحربية النفاثة، كما يؤكد هينز.

“سوريا حجر الزاوية”

ولا يعرف حتى الآن مآلات القصف الجوي المتكرر على سوريا، وكذلك الأمر بالنسبة لحادثة مقتل موسوي، وهو أبرز قيادات “الحرس الثوري” الإيراني.

ووفق خبراء عسكريين إسرائيليين نقلت عنهم “رويترز” فإن الضربات هي جزء من تصعيد لصراع منخفض الحدة بهدف إبطاء ترسيخ إيران المتزايد في سوريا.

ويقول عامر السبايلة وهو أستاذ جامعي ومحلل جيوسياسي إنه “من المنطقي جدا في المرحلة الحالية وبعد ما جرى ويجري في غزة أن تسعى إيران لتدارك الموضوع عبر توجيه ضربات أكبر لإسرائيل”.

ويرتبط ذلك بفكرة أن “تدمير القطاع بالوضع الحالي يجعل أفق المعركة محدود، وهو ما يزيد من خطر توجه إسرائيل لفتح جبهات جديدة، وتوجيه استهدافات مباشرة لإيران وحلفائها”، وفق السبايلة.

ويضيف لموقع “الحرة” أن “إيران تسعى لإرباك إسرائيل، وتحاول رفع قوة حلفائها بحيث توجه ضربات قوية قبيل انتقال الأخيرة إلى فكرة الجبهات السبع، التي تحدث عنها وزير الدفاع يوآف غالانت”.

ويعتبر السبايلة أن “سوريا مخترقة تماما من إسرائيل، وهو ما تشير إليه حادثة مقتل موسوي”، ومن الواضح حسب قوله أن “إسرائيل تعتبر سوريا حجز الزاوية في فكرة تغيير المعادلة العسكرية بالنسبة لإيران عبر سوريا”.

وستكون الجهود الإيرانية في مسار الدفاع الجوي في سوريا “مكلفة وطويلة الأمد”، ولا يمكن الحكم على فعاليتها في ظل الظروف الراهنة، حسب الباحث السوري قدور.

ويشير إلى أنه من الواضح “سعي إيران لإيجاد حماية ولو بالدرجات الدنيا لوجودها في سوريا، أو حتى بأقل المستويات، من خلال تأمين طبقات تحذيرية من الغارات الإسرائيلية”.

“تحديات ضخمة”

وتشكل سوريا محطة وسطى لنقل الأسلحة والذخائر لـ”حزب الله” في لبنان، ولطالما تحدث الإسرائيليون عن طرق برية وجوية وبحرية لتحقيق هذا الهدف.

ورغم أن “حزب الله” وكيل إيران في لبنان لم ينخرط كثيرا ضد إسرائيل بعد حرب غزة، وبقيت مواجهاته على الحدود ضمن إطار “المناوشات” قتل 125 عنصرا من قواته، منذ يوم السابع من أكتوبر.

ويبدو أنه “يواجه تحديات ضخمة في الوقت الحالي مع الطائرات الإسرائيلية بدون طيار في الجو”، حسبما يرى الباحث هينز.

هينز يشير إلى التقارير التي أفادت بأن “حزب الله” طلب من سكان البلدات الحدودية جنوب لبنان تعطيل كاميرات المراقبة بمنازلهم ومتاجرهم سعيا “لإعماء العدو الإسرائيلي” بعدما عمد إلى “اختراقها”.

ويعتقد أن ذلك يصب في إطار التحديات التي تفرضها الطائرات الإسرائيلية بدون طيار، مضيفا أنه “ربما يكون إسرائيل إيران لإرسال معدات جديدة هي رد على التهديد الحاصل في جنوب لبنان”.

المصدر: الحرة نت

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أصبحت الجغرافية السورية مسرح للصراع وتبادل الرسائل بين قوى الاحتلال بسورية ، لذلك حرب الصواريخ أو التنافس بالصواريخ بين نظام ملالي طهران واذرعتها الطائفية الإرهابية من جهة والكيان الصهيوني والقوات الامريكية من جهة أخرى، ويمتد التنافس والصراع للأجواء اللبنانية وخاصة بالجنوب، لأن السيادة مسلوبة وقرار الحرب والسلم أيضاً .

زر الذهاب إلى الأعلى