تحقيق لـ”وول ستريت جورنال” يكشف عن سوء تقدير إسرائيلي ومعلومات غير مكتملة في أكثر الغارات دموية بحرب غزة

إبراهيم درويش

كشف تحقيق لصحيفة “وول ستريت جورنال” أن غارات جوية ضد هدف قالت إسرائيل إنه قيادي من حماس أدت لمقتل أعداد من المدنيين الفلسطينيين.

وفي التحقيق الذي أجرته الصحيفة، وجدت أن مزيجا من الأساليب المقصودة والتداعيات غير المقصودة أدت لواحدة من أكثر الغارات دموية في حرب غزة. وفي التقرير الذي أعده ديفيد أس كلاود ودوف ليبر وعمر عبد الباقي، قالوا فيه إن الأزقة والمساحات الضيقة في بلوك 6 بمخيم جباليا للاجئين كانت مليئة بالبشر مساء 31 تشرين الأول/ أكتوبر، ووقف البعض في طابور طويل أمام مخبز الحي والبعض ازدحموا بطريقة غير عادية في الشقق السكنية.

وتجاهل الكثيرون منهم أو لم يكونوا قادرين على تنفيذ أوامر الجيش الإسرائيلي بإخلاء بيوتهم والتوجه جنوبا بعيدا عن القوات البرية والقصف الجوي القادم، واعتقدوا أنهم في مأمن بقلب المنطقة ذات الكثافة السكنية العالية. وقال محمد طبق (27 عاما) أحد سكان الحي: “كنا في البيت مع الكثير من الأقارب وحتى مع أشخاص لم نلتق بهم من قبل، بحثوا عن ملجأ معنا في المكان الذي كان آمنا”.

وفي الساعة 3:30 أسقطت الطائرات الإسرائيلية عدة قنابل ضخمة على الحي، ودمرت مربعا سكنيا كاملا، مخلفة حفرا عميقة حيث كانت عدة بنايات قائمة، بحسب ما أظهرت صور التقطتها الأقمار الاصطناعية.

وقتلت التفجيرات إبراهيم البياري، قائد حماس في جباليا الذي اعتقدت المخابرات الإسرائيلية أنه كان يدير المعركة مع عدد من المقاتلين، لكن التفجيرات خلفت جثث 126 شخصا تحت الأنقاض، وكان ذلك واحدا من أكثر الهجمات دموية في الحرب، وفق المنظمة غير الربحية التابعة لجامعة لندن والتي تتابع الغارات الجوية “إيروورز”.

وتعلق الصحيفة أن قرار ضرب حي حاشد بالسكان في المساء من أجل قتل قيادي في حماس، كشف عن رغبة إسرائيلية لاستخدام القوة المفرطة ضد قيادة حماس، حتى لو عنى ذلك قتل أعداد كبيرة من المدنيين. وفي الأيام والأسابيع اللاحقة، دفعت إسرائيل بقواتها عميقا في داخل غزة مما أدى لمقتل أكثر من 21000 مدني حسب أرقام وزارة الصحة في غزة.

فقد كشف التحقيق الذي قامت به الصحيفة وقابلت من أجله عددا من الناجين والمسؤولين العسكريين البارزين في الجيش الإسرائيلي، أن المخططين ارتكبوا سلسلة من سوء التقديرات بناء على معلومات غير كاملة أدت إلى دمار كبير وخسارة أرواح أكثر من المتوقع. ومن بين النتائج:

أولا: قرار إسرائيل تحذير السكان بناء على رسائل نصية عن هجوم قادم، خشية أن تثير انتباه المسلحين ومغادرة الحي.

ثانيا: يبدو أن الجيش استخدم أضخم قنبلتين في ترسانته بدلا من استخدام قنابل أصغر حجما.

ثالثا: حاول قادة سلاح الجو تحديد الآثار الجانبية من خلال توجيه القنابل بين البنايات عبر استخدام صمامات أخّرت الانفجارات قليلا، ولحين اختراق الذخيرة تحت السطح، ولكن تدمير الأنفاق التي كانت تحت البنايات أدى لانهيارها. وفي بيان من الجيش الإسرائيلي جاء فيه أنه “ملتزم بالقانون الدولي، ويوجه أهدافه العسكرية ويستثمر مصادر كبيرة لتخفيف الضرر على المدنيين”، وأضاف أن الجيش لا يقوم بهجمات عندما يتوقع أن يكون الضرر على المدنيين فادحا وليس بناء على الفوائد العسكرية وبناء على المعلومات المتوفرة عن الهجوم.

وأشار البيان إلى أن فريق تحقيق عسكريا ليس مرتبطا بالتسلسل القيادي للجيش يقوم بالتحقيق في القصف.

وحمّل مسؤولون إسرائيليون حماس مسؤولية الضحايا المدنيين؛ لأنها اختارت العمل داخل المناطق المدنية. وبحسب مسؤولي عسكري قانوني “هناك الكثير الذي لا يمكنك معرفته، وهو محدود وسط ضباب الحرب”، مضيفا: “لو أردت هزيمة عدوك بطريقة فعالة وحماية مواطنيك فإنك لا تستطيع تجنب هذا في بعض الأحيان”.

وتوقع المخططون الإسرائيليون للغارة إمكانية انهيار بنايات، لكن الضرر كان أسوأ من توقعاتهم، وردّوا بالقول إن هذا الهجوم موجه للأنفاق التي أقيمت تحت البنايات. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العقيد جوناثان كونريكوس: “كان تقييمنا هو أن المجمعات الأرضية والأنفاق التي بنتها حماس انهارت ولهذا شاهدنا دمارا للمباني”.

ويقول عادل حق، من جامعة راتغر بنيوجيرسي، وهو متخصص بتطبيقات القانون الدولي في مناطق النزاعات، أن لا شيء مما قالته إسرائيل يشير إلى أنها حققت منافع عسكرية أكثر من إنجاز متواضع بقتل البياري. وأضاف أن “هجوم 31 تشرين الأول/ أكتوبر على جباليا، هو متطرف من ناحية الضرر المتوقع على المدنيين”، و”لكي تبرر الضرر الكبير على المدنيين، فإنك تتوقع تغييرا ما في قواعد اللعبة، مما يترك أثره على مسار الحرب” بتنفيذ هجوم من هذا النوع.

وتحدث سعيد أبو عون (30 عاما) المتخرج من جامعة فلسطين، الهجوم حيث كان ينتظر في طابور الخبز أمام مخبز الحي، لعدة ساعات. وقال إنه ترك بيته في شمال غزة في اليوم الأول للحرب، وجاء إلى جباليا مع والدته وأخويه معتقدا أنها منطقة آمنة. وقال إن الضربات الجوية لم تكن بعيدة عن المخبز سوى مئة ياردة، وتسببت بهزات مثل هزة أرضية، وانهارت البنايات وتطايرات الشظايا وانتشر الدخان والغبار بحيث حجب الرؤية لخمس دقائق.

وقال أبو عون: “أسرعت حالا بعيدا، لمعرفتنا أنهم يقصفون نفس المكان أكثر من مرة”. وعندما انجلى الغبار والدخان، لم ير سوى فضاء يشبه سطح القمر العاري، واختفت البنايات والمحلات التجارية التي كانت تحتها، ولم يبق سوى حفر عميقة وجبال من الأنقاض الاسمنتية والأعمدة الكهربائية المنهارة.

وبحسب محمد طبق الذي فقد إحدى عينيه: “كل ما رأيته كان جثثا، بعضها أشلاء، وأعداد ضخمة من الجرحى، لا يمكن تصورها”.

وقال محمد ياسين (25 عاما) إن الجثث كانت متناثرة وسط الحطام، واحترقت الملابس بسبب الانفجارات، وكانت البنايات قريبة، وانهار الحي بأكمله.

وتظهر الفيديوهات الجثث الملقاة إلى جانب السيارات المحترقة، والناجين المذهلين والباكين بفزع، والذين اندفعوا نحو مكان الانفجار وأخذوا يحفرون بأيديهم لاستخراج الجثث، وأيضا أصوات صفارات الإسعاف.

ومعظم القتلى كانوا من النازحين من بيت حانون، كما قضت ثلاث عائلات بأكملها في الهجوم.

وقال ثائر حسين (20 عاما) الذي تخرج مؤخرا من جامعة الأقصى في غزة، وفرّ من بيت لاهيا مع عائلته، إنه كان ينتظر أمام طابور الماء مع ثلاثة أقرباء له عندما حدثت الغارة: “لقد دمرت كل البلوك وقلبت الأرض رأسا على عقب”.

ويقول الممرض محمد حواجرة: “وصل الأطفال الصغار إلى المستشفى بحراح عميقة وحروق خطيرة، وجاءوا بدون عائلاتهم”.

وتزعم إسرائيل أن البياري كان قبل أيام من مقتله داخل نقق تحت المستشفى الإندونيسي الذي يبعد ميلا واحدا عن بلوك 6 في مخيم جباليا. وأنه في يوم مقتله، كان في بناية داخل المجمع تستخدمها حماس كمركز قتالي، بحسب بيان إسرائيلي، الذي أضاف: “تحت المجمع كان هناك نفق إرهابي لحماس”.

ولم تحذر إسرائيل سكان المنطقة حتى لا يعرف البياري ومن معه بالهجوم القادم، حسبما يقول المسؤولون الإسرائيليون. واستخدمت الطائرات قنابل زنة الواحدة منها 2000 رطل، وهي ثاني أضخم قنبلة في الترسانة الإسرائيلية.

وتبدو آثار التفجير واضحة في صور الأقمار الاصطناعية، وبعمق 40 قدما. وبحسب دراسة للجنة الدولية للصليب الأحمر في 2016، فإن حفرة بهذا العمق متساوقة مع الأثر الذي تتركه قنبلة بزنة 2000 رطل.

وكان أحد المستشارين للدراسة مارك كارلاسكو، المحلل السابق في الأمم المتحدة، والمحقق في جرائم الحرب، وعمل رئيسا لاستهداف الأهداف الثمينة في البنتاغون عام 2003، حيث قال إن حجم الحفرة متناسب مع استخدام قنبلة من نوع “جي بي يو- 31” بزنة 2000 رطل، حصلت إسرائيل عليها من الولايات المتحدة. ولكنه لم يستبعد استخدام إسرائيل قنابل أخرى مثل قنبلة برأس متفجر لاختراق المخابئ.

المصدر: “القدس العربي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى