لأن الشعر ديوان العرب.. ولأن الأدب تاريخ الشعوب.. فقد عدنا إلى إحدى بوابات ديوان العرب ومن تسطر بالحرف تاريخ العرب.. السيدة والشاعرة الجليلة نائلة الإمام.. هذه الأقحوانة الدمشقية التي اعتلت صهوة القلم لتكتب شعراً عربياً ً فلسطينياً عراقياً.. تقطر منه حبيبات الندى المعجونة بعشق الأرض.. وعشق الوطن وعشق الأمة.. التقيناها في دمشق فتحدثت حديثاً مختصراً لكنه معبر أيما تعبير.
– من يقراً شعرك يشعر أنه أمام شاعرة طالعة من داخل الوجع الفلسطيني … ومن لا يعرفك يتساءل كيف ذلك وأنت – بالجنسية على الأقل- لست فلسطينية؟
- لن أستهجن سؤالك، فأطيل الحديث عن قومية المعركة، وصراع الوجود لا الحدود الذي لا علاقة له بالجنسيات القطرية المصطنعة، فلم يبق لنا هذا الزمان شيئاً نستغربه أو نستهجنه، لن أبيع فلسطين مزيداً من الكلام، فكفى بها متاجرين بدماء أبنائها، أقول باختصار لا شيء في هذا العالم يمكن أن ينسيني هذه المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني والتي لم ولن يشهد لها التاريخ البشري مثيلاً، لن تستطيع كل قنوات الفضاء العربية أن تمحو من قلبي صورة أم فلسطينية تهيل على رأسها التراب وهي تندب أبناءها، لن أتعود أبداً على رؤية اللحم الفلسطيني أو العربي فأتأمله بلا مبالاة، وأتابع مشاهده وأنا أحتسي قهوة الصباح، كل شهيد يسقط على التراب العربي هو عندي أول شهيد، لن تستطيع كل أبراج العرب وسنتراتهم ومهرجاناتهم ومسابقاتهم أن تنسيني وجه أب فلسطيني يتكوم في أسى على أطلال بيته، أو يدافع بجسده جرافة تغتال زيتونه، وتصادر أرضه .
– صورك وتعابيرك عميقة وغارقة بالهم العربي (بنكهة الدمـع … ودم البرتقـال..) فمن أين يخرج كل ذلك يا أستاذة؟
- لدى الشاعر العربي مخزون هائل من المشاهد والوقائع والذكريات المريرة ومهما أبدع يبقى الواقع المؤلم أبلغ من كل تعبير وتصوير.
– تربطين الماضي بالحاضر … وينهل القارئ شعرك من معين بحر لغوي عربي حضاري لا قاع له.. فهل لذلك بعد فلسفي مثلاً؟
- لا شك في أن كل عمل فني ينطلق من فلسفة مسبقة وخطة فكرية (واعية أو لا واعية) تؤدي إلى إنجاز هذا العمل، وتحقيقه إبداعياً وفكرياً، والناقد وحده هو الذي يستطيع توضيح هذه الفلسفة وبيان، آثارها في الشكل والمضمون.
– تتجولين بقصيدتك بين أرجاء العروبة فمن ((عنب صنعاء)) إلـى ((بلح الشام)) إلى ((الزيتون الذبيح)) أما زلت تتكئين على العروبة بعداً مستقبلياً.. وقد يئس البعض من المشروع القومي؟
- يظن البعض أن العروبة عباءة يرتديها ويخلعها وقتما يشاء، كيف لنا أن نيأس من لم شتات أمتنا في زمن لا مكان فيه للكيانات الصغيرة المجزأة، إن الشعوب التي تنضوي اليوم في كيانات وتكتلات لا تملك ما تملكه أمتنا من أواصر ومصالح ومقومات.
– يبدو أنك تمتشقين صهوة الشعر الحديث … فما حال الشعر العامودي لدى شاعرتنا؟
- لا أجد مشكلة في شعر التفعيلة الذي استعاض عن البيت المؤلف من عدة تفعيلات بالتفعيلة كوحدة أساسية في بناء القصيدة، ووضع مقابل القافية الواحدة عـدة قواف، تتحرر معها القصيدة من روتينية النغم، وتنطلق مع التموجات الإيقاعية الداخلة في سياق المغامرة الفنية المتحررة، علماً بأن أشكال الإبداع لا تنفـي غيرهـا، فشعر التفعيلة لم يلغِ القصيدة العمودية، والشعر المسرحي لم يلغِ القصيدة الغنائية.
– حول الطغيان والطغاة كان لك وقفة شعرية … فهل المقصود طغيان الاحتلال في فلسطين والعراق أم طغاة العالم العربي في التناول الشعري لديك؟
- الطغيان والطغاة من كل لون وجنس جبهة واحدة كما أرى، هدفها سلب إنسانيتنا وإذلالنا وتهميشنا وتركيعنا ونهب ثرواتنا، ألا ترى معي أن بعض الطغاة المحليين أشد شراسة ووحشية في مواجهتنا من الطغاة المحتلين؟!
– يقولون أن الشعر أفل ومات … فمتى تعتقدين أن الشعر مات أو سيموت ؟
- الشعر حاضر منذ أقدم العصور، رافق التطور الإنساني في مراحله المتتابعة، لأنه المعبر عن الطبيعة الإنسانية وسيبقى ما بقي الإنسان. جـوهـر الشعرية فـوق الزمان والمكان، وكل الفنون تصبو إليه، وتسعى لبلوغ آفاقه الجمالية، لقد استطاعت فنون الصورة في السينما والتلفاز أن تنحي الرواية لأنها أكثر جاذبية منها وإغراء، ولكنها لم تطرح بديلاً عن الشعرية.
– الشعر العربي يغفل – غالباً – معاناة الناس الاجتماعية والمعاشية ويتنطح للسياسة وقضايا الأمة.. فمتى ينزل الشعر إلى ملكوت الناس الغلابة
- عندما يتصدى الشاعر لهذه القضايا الكبرى، إنما ينطلق من شعوره بمعاناة هؤلاء الغلابة وهو منهم، ورغبته في خلاصهم، أليس الاحتلال والاستعباد ونهب الثروات ودعم المستبدين والمفسدين السبب الرئيس لمعظم مشاكلنا الاجتماعية ومعاناتنـا المعاشية؟!
المصدر: ديوان العرب.. تاريخ 7 أيلول/ سبتمبر 2007
حوار جميل وإجابة لشاعرة تملك إحساس المسؤولية الوطنية كشاعرة ، برؤية واضحة نحو الطغاة والمستبدين لأن الطغيان والطغاة من كل لون وجنس جبهة واحدة هدفها سلب إنسانيتنا وإذلالنا وتهميشنا وتركيعنا ونهب ثرواتنا .