قد جاء حين من الدهر تحول فيه اليساريين والقوميين إلى أيديولوجيين يعادون الديمقراطية باسم العداء للإمبريالية، ويؤيدون الأصولية الشيعية باسم العداء لإسرائيل، ويدافعون عن أنظمة دكتاتورية وما شابهها في العالم الثالث. حين قام الخميني باستلام السلطة صفقوا للخميني، فلم نكن نرى في شاه إيران إلا الحارس الأمريكي في الخليج، والاعتراف بإسرائيل. عداؤنا لأمريكا وإسرائيل أعمانا عن رؤية خطر الخمينية على إيران والمنطقة العربية. وحين رُفع العلم الفلسطيني في قلب طهران طرنا فرحاً. ولم نكترث بتصفية حزب تودة والليبراليين الإيرانيين، بل ولم نتخذ موقفاً أخلاقياً من الحرب الإيرانية العراقية، فجميع العراقيين الشيوعيين في دمشق وقفوا إلى جانب إيران.
وأذكر حادثة ذات أهمية تبرز عماءنا اليساري الأيديولوجي آنذاك. بعد اغتيال حسين مروة برصاص حزب الله بأيام اجتمعنا في بيت الدكتور طيب تيزيني على شرف مهدي عامل. سئل مهدي عامل كيف ستكون العلاقة بينكم وبين حزب الله وأمل بعد اغتيال حسين مروة فأجاب: لا بد من التحالف معهم ، نحن في معركة صعبة مع اسرائيل. فقلت له : من قتل حسين مروة سيقتل مهدي عامل، أخاف عليك. تبسم مهدي بسمته الطفلية وأجابني : لا تخف علي . لم يمض على اغتيال حسين مروة شهور حتى تم اغتيال مهدي عامل ١٨/أيار /١٩٨٧. ولم تمض سنوات قليلة حتى صفى حزب الله المقاومة الوطنية اللبنانية.
لقد حرم العماء الأيديولوجي مهدي عامل من أن يرى خطر حركة مليشياوية مسلحة تغتال أحد أهم عقول اليسار اللبناني آنذاك.
وظل وعينا بالكفاح ضد اسرائيل واحتلاها لجنوب لبنان عامل غض النظر عن أصولية حزب الله وطائفيته في مجتمع طائفي ودولة طائفية. الى أن استفقنا وانهار الأساس الأيديولوجي لعمائنا ، عندما تحول هذا الحزب إلى أداة إجرام بحق الشعب السوري. هذا الحزب الذي أعتقد بأن الله ليس بحاجتة وليس بحاجته الى أي حزب باسمه.
كان العماء الأيديولوجي وراء مشاركة اليسار العربي في المؤتمر القومي-الإسلامي حيث كان الأصوليون الإسلاميون الشيعة والسنة، حماس والجهاد وحزب الله، يتسيدون المؤتمر بخطاباتهم.
لمن نكن نميز بين ضرورة العداء للعنصرية الصهيونية من جهة، وضرورة العداء للأصولية بكل أنواعها، كنا نعادي الأخوان المسلمين ونصفق لحماس ولحزب الله.
ومازال الحزب السوري القومي الذي من المفترض بأنه علماني يتحالف مع حزب الله وحزب الله هو الذي صفى مقاومته في الجنوب، مازال الحزب الشيوعي اللبناني يمالئ حزب الله وحزب الله هو الذي قضى عليه عملياً في لبنان.
مازالت بعض بقايا اليسار الفلسطيني ترى في الأصولية الشيعية حبل خلاص ونجاة، وليس حبل مشنقة.
لايمكن أن تكون يسارياً وأصولياً معاً، لا يمكن أن تكون شيوعياً وطائفياً معاً، لا يمكن أن تكون وطنياً وتابعاً لدولة ولاية الفقية.
إذا كان لا بد من نقد ذاتي، فعلى جميع قوى اليسار جماعات وأفراد أن يعتذروا من التائقين إلى الحُرّين عن عمائهم الأيديولوجي. والان يصفق اليساريون لمحور المقاومة ويرقصون طربا على الجزيرة ومحللها الدويري.
المصدر: صفحة نبيل قسيس
أنصح د.برقاوي بأن يترك الفلسفة لأهلها