سكان مخيم الركبان بين الحصار وخطر العودة إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية

يعيش قرابة عشرة ألاف مدني في أوضاع إنسانية مزرية وسيئة للغاية في منطقة صحراوية في بادية حمص قرب الحدود الأردنية السورية مع بنية تحتية غير صالحة للحياة البشرية. ويمكث هؤلاء المدنيون مع العديد من الأطفال الذين ولدوا داخل المخيم والذين يعيشون بعزلة تامة ولا يعرفون شيئا عن الحياة خارج المخيم ومن غير أوراق ثبوتية ونظامية. ويبدو أن الأمم المتحدة لاتزال عاجزة عن إيجاد حلول لإيصال المساعدات الإنسانية والتزويدات الطبية الى داخل مخيم الركبان. حيث يعاني العديد من سكان المخيم من نقص التغذية وانتشار العديد من الأمراض مع عدم توفر أدنى المستلزمات الطبية والدوائية. وبالنسبة للتعليم فهو محدود بشكل كبير حيث تقول مصادر المركز السوري للعدالة والمساءلة في المخيم، أنه لا يوجد سوى عدد قليل من المدارس غير الرسمية ، وجميعها يديرها متطوعون.

وبات الوضع الإنساني واقعا مريراً يعيشه أهالي المخيم جراء تشديد الحصار من قبل قوات النظام السوري والقوات الروسية المنتشرة حول منطقة  55 كم منطقة خفض التصعيد, حيث لا تبعد حواجز النظام والقوات الروسية عن بعضها أكثر من اثنين كيلو متر وتتجاوز عدد الحواجز المنتشرة حول المنطقة أكثر من خمسة وسبعين حاجزا بحسب ما ذكره الناشط عماد غالي من مخيم الركبان للمركز السوري للعدالة والمساءلة.

ويرزح المخيم تحت الحصار منذ شهر شباط، فبراير 2019  ويعاني من تجويع ممنهج بعلم ومشاركة روسية بهذا الحصار، من أجل دفع المدنيين إلى العودة الى مناطق سيطرة الحكومة السورية. وازداد الوضع سوءا بعد إغلاق السلطات الأردنية الحدود بشكل كامل عام 2016، إضافة إلى إغلاق النقطة الطبية الأممية الوحيدة التي تسمى نقطة عون كأحد الإجراءات الاحترازية لمواجهة تفشي فيروس كوفيد- 19، وكانت تشكل معبراً لجميع الحالات الصحية الحرجة والحساسة ومنها حالات الولادة القيصرية للعلاج في المستشفيات الأردنية. يضطر هؤلاء المرضى الآن إلى المخاطرة بالعلاج في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. أجرى المركز السوري للعدالة والمساءلة عددًا من المقابلات عبر الهاتف مع أفراد في مخيم الركبان، بما في ذلك السكان والنشطاء والأشخاص المسؤولون عن النقاط الطبية من أجل فهم الظروف المتدهورة ومخاطر الاعتقال المحتملة التي تواجه الراغبين بالعودة.

الوضع الطبي الكارثي في مخيم الركبان

منذ إنشاء المخيم في عام 2014، كان الوضع الطبي في داخل المخيم كارثيًا. نقطة تدمر الطبية هي مستوصف بسيط داخل المخيم يمكن أن يوفر بعض مسكنات الألم ومواد الإسعافات الأولية الأخرى. حصل المركز السوري للعدالة والمساءلة على عدد من الصور ومقاطع الفيديو التي تظهر العمليات الجراحية التي يتم إجراؤها باستخدام أدوات صناعية مناسبة فقط للاستخدام في ورش ميكانيكية. تم تنفيذ هذه العمليات من قبل أفراد ليس لديهم شهادات طبية.

وقال الممرض شكري شهاب المسؤول عن مركز تدمر الطبي، لـ المركز السوري للعدالة والمساءلة أن هناك حالات وفاة لأطفال حديثي الولادة  يموتون بسبب نقص الحاضنات واسطوانات الأكسجين. وقال إن الإنعاش يكاد يكون مستحيلاً. الأشخاص الذين يعانون من الربو هم الأكثر تعرضا للخطر، بسبب البيئة الصحراوية وضعف البنية التحتية.

أخبر الممرض شهاب المركز السوري للعدالة والمساءلة أنه “بعد إغلاق نقطة عون على الحدود السورية الأردنية، أصبحت الحالات الصحية الحرجة مخيفة لأنها تجبر المرضى على الوصول إلى الخيار الآخر الوحيد للمساعدة الطبية: مغادرة المخيم والعودة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية ووضع المدنيين في خطر”.

تحدث كل من الناشط عماد غالي والممرض شهاب إلى المركز السوري للعدالة والمساءلة عن العديد من الحالات الصعبة والحساسة، بما في ذلك مريض كان يمر عبر نقطة عون الطبية إلى المستشفيات الأردنية كل أسبوع لتلقي علاج غسيل الكلى، لكنه يواجه احتمال الوفاة بعد إغلاق نقطة عون الطبية. وقد أجبر هذا الوضع أيضًا عددًا من النساء الحوامل اللواتي من المقرر أن يلدن ويطلبن إجراء عملية قيصرية إلى العودة إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية لإجراء عملياتهن. وقد أعيدوا إلى “مراكز الإيواء” لاحقا، وهي في لأساس مرافق احتجاز ، في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وتمنعهن قوات الأمن السورية من العودة إلى أسرهن في المخيم. تم تلقي معلومات إضافية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لم يستطع المركز السوري للعدالة والمساءلة تأكيدها، أنه تم إجبار النساء على التوقيع على ورقة تفيد بأنهن يتعهدن بعدم العودة إلى المخيم مقابل الحصول على عملية قيصرية و إجرائها في مناطق سيطرة الحكومة السورية.

المساعدات الإنسانية في ظل الحصار

إن الأدوية والمساعدات الإنسانية التي تصل إلى المخيم باهظة الثمن ونادرة، ومعظمها من قبل المهربين الذين يدخلون عبر نقاط التفتيش الحكومية. يواجه أي شخص يتم ضبطه وهو يهرب الأدوية عقوبة شديدة، مما تسبب في ارتفاع أسعار الأدوية بشكل كبير وتفاقم الظروف الإنسانية الصعبة. علاوة على ذلك يستغل التجار داخل المخيم الوضع من خلال احتكار المساعدات وزيادة الأسعار.

تم تقديم المساعدة الإنسانية فقط من خلال قوافل الأمم المتحدة في السنوات التي تلت إنشاء المخيم. يقول كل من شهاب وغالي إن الهلال الأحمر العربي السوري لم يقدم أي مساعدة، وأن سكان المخيم يدركون أن الهلال الأحمر العربي السوري كيان تابع للحكومة السورية. قال غالي “رأينا فقط [الهلال الأحمر العربي السوري] في فبراير 2019 وهم يدخلون المخيم وأعطوا السكان استبيانًا لمعرفة من يرغب في مغادرة المخيم والعودة إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية ومن يريد الذهاب إلى شمال سوريا. مضيفاً أن الإجابات في الاستبيان تم تزويرها لإظهار إجابات مختلفة.

مصير العائدين إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية

إن حصار الحكومة السورية والقوات الروسية للمخيم يتعمد تجويع آلاف النازحين لإجبارهم على مغادرة المخيم والعودة إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية. سهّلت القوات الروسية “ممرين إنسانيين” في عام 2019 للمدنيين من مخيم الركبان لدخول مناطق سيطرة الحكومة السورية، وقدمت وعودًا بضمان سلامة العائدين. ومع ذلك لم تلتزم الحكومة السورية وحلفاؤها الروس بذلك.

تم الإبلاغ عن حالات اعتقال وانتهاكات واسعة النطاق ضد السوريين العائدين إلى المناطق المصالحة، وتشير المعلومات التي جمعها المركز السوري للعدالة والمساءلة من النشطاء في مخيم الركبان إلى أن العائدين إلى المخيم يواجهون خطرًا مشابهًا. ووجد المركز السوري للعدالة والمساءلة أن العديد من العائدين تم إرسالهم أولاً إلى مراكز الإيواء، ثم إلى الأفرع الأمنية (بما في ذلك فرع الشرطة العسكرية في حي القابون بدمشق)، ثم إلى محكمة الإرهاب أو إلى سجن صيدنايا. تم إرسال بعض المدنيين إلى سجن عدرا المركزي خارج دمشق لقضاء عقوبة تتراوح من سنة إلى سنتين. حصل المركز السوري للعدالة والمساءلة على معلومات مفصّلة عن اعتقال 133 مدنياً من مخيم الركبان منذ عودتهم إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة. كما تم إرسال بعض العائدين لإكمال خدمتهم العسكرية الإجبارية.

وبناءً على المقابلات التي أجراها مُوثقو المركز مع سكان مخيم الركبان، يشعر السكان أنه على الرغم من الظروف الصعبة فإن البقاء في المخيم هو خيار أفضل من المخاطرة بالاعتقال من قبل القوات الحكومية السورية أو الخدمة العسكرية الإلزامية.

التوصيات

يشعر المركز السوري للعدالة والمساءلة بقلق كبير حول الأوضاع الانسانية الخطيرة التي وصل إليها سكان مخيم الركبان وحول مصير العائدين إلى مناطق الحكومة السورية. وإن حصار وتجويع السكان هو من الجرائم التي يعاقب عليها القانون الدولي. ويجب على الأمم المتحدة والمبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا مطالبة الحكومة السورية وروسيا بفتح المجال أمام قوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية للوصول إلى داخل المخيم بدون شروط أو عوائق وتسهيل نقل المرضى والحالات الحساسة والحرجة الى داخل الأردن لتلقي العلاج. وعلى الحكومة الاردنية السماح بوصول المساعدات الإغاثية والإنسانية بشكل عاجل وبدون قيود الى داخل المخيم.

يجب السماح للأفراد الذين غادروا المخيم ودخلوا مناطق سيطرة الحكومة السورية بالحصول على المساعدة الطبية وكذلك النساء اللواتي دخلن لإجراء عمليات قيصرية، بلم شملهن مع عائلاتهن في مخيم الركبان. بالإضافة إلى ذلك ، يجب الكشف عن مصير الأشخاص الذين اعتقلوا بعد عودتهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، ويجب الإفراج الفوري عن الأشخاص الذين حاولوا العودة الى المخيم و لايزالون قيد الاعتقال.

إضافة إلى ذلك، سيعقد مؤتمر بروكسل الرابع حول سوريا الأسبوع المقبل، يجب أن تكون قضية مخيم الركبان في مقدمة أولويات الجهات المانحة والمجتمع الدولي بالاضافة إلى القضايا الهامة المتمثلة في فتح المعابر الحدودية والسماح بوصول المساعدات بشكل عادل إلى المدنيين في سوريا، وأيضًا إلى القاطنين في مخيم الركبان، حيث لا تدخل المساعدات ويعيش السكان حاليًا بدون دعم طبي كاف. يجب على المانحين تقديم تعهدات لدعم مخيم الركبان والتأكد من وضع الخطط لإشراك المخيم في أي محادثات حول المعابر الحدودية والمساعدات والنازحين.‎

المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى