السوريون في المجتمع التركي.. اعتماد على الذات واندماج اجتماعي

نبيل مرزوق

مقدمة

إلى أيّ مدًى تحقّقَ الاعتماد على الذات والاندماج عند اللاجئين السوريين في تركيا؟ سؤال رئيسي يحاول هذا البحث الإجابة عنه، كما يحاول معرفة مستوى مشاركة اللاجئين الاقتصادية والاجتماعية في تركيا بلد اللجوء، ومن جانب آخر، يسعى البحث للتعرّف إلى الفوائد المحتملة للمجتمع المضيف والمجتمع اللاجئ، من خلال الإجابة عن عدد من التساؤلات المطروحة حول اللجوء والمشكلات الناشئة عنه، بالنسبة إلى الدول المضيفة: هل اللجوء أزمة، أم فرصة للتنمية وتحديث البنى الإنتاجية والخدمية واكتشاف العيوب والنواقص التي تعوق عملية التنمية في البلاد؟ وما الذي يَحول دون تحوّل أزمة اللجوء إلى فرصة؟ لماذا يمكن أن تُعدّ الهجرة فرصةً للبلد المستقبل للهجرة، في حين يُعدّ اللجوء عبئًا؟ من المؤكد أن هناك تفاوتًا نوعيًا بين المهاجرين واللاجئين، ولكن التفاوت يتمثل في حجم الفوائد التي يحصل عليها المجتمع المضيف من كلتا الحالتين: الهجرة واللجوء. تحقق الهجرة قيمة مضافة مباشرة وصافية، ولكنها تتطلب انسجامًا واندماجًا اجتماعيين، وهي تتسبب في ضغوط على البنية التحتية والمرافق العامة، في حين إن اللجوء يحتاج إلى الاستثمار لتحقيق الفوائد منه وتحقيق الانسجام والاندماج الاجتماعيين، وهو يشكّل عامل ضغط على البنية التحتية والمرافق العامة والخدمات. ومن ثم، ليس هناك من مبرر لعدّ أحدهما فرصة والثاني أزمة. وهذا ما بدأت المنظمات الدولية وبعض الدول بالتوجه إليه، عبر منح اللاجئين فرصة الاعتماد على الذات، وتعزيز قدراتهم للمساهمة الفاعلة في المجتمع المضيف.

ولإيضاح كل جوانب الموضوع، يحاول البحث الإجابة عن تساؤلات عدّة ذات صلة بمحور البحث: ما هي الأعباء المترتبة على المجتمع المضيف من جراء قبول اللاجئين؟ ولماذا تنشأ توترات أحيانًا بين المواطنين المحليين واللاجئين؟ وكيف يمكن تحويل الأعباء إلى فرصة لتحقيق تعاون تنموي مع المجتمع المضيف؟ وهل تشكل استراتيجية الاعتماد على الذات حلًا نهائيًا أم أنها تعزيز للقدرات من أجل الحل النهائي؟

يحاول البحث الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، آخذًا بالحسبان أن اللجوء في تركيا يتميز بهامش من القبول والتعاون، لم يتوفر للسوريين في معظم دول الجوار الأخرى، فضلًا عن اعتماد الحكومة التركية نهجًا جديدًا جريئًا يقوم على عدّ اللاجئين قوة إيجابية فاعلة، لا تهديدًا أمنيًّا للمجتمع واستقراره، سيتيح للاجئين السوريين فرصة استثنائية للتفاعل والاندماج مع المجتمع المضيف المرحّب بوجود اللاجئين في أوساطه.

هناك أبحاث ودراسات عدّة عالجت مسألة مساهمة اللاجئين السوريين الاقتصادية في تركيا، ولكنها لم تعالج المشكلة من منظور شمولي لمسألة اللجوء وما تكتنفه من علاقات إنسانية وثقافية ومادية. ويحاول البحث الحالي التعرف إلى مستوى إنجاز الاعتماد على الذات، بالنسبة إلى اللاجئين والمجتمع المضيف، وتلمّس أسباب نشوء التوترات والمواقف الرافضة للوجود السوري في تركيا التي تكمن -وفق البحث- خارج سمات الأشخاص وانتماءاتهم، وهي تنتمي إلى نهج الاعتماد على الذات والاندماج المجتمعي، وترتبط بالسياسات والإنجاز المتحقق للاعتماد على الذات، وتوفر الشروط والسياسات المحفزة للانسجام والاندماج الاجتماعي، ويسعى البحث إلى تقصّي ذلك بواسطة معايير الاعتماد على الذات، ويحاول التعرف إلى المعوقات والمسببات التي أدت إلى توتر العلاقة بين المجتمعين، وارتفاع الأصوات التي تنادي بالترحيل أو إعادة اللاجئين إلى الخيام. إن عملية تفكيك التوترات وإعادة علاقات الانسجام إلى ما كانت عليه بداية، أو السعي لجعلها أكثر عمقًا وترابطًا، تحظى بأهميّة خاصة في الظروف الحالية التي تمرّ بها تركيا من أزمة اقتصادية، وما تمرّ به منطقة الشرق الأوسط من توترات وعدم استقرار.

يعتمد البحث مقاربةً تقوم على الاعتماد على الذات والاندماج، ويجعلها أداة ومعيارًا لتحويل عبء اللجوء إلى فرصة تنموية وقدرات إنتاجية رافدة، عبر منح اللاجئين حرية العيش خارج المخيمات، وتوفير الفرص للاعتماد الاجتماعي والاقتصادي على الذات، وحماية الحقوق. ومن المرجح أن يؤدي ذلك بحسب UNHCR إلى فوائد اقتصادية للبلدان المضيفة، وإذا كان الاعتماد على الذات استراتيجية تنموية توسع خيارات البشر (اللاجئين)، فهو يزودهم بالقدرات الكافية لبناء المستقبل، سواء في بلدانهم أم في بلد ثالث (إعادة توطين)، وإذا اختاروا البقاء في البلد المضيف، فهم قوة اقتصادية واجتماعية رافدة للمجتمع المضيف. والحل النهائي هو خيار بين ثلاثة خيارات ممكنة: الأول أن يتمتع اللاجئون بالقدرات والدعم والتأهيل لتجاوز المرحلة بصورة عقلانية تراعي مصلحة الجميع، (وهو ليس حلًا مفروضًا على أي طرف)، الثاني: أن يُسمَح للاجئين بالاعتماد على الذات والسعي لإيجاد الحلّ الأفضل، (وليس هذا حلًّا نهائيًا أو بديلًا منه)، الثالث: عودة معظم اللاجئين إلى بلدهم ومجتمعهم، (وهو الحل النهائي).

يعتمد البحث منهجية مختلطة، تعتمد بيانات ثانوية (لمعهد الإحصاء التركي) ” TSI “، وبيانات المنظمات الدولية، ونتائج بحوث ميدانية تقصت أثر اللجوء في المجتمع المضيف، إضافة إلى مقابلات ومجموعات تركيز (25 مقابلة و3 مجموعات تركيز نوعية) مبنيّة على استمارات شبه منظمة، تعتمد المنهجية التحليل والمقارنة.

للإجابة عن الأسئلة المطروحة والتعرف إلى مستوى تحقق الاعتماد على الذات بالنسبة إلى اللاجئين السوريين في تركيا، ستناقش الموضوعات المثارة من خلال الأقسام الآتية:

اللجوء السوري في تركيا

الحماية المؤقتة

الانعكاسات الاجتماعية

ملاحظات ختامية

يمكنكم قراءة البحث كاملًا من خلال الضغط على علامة التحميل أدناه:

  تحميل الموضوع

المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى