د. رئيف خوري: نتائج حرب غزة حكم ذاتي فلسطيني ما دون حل الدولتين واستعادة إسرائيل لقوة الردع وتوسيع «اتفاقيات أبراهام»

رلى موفّق

يرى الأستاذ اللبناني في العلم الدستوري والعلاقات الدولية د. رئيف خوري أننا بالتدقيق في مجريات حرب غزة، سنجد أن ظاهرها صراع فلسطيني ـ إسرائيلي نتيجة لعملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لكنها في الواقع صراع دولي حول النفوذ العالمي ومَن يقود النظام الدولي.

ويعتبر أنَّ الحرب ستستمر بشكلها الحالي حتى النصف الثاني من كانون الثاني/يناير 2024، وستأخذ بعدها أشكالاً مختلفة. وأنَّ ما يجري في القطاع والضفة الغربية يُبعد “حل الدولتين”. فالغرب لم يقم بفعل ملموس وجديّ في سبيل ذلك، ويعود طرح هذا الشعار إلى السطح عند أي طارئ، وهو ما يحصل اليوم لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خرج قبل أيام ليعلن بوضوح أنه ضد حل الدولتين، وأنه يفتخر بضرب كل نتائج مؤتمر أوسلو، وبالتالي يكون قد حدَّد أن ما يجري اليوم سيؤدي إلى حكم الفلسطينيين لذاتهم إنما ليس لدولة فلسطينية، وبمفهوم آخر يعني توسيع الحكم الذاتي إنما لا سيادة لدولة فلسطينية.

في قراءته للنتائج الجيوسياسية العامة لحرب غزة، يتوقع توسّع “اتفاقات أبراهام” لتشمل دولاً جديدة، واستعادة إسرائيل لقوة الردع التي تميّزت بها قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولجوئها تالياً إلى مزيد من التهديدات بالنسبة إلى الجولان وشمال سوريا وجنوب لبنان، وكذلك إلى شمال اليمن في استهداف للحوثي والعودة إلى حربها السرية ضد المصالح الإيرانية، ولا سيما إذا فاز الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وولّى الحزب الديموقراطي خارج سدّة الحكم.

وهنا نص الحوار:

■ مع دخول الحرب الإسرائيلية في غزة شهرها الثالث، كيف يمكن لنا قراءة المشهد بتداعياته ونتائجه؟

■ الحرب الدائرة على المسار الفلسطيني، في الضفة الغربية وقطاع غزة واستمرارها لأكثر من شهرين تُشير إلى أنها ليست مجرد حرب إسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني لتشريده وتدمير أهدافه السياسية، إنما هي حرب حول ميزان القوى العالمي، لأن منطقة الشرق الأوسط تحتل أهمية كبيرة في الصراع الدولي بعد أن كان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما ودوائر القرار في واشنطن يريدون مغادرة هذه المنطقة والذهاب إلى بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشمالي وتأليف تحالفات دولية لمحاربة الصين عندما اعتبروها العدو الاستراتيجي الرئيسي في إطار الصراع الدولي. لكن تبيّن لهم أنه لا يمكن إخلاء ساحة الشرق الأوسط لأنه أساسي في هذا الصراع الدولي.

فمع عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي شعرت الولايات المتحدة الأمريكية أن لهذه المنطقة أهمية خاصة، فعادت بأساطيلها وبوارجها وغواصاتها النووية، لأن إخلاءها من الوجود الأمريكي المباشر، يعني السماح لروسيا أو الصين أو إيران بالحلول محل الولايات المتحدة في المنطقة، وبالتالي ثبت بعد الذي يجري في البحر الأحمر وعند باب المندب، حيث نسبة عالية من التجارة الدولية تتجاوز الـ14 في المائة من الملاحة الدولية تمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وأن تأثير الحرب ليس محصوراً بالشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة إنما يمتدُّ إلى لبنان وسوريا، وبالتالي يشمل تأثيرها أيضاً التجارة الدولية والوضع الدولي القائم نتيجة لهذه الحرب. فعندما ندقق بمجرياتها نجد أن ظاهرها صراع فلسطيني ـ إسرائيلي نتيجة لعملية “طوفان الأقصى”، إنما في الواقع هو صراع دولي حول النفوذ وحول مَن يقود النظام الدولي، وهل ما زالت الولايات المتحدة هي القائدة الوحيدة للنظام الدولي أم أن هناك شركاء لها؟

لقد تبيّن أن أمريكا بحاجة للعودة إلى هذه المنطقة وبكثافة، مستفيدة مما تقوم به إسرائيل الغاصبة العدوانية في قطاع غزة من تدمير للبشر والحجر والشجر، لأن سياستها هذه مع وجود الأساطيل الأمريكية تسبب ردعاً، وهي بحجة الردع تفعل ما تفعله بتغطية أمريكية مباشرة. الولايات المتحدة تتظاهر بأنها تحمي المدنيين وتمنع إسرائيل من التطاول عليهم، إنما فعلياً هي مع القرار الدولي ـ الإسرائيلي بالقضاء على حركة “حماس”. ما تطلبه أمريكا من إسرائيل هو تخفيف كثافة القصف العشوائي والتوجّه نحو القصف الموجّه ضد قيادات فلسطينية بشكل عام وقيادات حماس بشكل خاص إضافة إلى الأهداف العسكرية، وهذا ما يُطلق عليه حالياً “المرحلة الثالثة” من المعارك التي جاء لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي للتأكيد عليها، معلناً أن الولايات المتحدة تضع كل إمكاناتها لدعم إسرائيل إنما عليها أن تنتقل إلى مرحلة توجيه الضربات المحددة ضد قيادات حماس وأنفاقها، ولن تتأنى إسرائيل في اختيار أهدافها العسكرية لأن المطلوب إظهار الردع الذي يقتضي أن يشعر “حزب الله” في لبنان والجولان بأن ليس من السهل توسيع المعارك لتشمل جبهات جديدة، لذا سنرى أن جبهة جنوب لبنان ستبقى تحت السقف المرسوم لها ولن تتجاوزه، وإلا ستكون التداعيات واسعة بحيث تشمل أكثر من جبهة جنوب لبنان وجبهة غزة.

■ أنت تعتبر أن الحرب الدائرة في غزة هي حرب حول ميزان القوى العالمي، وستحدّد تالياً موازين القوى في الشرق الأوسط، مع وجود لاعبين من إيران إلى روسيا والصين، هل ستتمدد في المنطقة؟ وهل ستكون لها تداعيات على الساحة الأوكرانية؟

■في قراءة موضوعية، فإن الحرب لن تتمدد. القوات الأمريكية والإنكليزية المتواجدة في بحر العرب ومضيق هرمز ووجود الأسطول الخامس في البحرين، والآن الأساطيل الألمانية والإنكليزية والخليجية في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط كلها تُشير إلى أن الحرب ستبقى محصورة في إطارها الحالي، فضلاً عن أن ليس من مصلحة “حزب الله” توسيع الحرب في الجنوب اللبناني، ولا مصلحة لإسرائيل في توسيعها في المرحلة الراهنة، إنما هي تُهدّد بأنها “ستمسح” الضاحية الجنوبية وبيروت وتُعيد لبنان 50 سنة إلى الوراء بغية منع “حزب الله” من استعمال أسلحة متطورة تفوق مستوى الاشتباكات الجارية حالياً في الجنوب.

أما من ناحية إيران، فهي لا تريد حرباً فوق أراضيها، لذا نراها تستخدم “الحشد الشعبي” في العراق، والحوثي في اليمن، وبعض الفصائل في سوريا لضرب القواعد الأمريكية، وتضغط باستعمال الحوثي والبحر الأحمر للتأثير على التجارة الدولية والملاحة الدولية، ليس بهدف مساعدة الشعب الفلسطيني ومناصرة أهالي غزة، إنما تنفيذاً للأجندة الإيرانية التي من ضمن أهدافها أولاً السعي إلى استعمال الأرصدة الإيرانية الموجودة في الدوحة بأساليب مختلفة عما اتُفق عليه، وثانياً إجبار الولايات المتحدة على العودة إلى طاولة المفاوضات حول السلاح النووي والصواريخ الباليستية، وثالثاً السماح بتصدير جميع المشتقات النفطية والغاز الإيراني إلى خارج إيران. أهدافها ليست عسكرية إنما هي سياسية ككل حرب موجودة على الصعيد الدولي. إيران تخشى فوز ترامب أو الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة التي ستُجرى في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، خاصة وأن ترامب خرج من الاتفاق النووي نهائياً ولا يريد العودة إليه، بينما هناك في الحزب الديمقراطي تيارات معينة تنادي بالعودة إلى الاتفاق النووي، كونه أفضل من عدمه، ويمكن ضبط إيران من خلاله. هذا الخوف المتولد عند طهران جعلها تحرّك هذه القوى، وتستعملها في سبيل إعادة الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات.

■ هل يمكن لقوى دولية مناوئة لأمريكا أن تنجرَّ إلى توسيع الحرب؟

■ الصين ليست في وارد الدخول في أي حرب، وتأخذ دائماً موقفاً وسطياً بالتعاطي مع الفرقاء جميعاً، وهي منذ العام 1942 لم تدخل في أي حرب، لا إقليمية ولا دولية. أما روسيا، فصدرها منشرح لما يجري في قطاع غزة وفي الشرق الأوسط، لعدة أسباب، أولها أن الإعلام العالمي لم يعد يُركز على ما يجري في أوكرانيا. وثانيها، أن ما نشهده مع إسرائيل فاق كثيراً ما قام به الجيش الروسي في أوكرانيا. وثالثها ارتياح موسكو لتحويل كميات هائلة من الذخائر والأسلحة إلى إسرائيل بدلاً من توجيهها نحو أوكرانيا، وعجز بايدن عن التمرير في الكونغرس حزمة مساعدات مالية بقيمة مائة وستة مليارات دولار، منها نحو 64 ملياراً للحرب في أوكرانيا.

روسيا لن تُقدم على أي معارك أو التدخل في الحرب الدائرة في الشرق الأوسط إلا إذا استهدفت إسرائيل النظام السوري بشكل مباشر، وبالتالي تضطر روسيا من خلال قاعدتها في حميميم وتواجدها العسكري أن تمنع سقوط النظام السوري وانهياره، وهذا فيه مصلحة أيضاً لإيران.

أنا لا أتوقع أن تتوسّع الحرب لتشمل الجولان أو الجنوب اللبناني، إنما الخوف بعد الانتهاء من حرب غزة أن تطالب إسرائيل بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 وهي أقرب إلى هذا الاتجاه، لذا نرى الضغوطات الفرنسية والأمريكية، وما نقله الموفد الأمريكي آموس هوكشتاين وما نقلته وزيرة الخارجية الفرنسية، والدبلوماسيتان الفرنسية والأمريكية من تهديدات إسرائيلية من أنه إذا لم يسحب “حزب الله” أسلحته الثقيلة من مدفعية وصواريخ نحو شمال الليطاني وإعادة تنفيذه للقرار 1701، ستضطر إسرائيل من أجل عودة المستوطنين إلى منازلهم ومزارعهم ولإحياء الدورة الاقتصادية في الشمال الإسرائيلي، إلى إجراء عملية في جنوب لبنان لإبعاد السلاح الثقيل عن هذه المنطقة نحو شمال الليطاني تنفيذاً للقرار 1701.

الشعب اللبناني، وهو إذ يتضامن مع الشعب الفلسطيني، يتطلع إلى تنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن بما فيها القرار الأساسي 1559 الذي من خلاله يمكن تنفيذ جميع القرارات الأخرى الباقية بما فيها 1701، لأن القرار 1559 هو قرار يقضي بتوسيع سلطة الجيش اللبناني والقوات اللبنانية المسلحة العائدة للدولة اللبنانية على جميع الأراضي، وبالتالي أن لا يكون هناك أي فصيل مسلّح على الأراضي اللبنانية يشارك الدولة اللبنانية والحكومة اللبنانية بقرار الحرب والسلم، وبالتالي ليس فقط المطلوب تنفيذ القرار 1701 إنما أيضاً تنفيذ القرار 1559 وجميع القرارات المتعلقة بلبنان.

■ هذا كله متعلّق بما ستكون عليه موازين القوى أو ما هي معالم التسوية التي ستجري في المنطقة، هناك من يعتبر أن ملامح الشرق الأوسط الجديد كانت تتشكل قبل طوفان الأقصى، ونحن اليوم أمام تشكل جديد لهذا الشرق الأوسط وللموازين العالمية، هل هو مشهد المائة سنة مقبلة؟ وكيف تتوقع أن يكون؟

■ المشهد يُرسم الآن بالسلاح، وستتبع الحرب بالتأكيد مفاوضات، أولاً لإنهاء الحرب، وثانياً لإرساء قواعد جديدة أمنية وعسكرية وسياسية في المنطقة. ستعود المفاوضات التي تقوم بها الولايات المتحدة، إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، إلى توسيع ما سُمي سابقاً بـ”اتفاقيات أبراهام”، وبالتالي هناك عدة دول ستعود إلى هذه المفاوضات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبعد الحرب ستكون هناك مفاعيل سياسية لها، وللأسف إن ما يجري في القطاع وفي الضفة الغربية يُبعد ما يُسمى “حل الدولتين”. الغرب عامة يتكلم عن حل الدولتين، إنما ليس هناك من فعل جديّ لقيام الدولتين، وكنا سابقاً بعد حرب أمريكا على العراق عامي 1991 و1992 عندما طُرحت مفاوضات مدريد، سمعنا جيداً وبكثرة عن حل الدولتين، واشتركتْ حينها سوريا ولبنان في مفاوضات مدريد وأُرسلت الوفود إليها ليتبين فيما بعد أنها كانت شكلية لتغطية الحرب على العراق وما جرى فيه، وفعلاً منذ أوائل التسعينيات إلى اليوم، أي بعد مرور أكثر من 22 سنة، لم نشهد أي فعل ملموس وجديّ لحل الدولتين، إنما عند أي طارئ يعود هذا الشعار إلى السطح ويتمّ الكلام عنه، وعندما وضع بايدن سياسته الاستراتيجية في العام 2021 قيل في الإعلام الغربي والإعلام الأمريكي تحديداً، إن موضوع حل الدولتين هو شعار شكليّ فقط، ليأتي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحافي قبل أيام ليعلن أنه ضد حل الدولتين، وأنه يفتخر بضرب كل نتائج مؤتمر أوسلو، وبالتالي يكون قد حدد أن ما يجري اليوم سيؤدي إلى حكم الفلسطينيين لذاتهم إنما ليس لدولة فلسطينية، وبمفهوم آخر يعني توسيع الحكم الذاتي إنما لا سيادة لدولة فلسطينية.

لقد أعلنها نتنياهو بصراحة تامة، وافتخر بأنه ضرب نتائج “اتفاق أوسلو”، وبأنه لم يكن موافقاً على ما جرى في كامب دايفيد وأوسلو، وعلى عودة منظمة التحرير إلى الضفة وقطاع غزة، وبالتالي هذه هي النيّة، ومن نتائج الحرب، أنه لن يكون هناك مسعى جديّ لحل الدولتين، ولن تكون هناك قوى تنادي بالكفاح المسلح. إن شعار “الكفاح المسلح” الذي رفعته القوى الفلسطينية وناضلت من أجله ودفعت أثماناً غالية مع الشعب اللبناني في سبيله، وكذلك دُفعت أثمانٌ غالية في تونس والجزائر و”الدياسبورا” الفلسطينية لتأتي اليوم وتدفع أثماناً إضافية في الضفة الغربية ومخيماتها وفي قطاع غزة، حيث نشهد دماراً رهيباً لم نشهد مثيلاً له حتى في الحرب العالمية الثانية، سيسقط للأسف بعد حرب غزة وستبقى الأصوات لسنوات طويلة تُنادي بالحلول الدبلوماسية التي لن ترضى إسرائيل بالتعاطي معها، أو التفاوض حولها وإنْ ضغطت المجتمعات الأوروبية وليس الدول الأوروبية لتحقيق بعض المكاسب السياسية للشعب الفلسطيني. إن ما جرى مع عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر وما يجري الآن من دمار هائل يُبعد أي شعار أو أي حل أو أي طريقة نضال تتعلق بالكفاح المسلح، بل نحن في لبنان في خطر قوي لأن الكادرات العسكرية والضباط والقوى المسلحة التي ستترك قطاع غزة بشكل أو بآخر لن تستقبلها مصر ولا الأردن، وتفضّل سوريا إبعادها إلى لبنان. سنشهد في لبنان موجة تهجير لهذه الكادرات العسكرية، وما يُطرح من تشكيل طلائع “طوفان الأقصى” يُشير إلى أن جنوب لبنان سيتحوّل كما كان أيام “فتح لاند”، أو إلى “ممانعة لاند”، أو إلى “حماس لاند”، وبالتالي لن يستقر بعد الانتهاء من غزة أو ما يسمى بـ”اليوم التالي”.

■ هذا يعني أننا لن نكون أمام حلول، إنما سنكون أمام تحضير لحرب قادمة، وليس انتهاء للحرب، ما جرى سوى فصل من فصول الحرب؟

■ سنكون أمام انتهاء للحرب إنما بنتائج سياسية ليست لمصلحة الشعبين الفلسطيني واللبناني. الشعب الفلسطيني لن تقوم له قائمة مرة جديدة، ولن يحصل على حل الدولتين أو على دولة مستقلة ذات سيادة، أما لبنان فسيكون عرضة للمزيد من الأعمال العسكرية ومن المزيد للتواجد المسلح على أراضيه من القوى اللبنانية وغير اللبنانية وتحديداً القوى الفلسطينية. ونُذكّر بما قاله السيّد حسن نصر الله من أنّ لديه مائة ألف مقاتل ما عدا الوافدين من الخارج الذين سينضمون إليه دفاعاً عن لبنان والقضية الفلسطينية والقضايا العربية، وما قامت به “حماس” بإعلان تشكيل “طلائع طوفان الأقصى” يُلامس هذا المنحى. كما لا بد من التوقف عند الشعار السياسي الذي رُفع عند الضغط لتطبيق القرار 1701، حيث بعد المطالبة بتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقرى السبع وقرية الغجر، بدأ الحديث عن الاتفاقية الفرنسية-البريطانية لحدود الانتداب والمطالبة بالأراضي التي نصّت عليها اتفاقية بوليه-نيوكامب عام 1923. فالمطالبة بهذه الأراضي التي تصل إلى بحيرة طبريا هي لإبقاء السلاح عبر إبقاء شعار تحرير الأراضي اللبنانية، الذي لم يعد يقتصر على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي هي مدار خلاف بين لبنان وسوريا، وامتنعت دمشق عن إرسال أي وثيقة إلى الأمم المتحدة لإثبات لبنانيتها. إن التوسّع في الشعارات السياسية لتحرير هذه الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 والقول بتحرير القدس والصلاة في المسجد الأقصى هي عوامل لا تبشّر بأن لبنان سيكون في فترة استقرار طويلة أو بأنه سيشهد أمناً واستقراراً في المدة المقبلة، أقله في عشرات السنوات المقبلة. من هنا يأتي تنفيذ القرار 1559 بأهمية تنفيذ القرار 1701، إنما للأسف فإن المجتمع الدولي لا يطالب إلا بالحفاظ على أمن إسرائيل ولا يهتم لقضايا الشعب اللبناني.

■ من خلال قراءتك بأن المجتمع الدولي لا يأبه لتنفيذ القرار 1559 وبالتالي سيبقى سلاح حزب الله وسيُضاف إليه سلاح فلسطيني بعد إبعاد حماس والجهاد. فهذا يعني أن الأرضية ستكون مهيّأة لحرب جديدة قادمة؟

■ الحرب القادمة لن تكون في سبيل تنفيذ القرارات الأممية ولن تكون لأسباب داخلية محضة تتعلق بالسيطرة على النظام السياسي والدولة اللبنانية أو على موقع أمني أو قضائي أو إداري. بل ستكون في حسابات إقليمية تتعلق بإيران وربما بمصير سوريا ونظامها. ليست الحرب القادمة بمقاييس ومعايير داخلية بل بمعايير إقليمية. إذا شُنّت أي حرب على الأراضي الإيرانية ستكون جبهة لبنان جزءاً من هذه الحرب. أما إذا لم تكن أجندة إيرانية واضحة تستدعي الحرب من جنوب لبنان، فنحن سنشهد نوعاً من الهدوء كما شهدنا من العام 2002 وحتى 7 أكتوبر الماضي. وبالتالي هذا الاستقرار النسبي الذي شهدناه طيلة 17 عاماً ربما سنشهد مثله إذا تمت المفاوضات أو صيغ من الاتفاقات بين واشنطن وطهران.

هناك مصلحة لطهران ولواشنطن في ظل حكم الحزب الديمقراطي أن تكون هناك صيغ من الاتفاقات لعدم توسيع المعارك والمجابهات العسكرية التي يمكن أن تحصل كما يجري في بعض القواعد الأمريكية في العراق أو كما يجري في البحر الأحمر مع الحوثيين.

■ الإدارة الأمريكية تلوّح بإمكانية إعادة تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية، هل برأيك يمكن أن تذهب في هذا الاتجاه أم أنها ورقة ضغط ليس إلا؟

■ القرار الأول لبايدن كان رفع الحوثي عن لائحة المنظمات الإرهابية وترافقَ ذلك مع قرار الضغط على السعودية لوقف الحرب على الحوثي وشمال اليمن ومنع إمدادات الأسلحة والذخيرة المناسبة عن المملكة وسحب نظامَيْ باتريوت وثاد للدفاع الجوي من المملكة. هذه السياسة كانت إشارة لإيران بأنّ الإدارة الديموقراطية ترغب بفتح الأبواب والتفاوض معها مجدداً، وشهدنا مفاوضات في فيينا قبل أن تتوقف، والإعلان لاحقاً عن إبعاد روبرت مالي، كما شهدنا الإفراج عن 6 مليارات دولار من أموال طهران المجمّدة في كوريا الجنوبية وإيداعها في بنوك الدوحة في إطار صفقة لإطلاق سراح الأسرى الأمريكيين في إيران وسجناء إيرانيين في أمريكا. كل هذه الخطوات والأجواء وسط التطلع الأمريكي الدائم لإعادة نوع من التفاوض مع إيران مقابل ضبط إيران لزيادة التخصيب، لا تُشير إلى أن الحزب الديموقراطي بقيادة بايدن سيُعيد الحوثي إلى قائمة الإرهاب وسيقتص منه كرسالة إلى إيران. حتى الآن، الأساطيل الموجودة في البحر الأحمر لم تقم بأي عملية عسكرية ضد الحوثي. وأغلب الظن أن الوجود الأمريكي ليس لاستهداف الحوثي بل لتأمين خفرٍ للبواخر المارة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر. لا أعتقد أن هناك نيّة عميقة لدى الإدارة الأمريكية لتأديب الحوثي وضربه عسكرياً. فعندما قصفت إسرائيل موقعاً في شمال اليمن، طلبت منها أمريكا التوقف عن عملياتها، ومنعت ردَّات الفعل من شمال اليمن.

■ “محور إيران” يُراهن على أن طهران قادرة على الضغط على بايدن مع دخول أمريكا في سنة الانتخابات الرئاسية؟

■ لا أعتقد أن الضغط الإيراني الذي يُمارس اليوم من ضمن هذه اللوحة المتحدة من اليمن مروراً بالعراق وسوريا ولبنان سيؤدي إلى نتائج ملموسة تُعيد الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات، أو أن تُقدم الإدارة في واشنطن على أي تنازل، لأنّ هناك رصد من الحزب الجمهوري في الكونغرس بغرفتيه، وهناك أيضاً تيار واسع في الحزب الديموقراطي أعرب عن رفضه لعودة التفاوض أو تقديم تنازلات لإيران. الأجواء المسيطرة في الكونغرس لا تسمح لبايدن أن يُقدّم تنازلات جديدة لإيران. هذه رقصة تانغو، ولا يمكن فقط الحديث عن أمريكا بل يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الموقف الإيراني. وبيد إيران أوراق عدة للضغط على واشنطن منها ما يجري في البحر الأحمر وتأثيره على الملاحة الدولية وعلى الاقتصاد الدولي والتجارة الدولية، وعلى التضخم الذي ضرب سياسات جميع المصارف المركزية الغربية وأعادها إلى نقطة الصفر.

■ إذا قارنا ما قبل “طوفان الأقصى” وما بعده، هل يمكن القول إن موازين القوى انقلبت رأساً على عقب أم ما زالت هي نفسها التي كانت حاكمة؟

■ الحرب القائمة في غزة ستستمر بشكلها الحالي حتى النصف الثاني من كانون الثاني/يناير 2024، وستأخذ بعدها أشكالاً مختلفة. أما في النتيجة الجيوسياسية العامة، ستكون هناك عودة إلى نوع من المفاوضات وتوسيع الاتفاقيات بين الدول العربية وإسرائيل. وستعود لإسرائيل، مع الأسف، قوة الردع التي تميّزت بها قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر. وستلجأ إلى مزيد من التهديدات بالنسبة للجولان وشمال سوريا ولبنان، وستتطاول في المدى البعيد على شمال اليمن، وستعود إلى نغمة ضرب المصالح النووية الإيرانية والقيام بعمليات سرية داخل إيران بعدما كانت إدارة بايدن طلبت منها سابقاً التوقف عن ذلك. هذه التوقعات ممكنة، ولا سيما إذا فاز الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، خصوصاً أن إسرائيل مضطرة إلى إعادة صورة الردع، ومقولة “الجيش الذي يستطيع الوصول إلى أي مكان يريده” بعد أن ضُربت هذه الصورة أو تزعزعت جراء عملية “طوفان الأقصى”.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. إن مجريات حرب غزة ظاهرها صراع فلسطيني ـ إسرائيلي نتيجة لعملية “طوفان الأقصى” 7 أكتوبر ولكنها في الواقع صراع دولي حول النفوذ العالمي ومَن يقود النظام الدولي ، لأن الحرب الحالية ستستمر لمنتصف ك2 ولكن هل ستكون بإنتصار محور الإبراهيمي بالشرق أوسط الجديد ؟ أم سيكون سيناريو آخر جديد ؟ حل الدولتين لن يتحقق وكذلك نهاية المقاومة ، فهل سننتظر نهاية الانتخابات الأمريكية ؟

زر الذهاب إلى الأعلى