مع رفض نتنياهو.. أمريكا: نوصي بإقامة منطقة عازلة والاقتصار على الاقتحامات المركزة

عاموس هرئيل

يتبلور لدى المستوى السياسي وجهاز الأمن فهم بأن الحرب في قطاع غزة قد تنتقل إلى المرحلة الثالثة (بعد مرحلة القصف الجوي ومرحلة العملية البرية) خلال الشهر القادم. حسب توصية الولايات المتحدة، فإن تغيير طبيعة القتال ربما يشمل الانتقال إلى إقامة منطقة عازلة على حدود القطاع، وربما أيضاً بين شمال القطاع وجنوبه. وتقليص عدد قوات الاحتياط والانتقال إلى صيغة الاقتحامات اللوائية، بدلاً من الفرق الأربع التي تقوم الآن بعملية برية واسعة، بطيئة وفتاكة، في جزء كبير من أراضي القطاع. تتركز النقاشات داخل إسرائيل على مسألة متى سيكون موعد الانتقال إلى هذا التغيير؛ في منتصف كانون الثاني أم في نهايته. ولكن هناك عائقاً أساسياً واحداً أمام هذا الانتقال، وهو الوضع السياسي لرئيس الحكومة الذي يخشى من انهيار الائتلاف تحت ضغط اليمين.

الإدارة الأمريكية، بما في ذلك البنتاغون وقيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي، توصي إسرائيل بتغيير طبيعة العملية منذ فترة طويلة. ولكن الأمريكيين لا يقفون ومعهم ساعة توقيت صلبة. هم يظهرون التفهم الخارج عن المألوف لعدالة الحرب الإسرائيلية إزاء مذبحة حماس في الغلاف، ويعطوننا الدعم العسكري والسياسي الكبير ويحافظون على طول نفس مدهش، إذا أخذنا في الحسبان استفزازات نتنياهو المستمرة وبعض أعضاء الجناح اليميني المتطرف في حكومته. ولكنهم يقلقون أيضاً من عمليات قتل كثيفة تلحق بالمدنيين في القطاع. ومثلما أشار الرئيس الأمريكي في الأسبوع الماضي، فإن الولايات المتحدة تتوقع من إسرائيل تقليص هجماتها الجوية لتقليل عدد المدنيين المصابين.

وثمة عائق آخر يواجه إسرائيل يتعلق بعبء غير مسبوق على نظام الاحتياط وتأثيره على الاقتصاد. الروح القتالية لدى الجنود، بما في ذلك جنود الاحتياط، مثيرة للإعجاب. ولكن مئات الآلاف منهم بقوا في الخدمة لمدة شهرين متواصلين تقريباً. وأصبحت العواقب المترتبة على ذلك بالنسبة للعائلات والشركات والتعليم مرهقة. ويبدو أنه سيكون من الضروري أخذ هذا في الاعتبار وإجراء تغييرات في التحضيرات في كانون الثاني.

الولايات المتحدة لا تتحفظ من رغبة إسرائيل في تعميق العملية في خانيونس، التي قال عنها وزير الدفاع يوآف غالنت أمس إن هدفها الرئيسي هو المس بقيادة حماس. تتقدم النشاطات هناك ببطء وحذر، خوفاً من تعاظم عدد المصابين في صفوف الجيش الإسرائيلي، وتجنباً للمس بالمخطوفين، الذين تفترض إسرائيل أن حماس تفضل الحفاظ عليهم كبوليصة تأمين قرب قادتها.

في هذا الشأن، جاءت أقوال رئيس الأركان هرتسي هليفي، التي قالها في جلسة كابنت الحرب، الإثنين، بأن الأمر استغرق عشر سنوات لتصفية أسامة بن لادن رئيس “القاعدة”، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول في 2001. وقال هليفي للوزراء إن قتل يحيى السنوار، رئيس حماس في قطاع غزة، سيستغرق إسرائيل وقتاً أقل. ولكن ثمة رسالة خفية في ذلك، وهي إمكانية انهيار العملية وتغير صورتها قبل تحقيق أهدافها.

لم تكن هذه الرسالة التي فرح بسماعها كثير من أعضاء الكابنيت الأمني، خلافاً لكابنيت الحرب. وليس صدفة أن انقض إيتمار بن غفير وميري ريغف وضباط كبار في الجيش اُستدعوا للمشاركة في الجلسة بانتقادهم لـ هليفي بسبب قرار الجيش تعليق قتال جنود الاحتياط الذين استولوا على الميكروفون داخل مسجد في جنين لاستفزاز السكان.

إن رد رئيس الأركان الحاد يدل على أنه سئم من القيام بدور المنبر المريح للعلاقات العامة لوزراء عديمي الجدوى. ولكن عدم الرضا داخل الكابنيت يعكس أمراً أكبر، وهو خوف اليمين المتزايد من تقليص حجم القتال في القطاع دون تحقيق أهداف الحرب المعلنة، وهي تدمير حماس (الجيش الأكثر حذراً يتحدث عن تدمير قدراتها) وإعادة المخطوفين وخلق وضع أمني جديد يمكن سكان بلدات الغلاف من العودة إلى بيوتهم.

كان هذا نتنياهو نفسه من صمم على الحرب رغم تحذيره على التعهد بنسبة أهداف طموحة جداً منذ البداية. وهذه آمال تصطدم مع الواقع الآن. قتال الجيش الإسرائيلي جبى ثمناً باهظاً من حماس ومن سكان القطاع – قتل آلاف المخربين، وتدمير كثيف في شمال القطاع، وإبعاد كل سكان الشمال نحو الجنوب، وإضرار كبير بالسلاح والأنفاق. ما لم تفعله الحرب حتى الآن هو التسبب بانهيار كامل لمنظومة القيادة والسيطرة على حماس أو نزع الروح القتالية لدى رجالها.

في إحدى المعارك الأخيرة، أسر الجيش الإسرائيلي قائد فصيل في حماس. وفي التحقيق معه، قال إنه لم يعرف قط بأن قائد كتيبته قد قتل في قصف سابق لإسرائيل. انقطع الاتصال بينهما واستمر القائد الأصغر في القتال، حسب قوله، حتى خوفاً من قائده. وعندما استسلم في مرحلة متأخرة، قال إنه لو عرف بأن قائد كتيبته مات لاستسلم قبل ذلك.

ثمة أمور مشابهة تحدث في قطاعات أخرى. فقد بنت حماس نظاماً غير مركزي، تستمر أجزاء منه في القتال بعد تصفية القيادة المحلية في كتيبة ما. ولأن الأمر يتعلق بمنطقة مأهولة ومكتظة، ولأن لدى الجيش قوات كبيرة تنتشر فيها، فإن لحماس أهدافاً لضربها. في معظم الهجمات، يتم تشخيص الخلايا وضربها قبل إلحاق الأضرار. ولكن يكفي حادثة أو اثنتان في اليوم لجباية الثمن بحياة الجنود.

نتنياهو، الذي له تجربة من بين أعضاء الحكومة والكابنيت، يعرف ذلك جيداً. ولكن يقف على رأس سلم أولوياته، كما يبدو، بقاؤه في الحكم. لذلك، ربما يختار إدارة مواجهة مصطنعة مع الأمريكيين ليحافظ على أحزاب اليمين معه. ستنتقل الكرة في هذه الحالة إلى وزراء المعسكر الرسمي بني غانتس وغادي آيزنكوت، اللذين سيضطران لاتخاذ قرار حول متى وعلى أي صراع يجب عليهما حل الائتلاف الذي وافقا على الانضمام إليه إزاء الهجوم الإرهابي من الأسبوع الأول للحرب.

حماس بكامل الشر

في بداية الأسبوع، جرت لقاءات في وارسو هدفت مجدداً إلى تحريك المفاوضات على صفقة تبادل للمخطوفين. الرئيس الأمريكي، بواسطة رئيس الـ سي.آي.ايه، وليام برانس، يريد حث إسرائيل والوسيطة قطر أيضاً لإنقاذ المزيد من المخطوفين الإسرائيليين الأحياء. ولكن اختراقة في المفاوضات تبدو أصعب على الوصول هذه المرة مقارنة مع صفقة تشرين الثاني.

يمكن الافتراض أن السنوار، سواء بقي تحت الأرض في خان يونس أو هرب، يجد صعوبة في إجراء الاتصالات مع العالم الخارجي. كبار قادة حماس في الخارج يبثون خطاً واحداً في هذه الأثناء: لن تتم الصفقة إلا إذا أوقفت إسرائيل القتال وانسحبت من القطاع. حينذاك سيكون بالإمكان مناقشة تسوية أخرى التي، حسب طلباتهم، ستشمل إطلاق سراح عدد كبير من السجناء – القتلة. يبدو هذا موقفاً لن تتزحزح عنه حماس. ولكن إسرائيل تبث الآن أيضاً أقوالاً فارغة عن تأييدها لإطلاق سراح جميع المخطوفين.

في غضون ذلك، تلاحظ حماس -حسب رأيها- نقاط ضعف في أوساط الجمهور الإسرائيلي إزاء القلق المتزايد والمبرر على مصير المخطوفين الباقين، في الوقت الذي يتم فيه كل بضعة أيام الإبلاغ عن موت مخطوفين آخرين. كما يبدو، هذه هي الخلفية لنشر فيلم الحرب النفسية أول أمس الذي ظهر فيه ثلاثة من المخطوفين، ثلاثة مسنين من “كيبوتس نير عوز”. منظر المخطوفين الضعفاء والمتعبين أثار قلق عائلاتهم على صحتهم، إلى جانب ارتياحهم بسبب معرفتهم أنهم أحياء. وكشف الفيلم أيضاً شر حماس وأنها منظمة تحتجز أشخاصاً مسنين، 80 سنة تقريباً، ووضعهم الصحي سيئ، كورقة مساومة، في وقت تواصل فيه إعاقة إطلاق سراح فتيات اختطفن وتم التنكيل بهن من المشاركات في الحفلة.

ملاحظتان

لبنان. أي نقاش حول استمرار الحرب في القطاع يتعلق مباشرة بما يحدث على الجبهة اللبنانية. حتى أثناء زيارة وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أول أمس لإسرائيل، تم عرض موقف قاطع لواشنطن. سيكون الحل سياسي إزاء الشمال. وستحاول الولايات المتحدة بلورة اتفاق يتضمن إبعاد قوة الرضوان إلى خلف نهر الليطاني. ولكنه سيضطر إلى التعامل أيضاً مع النزاعات على الحدود التي لم تُحل بين إسرائيل ولبنان. بقيت إسرائيل متشككة بخصوص احتمالية نجاح هذه المبادرة، ولكنها ستعطي الوقت لهذه المبادرة.

يستمر “حزب الله” في هذه الأثناء في إطلاق الصواريخ والقذائف المضادة للدروع والمسيرات على طول الحدود، حيث يتم تسجيل 5 – 10 أحداث يومياً. تجبي إسرائيل ثمناً غير قليل، وعدد القتلى الرسمي في صفوف “حزب الله” بلغ 115 قتيلاً في الشهرين والنصف الأخيرين. ولكن النجاح العملياتي هذا للجيش الإسرائيلي لا يردع “حزب الله” عن الاستمرار في إطلاق النار ولا يقنع عشرات آلاف السكان الذين اضطروا لترك بيوتهم في البلدات القريبة من الجدار باحتمالية عودة آمنة إلى بيوتهم في الفترة القريبة.

اليمن. لقد مر شهر منذ أن اختطف الحوثيون طاقم سفينة كانت تبحر في البحر الأحمر، بالذريعة الضعيفة أنها مرتبطة بإسرائيل. منذ ذلك الحين، اتسعت العملية الحوثية كثيراً وباتت تشوش الملاحة في مضائق باب المندب، الأمر الذي تحول إلى مشكلة اقتصادية وسياسية عالمية. شكلت الولايات المتحدة في هذا الأسبوع تحالفاً دولياً يهدف إلى تأمين الملاحة، لكن تكتفي الآن باعتراض الصواريخ والمسيرات التي تطلق من اليمن، ولا تتخذ أي سياسة هجومية.

وانضم لهذا التحالف بشكل علني على الأقل عشر دول، بعضها عربية. ولكن دولة عربية واحدة، هي البحرين، وافقت على “إعلان” انضمامها حتى الآن. ولكن الخاسر الأكبر من هذه العملية التي قام بها الحوثيون بحثّ من إيران، هي مصر. حصار الحوثيين ضربة قاضية لقناة السويس التي تعدّ مصدر الدخل الرئيسي لنظام السيسي. إسرائيل في هذه الأثناء متضررة ثانوية من هجمات الحوثيين العنيفة، رغم أن العملية كلها تجسد التأثير الإقليمي الشديد للحرب في غزة.

المصدر: هآرتس /القدس العربي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اختلاف الرؤية للمرحلة الثالثة من حرب الكيان الصhيوني على شعبنا في فلسطين/غزة وبمشاركة ودعم الغرب بقيادة أمريكا بايدن/بلينكن ،/ سببه رؤية كُلٍ منهما للنتائج والأهداف، بايدن/بلينكن على أبواب انتخابات رئاسية وضغوط الرأي العام والكونغرس الجمهوريين بدأ يعيد حساباتهK وأما نتNياهو ووزير دفاعi تحقيق انتصار يعفيهم من المحاسبة لما حدث بـ 7 أكتوبر .

زر الذهاب إلى الأعلى