ثلاث خطوات دولية وراء سقوط حلب

حسن النيفي  

ممّا لا ريب فيه أن استعادة نظام الأسد سيطرته على القسم الشرقي من مدينة حلب في شهر كانون الأول من العام 2016 جسّد مفصلاً حاسماً في سيرورة الثورة السورية من الناحيتين العسكرية والسياسية، ومما لا شك فيه أيضاً أن سقوط حلب الشرقية بيد قوات الأسد لم يكون نتيجةً لسيرورة صراع محلّي محصور بين قوات الأسد وفصائل المعارضة العسكرية فحسب، بقدر ما كان نتيجة لصراع المصالح الدولية على الجغرافيا السورية، إذ أفضى هذا الصراع إلى جملة من التفاهمات، كانت إحداها إعادة حلب إلى حوزة الأسد. وبإيجاز شديد يمكن الوقوف أمام ثلاث خطوات دولية متعاقبة أفضت نتائجها إلى تقاسم النفوذ داخل سورية ولكن على حساب الطرف الأضعف، ونعني الشعب السوري الذي فقدت معارضاته الرسمية (العسكرية والسياسية) آنذاك آخر الخيوط بقرارها الوطني وباتت أكثر انزياحاً نحو دور وظيفي بدا يتنامى حتى وصل إلى حالة من الارتهان المطلق.

تكمن الخطوة الأولى بالقرار الروسي نحو التدخل العسكري المباشر إلى جانب قوات الأسد في أواخر شهر إيلول من العام 2015 ، وذلك بسبب الانهيارات المتسارعة في قوات الأسد آنذاك، وبطلبٍ رسمي من إيران عبرَ زيارة قاسم سليماني إلى روسيا ومقابلته للرئيس بوتين بهذا الخصوص. مع التأكيد على أن إدارة باراك أوباما لم تعترض على الخطوة الروسية آنذاك، بل ربما بدت أكثر ميلاً إلى تبريرها بحجة أن القوات الروسية ستقوم بمحاربة الجماعات الإرهابية في سورية. وبعد الخطوة الروسية بشهر واحد، أي في شهر تشرين أول من العام نفسه بادرت الولايات المتحدة الامريكية إلى تشكيل (قوات سوريا الديمقراطية) بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي(pyd) الجناح السوري لحزب العمال الكوردستاني(pkk)، بهدف محاربة تنظيم داعش الذي بات يسيطر على مساحات واسعة من البلاد السورية آنذاك، مؤكّدةً بهذا الإجراء أن واشنطن، وكما عبّرت عن موقفها منذ بداية الثورة، ليست معنيّةً بإزالة نظام الأسد، بقدر ما تسعى إلى محاربة الجماعات الجهادية التي بات خطرها يداهم الأمن الأمريكي القومي وفقاً للإدارة الأمريكية. ولئن كان نظام الأسد هو المستفيد الأبرز من تقايض المواقف بين موسكو وواشنطن، إلّا أن تركيا وجدت في الخطوتين الروسية والأمريكية إلتفافاً على سياساتها وتجاهلاً لمصالحها، في الوقت الذي تعتبر نفسها هي الأقوى حضوراً على الساحة السورية، فضلاً عن أن أقدار الجغرافيا مكّنتها من وضع يدها بالمطلق على الملفّ الإنساني والعسكري، ومن ثم لاحقاً السياسي، إلّا أن هذا الامتعاض التركي لم يكن بمقدوره إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولكنه بالتأكيد قادر على مواجهة الالتفاف الأمريكي الروسي بالتفاف آخر، يتجلّى بقطع الطريق أمام القوات الكردية التي باتت تؤسس لكيان سياسي في شمال شرق سوريا من الوصول إلى مدينة عفرين التي كانت أحد معاقل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، فبادرت – بالتفاهم مع روسيا – إلى السيطرة على مدن  جرابلس وأعزاز والباب التي تفصل مدينة عين العرب عن عفرين، ثم أتبعتها بعملية غصن الزيتون في آذار 2018 التي انتهت بطرد حزب الاتحاد الديمقراطي من عفرين نهائياً ، وبهذا تكون أنقرة قد سدّت ثغرة أمنية كانت تخشى ان تكون نافذة خطر يهدّد أمنها القومي من الجهة الجنوبية للبلاد، وبالطبع كان ثمن ذاك التفاهم الروسي التركي هو انسحاب فصائل المعارضة العسكرية من حلب لتسيطر قوات النظام على المدينة كاملةً.

تنظر الدول الثلاث – أمريكا وروسيا وتركيا – إلى أن تقاسم النفوذ كما هو حاصل آنذاك هو الصيغة الأفضل للحفاظ على مصالحها، علماً أن التخوم الفاصلة بين مناطق النفوذ كانت على الدوام تخوماً قتالية غالباً ما تخضع للمستجدات وتغيّر موازين القوى على الأرض، ولا مشكلة في الانزياحات الميدانية التي تحصل على الأرض بين الحين والآخر شريطة ألّا تهدّد خرائط المصالح للدول الثلاث ذاتها، فمن ذلك مثلاً العملية التركية (نبع السلام) التي تمكنت تركيا خلالها بالتنسيق مع الجيش وطني من انتزاع تل أبيض ورأس العين من قوات قسد، وكذلك العملية التي قام بها نظام الأسد مدعوماً من الروس في شباط من العام 2020 واقتحمت قواته كلّاً من خان شيخون وسراقب ومعرة النعمان وقسماً من ريف ادلب وريف حلب الغربي، موازاةً مع تهجير أكثر من مليون مواطن نحو المخيمات وأماكن النزوح، علماً ان تلك المناطق كانت مشمولة بما يسمى (مناطق خفض التصعيد) وفقاً لتفاهمات مسار أستانا، ويمكن الذهاب إلى أن أي تصادم يحصل بين الأطراف الدولية الثلاثة يمكن تلافيه والحيلولة دون وقوعه طالما أن هناك طرفاً قابلاً لأن يكون الضحية على الدوام وهو الطرف السوري، ليس هذا ضرباً من تعزيز المظلومية بقدر ما هو واقع محسوس، ذلك ان البلاد السورية، وبغياب السلطة الوطنية، سواء من النظام أو المعارضة، تجعل من البلاد (مالاً داشراً) جاذباً لكل أشكال اللصوصية بحسب المثل الشعبي.

لا شك أن المآلات الراهنة والموجعة للمأساة السورية لم تكن قدراً مقدوراً على السوريين، بل نمت وترعرعت عبر مسارات صاغتها وهندست سيرورتها أطراف خارجية حرصاً على مصالحها، ولكن نجاح تلك الأطراف الخارجية كان مرهونا بتفاعل وتجاوب أطراف محلية تتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية أمام السوريين.

 

المصدر: موقع المجلس العسكري السوري

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كان سيطرة نظام دمشق على شرقي حلب بشهر كانون الأول 2016 جسّد مفصلاً حاسماً بسيرورة الثورة السورية وكانت نتيجة للقرار الروسي بالتدخل العسكري المباشر لجانب قوات الأسد بأواخر أيلول 2015 بطلبٍ رسمي من إيران عبرَ زيارة قاسم سليماني لروسيا ، وقيام أمريكا بتشكيل (قوات سوريا الديمقراطية) بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي(pyd) والثالثة الرد التركي بالسيطرة على مناطق درع الفرات ثم غصن الزيتون ، إن مستقبل سورية لن يحدد إلا بقيادة وطنية سورية .

زر الذهاب إلى الأعلى