اولاً . بداية كنت اود ان لا أخوض بأحاديث خلافية . ونحن في ثورة تتطلب توحيد الجهود والأفكار كلها لإسقاط النظام ومحاسبته وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية.. وبما أن موضوع الدولة الإسلامية أصبح بالتداول و( وتنظيم الدولة الإسلامية وغيره) يطرحه شعارا في سوريا. و بدأ يُطرح دينيا وطائفيا. ثم اصبح صراعاً مسلحاً بين تنظيم الدولة الاسلامية والثوار . استوجب تحري الموضوع والخوض به وتنويره
ثانياً . تم طرح الإسلام كدين ودولة (سلطة سياسية تحكم).. منذ القديم وهناك حركات رفعت الدين كفكر ومطلب للسلطة منذ الإسلام الأول بعد وفاة النبي ص. وعمل الصحابة على تنصيب خليفة له. يتصرف في امور الحكم واحوال المسلمين.. والتاريخ مليء بالاحداث والحركات والحكّام الذين طرحوا انفسهم كسلطه اسلامية او دعاة لها للآن
ثالثاً . بداية نقول ان النص القرآني لم يتحدث عن الحكم (بمعنى السلطة السياسية). الا بخلفية شوروية وإن أمر المسلمين شورى بينهم. وان كل من استند لبعض الآيات التي تتحدث عن الحكم بما انزل الله. كان المقصود منها الالتزام بما قرر الله في كثير من أمور المسلمين. الحياتية والدينية. من خلال حياتهم مع الرسول ص . ولم تكن تعني حكما سياسيا وفق طريقة معينة دينية.. ودليلنا على ذلك ان المسلمين تداعوا للبحث في أمر الحكم بعد وفاة الرسول. واتفقوا شورويا.. على ابو بكر ولم يأخذوا بنص أو موقف ديني مسبق… ونحن هنا نرفض اي فكرة تتحدث عن تفويض إلهي لأحد بعد الرسول في أمور الدين والحكم.. والتي انتشرت في أوساط الشيعة وبعض السنّة.. ودليلنا: ان كل هذه الأفكار جاءت متأخرة عن ممارسة المسلمين الأوائل: فعلي بن أبي طالب تصرف وفق واقع الشوروية الاسلامية.. بقبوله خلافة أبو بكر وعمر وعثمان.. حتى هو جاء شورويا. وانه عندما خاض الصراع مع عائشه والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف . وبعدها مع معاوية بن أبي سفيان.. كان وفق مصالح سياسية وانه حصل على بيعة الخلافة، وهذا يعني خروجهم عن الشرعية للحكم المسلم وقتها وهم بخروجهم يضرّون المسلمين.. وحتى حربه مع الخوارج.. لأنهم طرحوا التكفير لبقية المسلمين وبدأوا بالقتال . واعطوا الحكم ذي البعد السياسي بعدا دينيا.. وأطلق علي كلمته للتاريخ في مواجهتهم ومواجهة جيش معاوية الذي رفع المصاحف في معركة صفين مطالبين بحكم الله وتحكيم القرآن والشرع.. رد عليهم.. انها أمور السياسة والحكم. وانها كلمة (حق اريد بها باطل)
رابعاً . ان ممارسة الحكم في عصر الخلفاء الراشدين. كانت وفق مصلحة الجماعة المسلمة. وبطريقة شوروية. (نسبيا لزمانها ومكانها ودرجة التطور الاجتماعي). تغيرت وتطورت حسب ما واجهت بواقعها. فتجربة ابو بكر تختلف عن تجربة عمر عن عثمان عن علي.. ولكنها كلها كانت نسبيا تعود لما يريد المسلمين انفسهم. مع اختلاف النسبة. ولم يطرح أحد (منهم ابدا) انه يحكم بإرادة الله أو بتكليف منه.. وتسميتهم خلفاء الرسول انهم مرتبطون بدورهم بسياسة الامور وفق مصلحة العباد.. وهذه وصايا ابوبكر وعمر.. تؤكد ذلك وتحيل المتابعة والمحاسبة على المسلمين انفسهم
خامساً . عندما تحول الحكم (الاسلامي). لبني امية وبالقوة والغلبة وأصبح مصدر الحكم وشرعيته القوة العارية (ملك عضوض)، وأراد الحاكم أن ينسب نفسه للإسلام ليأخذ مشروعية العقيدة التي هي المرتكز النفسي والأخلاقي والقيمي والاجتماعي للمسلمين . عمل بني أمية وبعدهم العباسيين .. وكل الحكام وفي كل المراحل حتى العثمانيين .. على خلق مشروعية.. لهم عبر ادعائهم بأنهم يحكمون بما أمر الله. وابتدعوا منذ معاوية بن أبي سفيان. فقهاء إسلاميين (فقهاء السلطان ) يبررون حكمهم وسلوكهم.. والذي كانوا يفتون (في أغلب الأحيان) ضد جوهر الدين (الذي هو رعاية مصلحة العباد والحفاظ عليها). وضد العباد أنفسهم الذين صاروا ضحية حكم وراثي مستبد طاغي يعمل لمصالح الحاكم وعصبته.. وعلي حساب اغلب الناس.. وينسب حكمه للإسلام زورا وبهتانا… فلا هم عبروا عن مصلحة عموم المسلمين (كشعب ورعيّة). ولا هم رجعوا لهم بأي أمر من الأمور . بل كان الحكم جبري مستبد . والمسلمين عليهم التنفيذ.. ومن يختلف مع الحاكم من عامة الناس أو من رجال دين يطالبون بجوهر الاسلام. كان مصيرهم السجن أو القتل او النفي.. واغلب الأئمة الأربعة (أبي حنيفة وأحمد بن حنبل ومالك والشافعي). اصطدموا مع الحاكم وتلقوا عقابهم السجن وغيرهم كثير
سادساً . طبعا لم يقبل رجال الدين المرتبطين بجوهر الإسلام. كخير وعدالة و شوروية ومصلحة العباد. لا بالحكم الوراثي وظلمه واستبداده. ولا بفقهه وفقهائه. فأنتج فقها إسلاميا وعلم أصول عمل ليعيد الإسلام لأن يكون كما بعثه الله وبلغه وتصرف به الرسول الكريم.. وحورب هؤلاء العلماء. وبعضهم مات بيد السلطان أو سجن أو عذّب..والائمه الاربعة نالوا من جور الحكام الكثير. كما ذكرنا سابقا
سابعاً . كان الحكام والثائرين عليهم الى ما قبل العصر الحديث. يعتمدون في شرعية حكمهم. او شرعية الثورة على الحكام على قراءات (اسلامية). تبرر مواقفهم والتي كانت متناقضة و متصارعة على الأرض والتي كان أغلبها دمويا.. والتي امتد بعضها لعقود طويلة… وتميزت القراءات الاسلامية للحكام والثوار عليهم بأنها متعددة ومتنوعة ومختلفة ومتناقضة. وكلما ابتعدنا أكثر عن بداية بعثة الرسول كلما زاد الاختلاف والتنوع. وزادت الهوة وأصبح الخلاف عقائديا وأصبحت المجموعات عصبا مغلقة معادية ومكفّرة لبعضها بعضا
ثامناً . لم يستسلم علماء المسلمين . لا لمصادرة الحاكم للسلطه والحقوق وللدين نفسه. ولم يقبلوا ايضا باي غلواء او انحراف عن أصل الدين وجوهره.. واستمرت شعلة متنامية من بعض العلماء .. الذين أعطوا للاسلام عمقه الحقيقي ودوره في حياة الناس.. وتوصلوا أن الحكم شأن بشري وليس الهي.. وأن الشرع نفسه جاء لتحقيق مقاصد شرعية هي الحفاظ على النفس والمال والعرض والدين والعقل.. وطورها البعض لتشمل المساواة والعدالة ومصالح العباد.. وان ذلك.. متغير بالزمان والمكان وبتغير احوال العباد.. وكل ذلك مناط بالبشر انفسهم وواقعهم ومشاكلهم وحلولها. وان شرع الله يدور حيث مصلحة العباد. وعملوا على تحرير الدين من الحاكم ومن بعض التفاسير التي لا تنطلق من شمولية الدين ومقاصده
تاسعاً . ان المسلمين متفقين على أن القرآن من عند الله (باستثناء بعض المغالين). ومختلفين فيما بعد ذلك في التفسير وحول الحديث وحول الشرع والحكم .. ونستطيع القول ان الاسلام اصبح متعددا في الواقع. وان ذلك مقترن بـ رؤى ومواقف مختلفة ومتناقضة. بعضها أصبح مذاهب. والبعض طوائف تحت مظلة الاسلام. والبعض تجاوز حتى مبادئ الإسلام الأولية… وكلهم لهم رأي في الحكم وكيف يكون. والكل يتصرف وفق ما يرى. وواقع الحال تشتت وضياع في الرؤية. وصراع في الواقع. وغياب للناس وتغييب لمصالحهم… وصلنا الى الأحساس اننا امام ادعاء إسلامي يخدم أغراض مصلحية ضيقة
عاشراً . المسلمين مشتتين في الطوائف والحركات والانتماءات… فأهل السنّة مذاهب متنوعة و وهابية لا مذهبية ومتصوفة. واحزاب اسلامية ولكل رأي في الحكم واغلبها متناقض. المتصوفه يتركوا أمر الحكم لله يضعه حيث يشاء. والسنة التاريخيين يتركوها لله ايضا و الغلبة وعدم الوقوع بالفتنة و تسليمها للحاكم المتغلب.. و السياسيين السنّة المعاصرين. حولوها لحاكمية الله عبر البشر وضرورة الطليعة والثورة.. وبعضهم اعادها لاصلها مصلحة العباد المبررة والمقرره منهم… والتنوع هائل. اما الشيعة وفرقهم المختلفة فبعضهم يعتبرها أمرا إلهيا تكليفيا للحكم واستمرار الدين. عبر علي وابنائه بعده (الاثني عشرية) والتي انتهت بانتظار الإمام المهدي وتوكيل نائب الامام ليحكم في فترة الغيبة.. كما في ايران . والبعض يعتقد أن الإمام الموكول بأمور الدين والدنيا حي ويمارس دوره.. وعلينا الطاعة مثل الاسماعيلية بفروعها. والبعض يتحدث عن أئمة فيهم من الألوهية… كالعلوية.. وغيرهم من يعتقد بحكم بأمره وأنه الله؟
أن البون شاسع والاختلاف هائل
حادي عشر . واذا تحدثنا عن الاسلام المعاصر وحركاته السياسية .سنجد أننا أمام تعدد سياسي. وأمام رؤى متناقضة لدرجة ان اي دعوة لدولة إسلامية دون الحديث عن كل الحالة وتفاصيلها وماذا يريدون.؟. وكيف.؟. هي نوع من التضليل. واضاعة للرؤية…وضياع ايضا..
اخيرا كل ذلك يجب ان ندركه قبل أن نتحدث عن الدعوة للدولة الاسلامية في عصرنا. وفي ثورتنا السورية .مهدنا لحديثنا..وفتحنا باب الحوار والتفكير.
4.8.2015
قراءة موضوعية عن عن فكرة الدولة الإسلامية الذي تبنته المنظمات المتطرفة كـ “داعش” ، النص القرآني لم يتحدث عن الحكم (بمعنى السلطة السياسية). الا بخلفية شوروية وإن أمر المسلمين شورى بينهم وان الاستناد لبعض الآيات التي تتحدث عن الحكم بما انزل الله. كان المقصود منها الالتزام بما قرره الله بأمور المسلمين. الحياتية والدينية. بحياتهم مع الرسول “ص” وإن خلافة الرسول كانت شورى ولم تستند الى ما يذكرون ,