ثمة إصرار كبير لدى القسم الأكبر من جمهور العرب والمسلمين على توجيه اللوم والتقريع إلى حكّامهم وقادتهم لعدم مساهمتهم الفعلية والجادة بنصرة الفلسطينيين والوقوف إلى جانبهم إزاء الحرب الوحشية التي يشنها الكيان الصهيوني على أهالي غزة منذ السابع من شهر تشرين الأول الفائت، ولا يتوانى الجمهور العام من توجيه التّهم التي تبدأ بالتقاعس وربما تنتهي بالخيانة، ولكن في الوقت ذاته نجد أن هذه الاندفاعة الجماهيرية نحو تقريع الحكّام لا توازيها اندفاعة مماثلة لدى الجمهور ذاته لفعل شيء ما، بالطبع هناك ذرائع جاهزة لدى عامة الناس لعل أبرزها أن المواطن العربي في غالبية البلدان العربية مكبّلٌ بالقيود الأمنية التي تفرضها السلطات التي لا تتيح له التعبير عن رأيه إلّا ضمن الحدود التي تفرضها السلطة، وهو بهذا الجواب يكون قد أعفى نفسه من فعل أي شيء سوى الاستمرار في إلقاء تبعات العجز على سياسات القادة والحكومات.
وفي موازاة هذا الموقف نجد سلوكاً مغايراً يتجسّد بالتضامن المطلق مع مأساة غزّة سواء من خلال التظاهر المباشر أو من خلال فعاليات أخرى، اجتماعية وثقافية وسياسية، أو من خلال مواظبة خطباء المساجد على أن يجعلوا محور خُطب صلاة الجمعة حول ما يجري في غزّة، وهنا نخص بهذا الموقف جمهور السوريين، وعلى وجه التحديد في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، وربما يصل الحماس لدى بعض خطباء المساجد إلى دعوة الفصائل العسكرية المتواجدة في الشمال السوري إلى التعبئة العامة ومن ثم البحث عن طريق ما يؤدي إلى غزّة لمشاركة إخوانهم المجاهدين – وفقاً للخطباء – ومؤازرتهم في التصدّي للعدوان ( اليهودي ) على المسلمين، وربما نسي معظم الخطباء أو تناسوا أن آلة الموت التي تحصد أرواح أهالي غزة، ثمّة ما يماثلها أو يتفوّق عليها وحشيةً وشراسةً وهو لا يتوانى من حصد الأرواح في ادلب والبلدات والقرى المحيطة بها وكذلك في ريف حلب الغربي، ولم يسبق أن سمعنا لخطيب جامع في ادلب أو سواها في مناطق الشمال يرفع الصوت عالياً ويدعو الفصائل العسكرية للتعبئة العامة والاستنفار الكامل لردّ العدوان الأسدي وكبح آلة القتل الأسدية عن حصْد أرواح السوريين، وكذلك في الوقت الذي لا يني فيه خطباء المساجد عن شتم الحكام العرب واتهامهم بكل شناعات العار ، إلّا أنهم لا يتفوّهون بالتقريع ذاته تجاه الفصائل التي لا تملك القدرة على إبداء أية ردّة فعل ميدانية حيال العدوان دون تلقّيها أوامر مشغّليها ورعاتها. ربما بات مفهوماً وشائعاً إلى حدّ البداهة أن مواقف معظم الحكام العرب مرهونة بإرادة الدول الكبرى، وأن قادة الدول ليس بمقدورهم التحرّك دون الأخذ بعين الاعتبار مواقف الدول ذات النفوذ من جهة، وكذلك أخْذهم بعين الاعتبار المصالح الأمنية لأنظمة حكمهم من جهة ثانية، فلماذا إذاً تُطلقُ على الحاكم العربي المُرتهن تُهم التقاعس والخيانة وووو، بينما يبقى قائد الفصيل مُبَرَّءًا من جميع ذلك؟
لعله من المنطقي بل ومن صميم الوازع الإنساني أن يتعاطف السوريون مع أهالي غزة، بل ربما أصبح هذا التعاطف واجباً أخلاقياً لا ينبغي أن يمنّوا على أحد به، ولكن أليس هذا الواجب ذاته ينبغي أن يكون قائماً حيال الضحايا السوريين الذين يُقتلون بالتوازي مع أشقائهم في غزة؟ وهل الجهاد ضد ( اليهودي القاتل) في غزة هو مشروع بل واجب – وفقاً لأصحاب هذا الرأي – بينما لا يكون كذلك في سوريا لأن بشار الأسد ليس يهودياً؟ مع التأكيد الشديد على أن محاولة تأطير الصراع الفلسطيني الإسرائيل بمحدّدات دينية لهو امر قد ألحق ضرراً كبيراً بالقضية الفلسطينية، وهو سعي يؤدي بلا شك إلى تشتيت الحشد العالمي المناصر لقضية فلسطين ضدّ الكيان الإسرائيلي الغاصب.
لعله من الثابت ألّا وجود في السياسة لمواقف مطلقة أحادية الجانب، كأنْ يكون التوجّه نحو إلقاء وزر الجريمة على الحكّام فقط بغيةَ التنصّل من الاستحقاقات التي تواجه الشعوب أيضاً، ولعله من الثابت كذلك أن المواقف الإنسانية والمبدئية حيال الحريات والقضايا العادلة لا يمكن تجزئتها ولا تقبل الانتقاء بحسب الميول والأمزجة والبواعث الإيديولوجية والعرقية والمذهبية، بل لعل الصواب في معرفة الحق قبل معرفة أهله.
المصدر: المجلس العسكري السوري
المواطن العربي في غالبية الأقاليم العربية مكبّلٌ بالقيود الأمنية التي تفرضها السلطات التي لا تتيح له التعبير عن رأيه إلّا ضمن الحدود التي تفرضها السلطة، ولكن لوم الأنظمة وقادتها للتقاعس وخذلان ونصرة شعبنا بفلسطين.غزة لا يعفيهم من مسؤولية التحرك الجماهيري .