يمكن أن نوجز تعليقات النخب العربية واللبنانية حول ما اتسم بها خطاب السيد حسن نصر تحت عنوانين الأول اختصره “ايدي كوهين بكلمة ” العقلانية ” .والأخر قاله النائب بشارة خير الله .” قال (السيد حسن ) كل شي ولم يقل شئ ” . على عكس ما كانت أغلب الجماهير العربية المتقدة تتوقعه وتتمناه .حيث كانت تأمل موقفا حاسما أكبر وهو ما يفتح المجال للنقاش .
1: بصدد المواقف العقلانية والعاطفية إزاء أي مسألة نلفت نظر الجميع إلى انه من الناحية الواقعية والعلمية بات واضحا :أنه إن لم يكن من الصعب ، فمن المستحيل الفصل بينهما حيث يتبادلا التأثير دائما وأبدا . فلا موقف عقلاني دون عاطفة وبالعكس . بما يحقق تاريخيا للكائن والمجتمع التوازن ضمن خط البقاء المتصاعد والمتسامي والمتعالي على الواقع . بما يعني أننا لو اردنا ان نتمسك بمبدأ السلامة أو ما هو أسلم ماديا ومعنويا استنادا لميزان القوى القائم على الحساب العقلي والنتائج . لما حصل في التاريخ أي تغيير ولا تطور أو تقدم أو تحرر ,بما يعني أن خط النضال والتضحية هو الأعم الذي يفرض نفسه .
فلو أن قيادة حماس او قيادة حزب الله او قيادة حركة طالبان او الفيتكونغ أوالثورة الكوبية سلمت بموازين القوى القائم في العالم وداخل بلدها .لما قامت بما قامت به من ثورات وأعمال بطولية غيرت الواقع نحو الأفضل .و لما تحررت مثلا كوبا او جنوب فيتنام او جنوب لبنان أو غزة او أفغانستان إلخ . ان الدافع لما قامت به حماس في سبعة تشرين الاول 2023 لا يختلف عن الدافع لكل ثورات التحرر في العالم بغض النظر عن موازيين القوى ولا لما قام به حزب الله في عام 2006 .ولهذا فان التعليق على موقفه الحالي مما يجري في غزة له أهمية كبيرة .
لو فكرت قيادة حماس بما قد ينجم عن عمليتها من ردود فعل إسرائيلية وغربية مدمرة لغزة ولشعبها بعد عملية طوفان الأقصى . لما قامت بعمليتها البطولية التي يجمع كل الشرفاء والثوريين على أنها أوقفت الانحدار العربي العام وأعادت للقضية الفلسطينية ألقها وإلى حقيقتها الأولى عربيا وعالميا التي جرى تغييبها وهذا بذاته سيؤدي لتغيرات إيجابية لصالح القضية أهم من التضحيات الكبيرة والتي لابد منها .
ولو فكر السيد حسن بما كان قد ينجم عن عدوان إسرائيل من دمار مرعب نتيجة لخطف جنديين عام 2006 لما قام بما قام به وهو ما صرح به هو نفسه ف احد المقابلات التلفزيونية ولما تحقق للبنان وحزبه من نصر(حيث أسماه نصر إلهي ) حيث أسس لتراكمات نوعية حققت انتصارات سياسية ومعنوية للحزب ولحركة المقاومة الإسلامية ولمحور المقاومة العام أكبر من الخسائر البشرية التي تكبدها الحزب ولبنان ولما تغنى نصر الله اليوم بما حصل .
ما يشير إلى أن ما ينتج عن العاطفة الوطنية او القومية او الدينية او الإنسانية والوجدان من أفعال ـ حتى لو كانت عفوية ـ لتغييرالواقع الذي تفرضه موازين القوى القائمة الغاشمة ولإزاحة الظلم الحاصل هو الأصح والأجدى ضمن منطق المقاومة . فلو استسلمنا لمخاوفنا وسلمنا بموازين القوى القائمة والقبول بالظلم والحيف والاستعباد والاستعمار والعدوان على عدم المقاومة لبقينا نرزح تحت ظل العبودية للأبد . وهو ما يعني أيضا أن كل الاصوات التي تصدر من هنا وهناك لمن يدعوا اليوم او غداً إلى التمسك بالواقعية والعقلانية او يتغنى بهما مهملا ما يشيج في الصدور من الشعور بالظلم والقهر إنما يشد الأمور ويسير بها دون أن يدري نحو تقبل الأمر الواقع والركون اليه وتقبل الذل والعبودية والهوان.
2: التضامن والمساندة :
من المؤكد أن هناك فرق كبير بين بين فكرة ومضمون التلاحم العضوي والوجودي في محورموحد (لايوجد في مفهوم المحور فواصل وتجزئة بين قوى المحور بل تلاحم ) وبين فكرة التضامن او المساندة . وفي هذا المجال أعتقد أن بداية تراجع التلاحم العربي والشعبي مع القضية الفلسطينية شكل أساس التردي العربي الراهن . والذي اعتقد أنه بدأ منذ أن اخذت القمة العربية الثانية المنعقدة في الرباط عام 1965 بشعار التضامن مع منظمة التحرير الفلسطينية ومساندة كل ما تقوم به بدلا من تبني القضية والتلاحم معها . فمنذ اليوم الذي تحولت فيه الحكومات والشعوب العربية إلى موقف المساندة الكيفية لم تعد القضية قضيتهم بل قضية الفلسطينيين وأن دورهم بات يقتصر على الدعم والمساندة من بعيد ، وعلى التضامن المعنوي الخطابي معها . بما يعنى أن الانتقال من فكرة التلاحم والتبني إلى فكرة التضامن والمساندة وسيلة لم تكن يومها للتغطية على الهزيمة التي منيت بها الدول العربية وجيوشها في منع اسرائيل في تحويل مجاري نهر الأردن عام 1963 إلى طبريا . وهو ما أسس للتهرب من مقاومة الاحتلال والعدوان (سرقة مياههم ) بتسليم القضية لأصحابها الفلسطينيين ( وكأنها لاتعنيهم ) ليناضلوا وحدهم . والتي كانت يمثابة خطوة لإقامة فواصل بين الشعوب والحكام من جهة ومن جهة أخرى بين القوى الثورية العربية وبين الشعب الفلسطيني . وبالتالي وضع الأساس الفكري للتهرب حتى من فكرة دعم المقاومه .هذه النقلة النوعية ربما أقدم عليها السيد حسن نصر الله باسم العقلانية بعد 28 يوما من سحق عظام المقاومة الفلسطينيية حيث استبدل فكرة محور المقاومة الموحد ،و وحدة الساحات. بفكرة التضامن والمساندة بما أتاح له التهرب مما كان ومازال الموقف والوجدان الوطني والقومي والديني يتطلبه لرد العدوان عن شعب يزعم أن تلاحم ومازال يتلاحم معه ومع مقاومتة الإسلامية . ويعرف أن هزيمتها سوف تشكل لاحقا بالحساب العقلي هزيمة له ولمحور المقاومة .
3: بدء السقوط السياسي لفكرة المقاومة :
من المؤكد أن من هبوا في بلدة “القصير “في سوريا عام 2012 لم يكونوا صهاينة ولم يرتكبوا بحق قوات النظام السوري واحد بالألف مما ارتكبته القوات الصهيونية في السنوات السابقة ولا في العشرين يوما الماضية من جرائم ضد المدنيين العزل في غزة والضفة .ومع ذلك دخلتها قوات حزب الله بقوة . لم يكن يومها النظام السوري يخشى السقوط بل كان بكامل قواه العقلية والعسكرية . لكن مع ذلك لم ينتظر السيد حسن نصر الله طلب من أي من اقطاب النظام للتدخل لإنقاذ النظام .بل تدخل فورا بقوة وعنف لمجرد أنه شعر او أحس بقلبه وتحرك وجدانيا فحرك قواته واحتل القصير (كما تعاطف بايدن وجدانيا مع نتيناهوه ومع شعب إسرائيل وارسل حاملتي طائرات ) .
لقد أحس السيد حسن بأن مجرد هبة الشعب السوري ضد نظام آل الأسد تعني أن هذا النظام بات مهددا بالسقوط . كما احس بايدن بأن مجرد الهجوم على مواقع إسرائيلية تشكل تهديدا لوجود إسرائيل .فهبت قوات مقاومته لنجدة نظام الأسد من دون أن يأخذ إذنا من أحد ولم يحسب حسابا لأحد ولا لموازين القوى ولا للعقل .ولا لحلفاءه ولا لأعدائه في لبنان او خارجه . يومها لم يحسب حسابا لأمريكا واوروبا كما حصل اليوم ولم يحسب حسابا للأنظمة العربية ولا لحلفاء الشعب السوري ولما قد ينتج عن تدخله من خسائر أخلاقية ومعنوية نتيجة لوقوفه لجانب نظام استبدادي فاسد ومجرم ما تزال قائمة حتى اليوم .المقاومة في العرف العام موجهة نحو العدو الخارجي والمحتل وليس نحو العدو الداخلي الطبقي او الطائفي أو غير الوطني او الأممي . عندها تسقط عنها صفة المقاومة وتصبح حركة أيديولوجية . لذلك نستطيع القول بأن حزب الله بدءا من اليوم الذي دخل فيه ضد الشعب السوري (او تدخل في الشأن الداخلي لبلد مجاور ) لم يعد مقاومة ويكون في ذات الوقت بدأ يسقط سياسيا ولم يعد يكترث بالشكوك التي تدور حول حقه باستمرار التحدث عن نفسه كمقاومة . ومن بعدها فقد مبرر وجوده وسمعته كحركة مقاومة بل بات حزبا يمثل طبقة او حكومة أو طائفة او أشخاص .لم يسطع اخفائها في خطابه الأخير من تمجيد وتعظيم للولي الفقيه.وهو ما يدفع للتساؤل لماذا لم يستخدم حقه يوم 8 تشرين في مقاومة الاحتلال ويتدخل فورا ويحرر أراضيه المحتلة في جنوب لبنان ؟
4:السقوط الأخلاقي :
لم يسقط الحكام العرب ونخبهم سياسيا يوم النكبة ولا يوم الهزيمة ولا يوم العدوان على لبنان او غزة بل منذ أن تخلوا هم ونخبهم عن فلسطين كجزء أساسي من سوريا والوطن العربي مثلها مثل الجولان .سقطوا سياسيا وأخلاقيا عندما تخلو عن فكرة مقاومة الاحتلال لآراضيهم التي ماتزال محتلة حتى اليوم .سقطوا أخلاقيا يوم اعترفوا بحق إسرائيل في الوجود . وعندما تخلوا عن دعم المقاومة الفلسطينية بالسلاح واعتبارحمل السلاح عنفا . وبهذا سقطوا أخلاقيا وانسانيا فهانت عليهم ثكالى غزة وأشلاء أطفالها .وهذا ما وصلنا اليه اليوم من تردي وتخلف وهوان وتخلي عن العزة القومية والدينية والكرامة الإنسانية .
وأخيرا نتوجه لأخوتنا اللبنانيين بالقول :
ألم يَجٌر تدخل حزب الله في سوريا من المصائب عليكم بأكثر بكثير مما جره تدخله لدعم النظام السوري المجرم بحقكم وحق شعبه ؟ الم يكون تدخله في سوريا سببا في هجرة مليوني نازح ولاجئ سوري إلى لبنان ولما يعاني منه لبنان حاليا من مصاعب ؟ .
ان الكرامة والعزة الوطنية المفترض هي من تعطي لكل لبناني الحق في المطالبة باسترجاع أرضه المحتلة وأن يقوم بالتحرك على الأقل ليحرر أكثر من عشرين موقعا ماتزال إسرائيل تحتلها خلف الخط الأزرق منذ عام ألفين .
ولعل الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية التي ستعيد قلب الأوراق من جديد والتي ربما لن تتكرر والتي تعطي الحزب الشرعية كي يقوم بتحرير تلك الأراضي المحتلة و بالتالي تمنحه مقدما الشرعية في أن يظل حركة مقاومة مقبولة ومدعومة من الشعب اللبناني وكل الشعوب العربية ومن الفلسطينيين وشعب غزة بالذات .
قد يقيم المؤرخين الشرفاء عدم نجدة غزة في هذه الأوقات العصيبة بأنه تخاذل وسقوط أخلاقي ومعنوي وأنساني مريع لجميع العرب حكاما ونخبا وشعوب . لكن عدم تحرك من تزعم أنها حركات مقاومة سيقيم باعتباره سقوطا مضاعفا ومهينا .
فهل سيراجع حسن وأنصاره حساباته قبل فوات الأوان؟
فالزلزلة ماتزال قائمة ، فتحركوا قبل أن يطالكم لهيبها وتجبرون على خوضها .
المصدر: موقع الحوار المتمدن
هل كان خطاب “مسردب الضاحية” كما وصف بـ ” العقلانية ” أم “قال كل شيء ولم يقل شيء” قراءة وتحليل لذراع ملالي طهران بلبنان ودوره بلبنان وما حققه لحليفهم بسورية من قتل وتدمير وتهجير وحماية نظام مستبد ، إن تخاذل الأنظمة العربية عن نجدة فلسطين بنكباتها وآخرها #طوفان_الاقصى لا يبرر تخاذل حلفهم “المقاولة والمماتعة”، إنهم أهل التقية والخذلان يوم الحرب شيمتهم فلا غرابة .