ها قد وجد النظام السوري أن لا مهرب من الرضوخ للضغوط الإيرانية المتعلّقة بالتزاماته السرّية لقاء ديون طهران عليه. التزامات ثقيلة الوطأة على الاقتصاد السوري، وبعيدة المدى زمنياً، وتطاول قطاعات سيادية، وترهن البلاد ومستقبلها لإرادة طهران السياسية. لذا كان لا بد من مخاطبة الشارع المُلتاع معيشياً، لإقناعه بأن التنازلات القاسية التي تم تقديمها لـ “الحليف الإيراني”، ستنعكس إيجاباً على لقمة عيشه. و”سين” التسويف هنا، كانت مبتذلة إلى أقصى الحدود، لكن لا خيار آخر أمام النظام الذي جرّب استراتيجية “اللجان” وإغراق “الحليف” بالتفاصيل، وتوقيع الاتفاقيات لتطبيق اتفاقيات موقّعة سابقاً، من دون أن يفلح في التفلت هذه المرة، جرّاء إصرار القيادة الإيرانية على حصره في زاوية لا فِكاك منها، تقوم على معادلة مفادها، النفط –شريان الحياة الاقتصادية- مقابل الالتزام بما تم الاتفاق عليه، قبل سنوات.
وخلال عام فقط، قامت طهران بثلاث جولات ضغط مباشرة على النظام، تُؤتي ثمارها الآن. فـرئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس، الذي تم شحنه إلى العاصمة الإيرانية، وبرفقة أبرز وزراء الشأن الاقتصادي إلى جانب حاكم المصرف المركزي، وقّعوا اتفاقات جديدة تفصيلية، تتعلّق بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في أيار/مايو المنصرم إلى دمشق، وهي الاتفاقات التي تم عقد جولة تفاوض عليها، في زيارة لعدد من المسؤولين الاقتصاديين السوريين إلى طهران، في آب/أغسطس المنصرم.
وهنا يواجه النظام موقفاً يلخصه التساؤل التالي: كيف يمكن تغطية عورته التي كُشفت بعد أن أصبحت اتفاقاته السرّية مع الإيرانيين، علنية، وموثّقة، بغية خدمة دينٍ يصل إلى 50 مليار دولار، ويستمر بالتزايد سنوياً، جراء إمدادات النفط الإيراني المستمرة؟ إحدى المحاولات، التي ظهرت في موقع “غلوبال”، والذي طرح أسئلة جريئة، قبل أن يهوي بأجوبته إلى الدرَك المعتاد من الخِفة التي تحكم عقلية الإعلام الموالي عموماً.
إذ ينقل الموقع على لسان “ملايين السوريين”، تساؤلاتهم، عن سرّ انعدام أي أثر إيجابي على معيشتهم، جراء اتفاقيات النظام الاقتصادية مع “الحلفاء”، الإيراني وقبله الروسي، وبينهما الصيني. ويجيب بتساؤل تنظيري، أشبه بخطابات المزايدة التي تميّز اجتماعات أعضاء حزب البعث: “هل كان بإمكان سورية مواجهة حرب إرهابية عالمية دون مساعدات اقتصادية من حليفتها الإستراتيجية؟”.
الإجابة أعلاه، وبمحاكمة عقلية بسيطة، تعني أن رهن اقتصاد سوريا لأجيال قادمة، إيفاءً لديون الإيرانيين والروس، من دون أن ينعكس ذلك مطلقاً، على معيشة السوريين الآخذة بالتدهور، هو ثمن حرب آل الأسد للبقاء على سدة الحكم.
والأخطر، هو ذاك التبرير لسرّية الاتفاقات مع إيران. إذ يقرّ موقع “غلوبال” بأن “الكثير من جوانب العلاقات بين سورية والدول الحليفة والصديقة، وخاصة مع إيران، ليست معلنة”، وهي “ليس بالضرورة أن تكون معلنة بين بلدين يخضعان للعقوبات ولحصار دولي غير مسبوق”. وبذلك تصبح ذريعة “الحصار” مبرراً لإطلاق يد النظام في عقدِ ما شاء من الاتفاقات الاقتصادية مع إيران، من دون حتى الكشف عن مضامينها.
وفي الختام، يعدِ الموقع الموالي السوريين بتلمس نتائج الاتفاقات مع الإيرانيين، قريباً، بعد زيارة رئيس الحكومة “الاستراتيجية والنوعية” إلى طهران. وفي هذه الخاتمة، قمة الاستخفاف بعقول السوريين، إذ أنها تتجاهل تماماً سيلاً من تصريحات المسؤولين الإيرانيين المنشورة علناً، والتي تتحدث عن اتفاقات هدفها استرداد ديون إيران على النظام، لا تحسين معيشة السوريين.
أما في تفاصيل الاتفاقات الموقّعة خلال الأيام الأربعة الفائتة، فتتضح معالم مخطط إيراني للتغلغل في كل مفاصل الاقتصاد السوري. بعض بنود ذاك المخطط، عصيّة على التنفيذ، لكن طهران تثابر لنقلها إلى سياق الممكن. وبعضها الآخر، نجحت طهران في تحقيق اختراقات كبيرة فيه، وبات في معرِض الأمر الواقع، وانعكاساته ستظهر سريعاً.
فخط الترانزيت للنقل البرّي، العابر من إيران إلى الشواطئ السورية -حُلم إيران الأثير-، إلى جانب آخر بحرّي، من أكثر بنود المخطط الإيراني، تعقيداً. فهو خاضع برّاً، لحسابات العراق السياسية التي لا تخلو من أثرٍ أمريكي، ولحساباته الاستراتيجية التي تنحو نحو خط آخر يربط الإمارات بتركيا، عبر أراضيه، ويحمل جدوى اقتصادية أكبر بكثير، من خط الترانزيت الإيراني المعزول عالمياً، والمعرّض، إن تحقق، للاستهداف الأمريكي في الأراضي السورية، ناهيك عن الانفلات الأمني في شرق سوريا وعبر باديتها. فيما الخط البحري المأمول إيرانياً، سيبقى رهن تطورات التوتر الملاحي في بحر العرب والبحر الأحمر، والذي ابتدأت طهران ذاتها، أولى حلقاته.
أما أكثر بنود المخطط الإيراني، تقدماً، فهو البنك المزمع إنشاؤه في سوريا. والذي عملت طهران، منذ أكثر من سنتين، على حشر النظام في زاوية القبول به. حتى أصبح في طريقه للتأسيس. ليمثّل رأس حربة في تمويل رجال الأعمال السوريين المستجيبين للنفوذ الإيراني، وقناةً لغسل الأموال، ونقلها بين البلدين، بعيداً عن القنوات المصرفية السورية.
ويتكامل البند الأخير مع بنود أخرى، كاتفاق التعامل بالعملات المحلية مع إيران، والذي وافق عليه المصرف المركزي. مما سيُفقد الاقتصاد السوري عوائد دولارية من السياحة الدينية الإيرانية النشطة إلى سوريا. واتفاق إلغاء الرسوم الجمركية، الذي سيعزّز وضع السوق السورية كسوق تصريف للبضائع الإيرانية ذات السمعة السيئة في أوساط السوريين.
وتلك أمثلة موجزة فقط. إذ يصعب عدّ وحصر بنود المخطط الإيراني للتغلغل اقتصادياً في سوريا، فهي تشمل، إلى جانب ما ذُكر أعلاه، قطاعات السياحة والطاقة والاتصالات والنفط والفوسفات والزراعة. فإيران وضعت نصب عينيها، كما قال رئيسها قبل بضعة أشهر، أن ترتقي بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى مستوى العلاقات السياسية القائمة بينهما. وترجمة ذلك يعني أن تكون سوريا إحدى ساحات النفوذ الاقتصادي الإيراني، كما هي الآن، إحدى ساحات النفوذ السياسي والميداني لطهران.
المصدر: المدن
نظام طاغية الشام جلب المحتلين ليحموه من شعبه وقدم لهم ثروات الوطن مقابل حمايتهم له ، نظام ملالي طهران وأذرعته الطائفية الإرهابية قامت منذ اليوم الأول للثورة السورية بالتدخل لحمايته من ثورة شعبه وكانت متهيئة قبل اندلاع الثورة السورية ، لذلك موضوع الديون والالتزامات المترتبة عليه تفوق الت 50مليار دولار عليه تسديدها باتفاقيات ترهق كاهل شعبنا .