الإسلاميون والناصريون والشيوعيون والليبراليون || حضورهم في الربيع العربي

أحمد العربي

هذا حديث في السياسة يطال القوى والفعاليات السياسية باروماتها الفكرية المختلفة ودورها في الفضاء السياسي العربي قبل الربيع العربي ومن خلاله وبعده

اولا : أن الأمة العربية وعبر القرن الماضي كانت ضحية أنماط من السلطات بعضها استمرار الحكم السلطاني والملكي وآلياته العشائرية والقبلية. الذي وجد طريقة تفاهم مع وتبعية للغرب عبر استثمار الموارد وخاصة النفط. وبعضها استُعمر من الدول الأوروبية لمدد متفاوتة. ثم تحرروا من الاستعمار وكونوا دولا وسلطات . استمرت بأغلبها تابعة وحليفة للمستعمر التي تحررت منه. وبعضها انقلب على هذه السلطات (بثورات)..أرادت تجاوز الإقطاع وسيطرة رأس المال وعدم التبعية للغرب .ولكن تحولت الى سلطات استبدادية غيرت طبقة الهيمنة والاستغلال واستمرت بالقمع والتبعيه للغرب بطرق مختلفة وتحت شعارات كبيرة مجوّفة من مضمونها بالممارسة الواقعية

ثانيا : طرحت العقائديات المختلفة نفسها كبدائل للحياة وللعيش وعملت حتى تستلم السلطة ولتنفيذ افكارها على الأرض. الإسلاميون هم من صلب البنية الفكرية للأمة والإسلام حاضر في الفكر والسلوك والوجدان ، تكونت أحزاب سياسية تريد اعادة الاسلام وحكمه … وكذلك تأثر كثير من مفكرينا بالفكر الغربي الليبرالي، كذلك الماركسي حيث بنوا أحزاب شيوعية متأثرين بالثورة اللينينية في روسيا و الماوية في الصين.. وكذلك هناك من تأثر بثورة جمال عبد الناصر ضد الملكية والاستعمار الإنجليزي في مصر، وبناء الوحدة المصرية السورية… شكلوا أحزاب ناصرية تنتمي  لأفكار عبد الناصر .. وكذلك حزب البعث وأفكاره القومية

ثالثا : كل هذه الحركات والأحزاب تحركت منتصرة للعدالة الاجتماعية والحرية والخروج من سيطرة الاستعمار وتبعيته وبناء حياة أفضل للناس. بخلفيات فكرية مختلفة… وبعضها وصل للحكم مثل عبد الناصر في مصر والقذافي في ليبيا و النميري في السودان. المتأثرين بتجربة عبد الناصر كذلك الثورة اليمنية ايضا. البعث الذي وصل للحكم في سوريا والعراق. والشيوعيون الذين حكموا اليمن الجنوبي… والاسلاميون الذين وصلوا للحكم في السودان.. والكل حاول في كل البلاد العربية أصابهم النجاح القليل و الفشل الكثير

رابعا : كل الحركات السياسية هذه كانت فيها مشكلة الفكر الشمولي. الذي يرى الحقيقة المطلقة عنده ويريد السلطة لينفذ أفكاره . الذي وصل منهم للسلطة تصرف كمستبد (خاصة حكم البعث في سوريا والعراق والقذافي في ليبيا والنميري في السودان، كذلك علي عبد الله صالح في اليمن، ولا نستطيع الا ان نوضح تميز الدور الوطني والقومي التحرري لعبد الناصر الذي خفف من مشكلة الفكر الشمولي واستبدادية السلطة المصرية وقتها). وسرعان ما غادر الحكام الجدد أفكارهم الثورية وتصرفوا لمصلحة فئة الحكم التي هي غالبا تحالف عائلي عصبوي عشائري وقبائلي وطائفي . حسب خصوصية البلد وكانت كلها مستعبدة للشعب ومستغله للبلد… كل هذه الحركات في عمقها غير ديمقراطية و استبدادية و اقصائية

..خامسا: ن الاجحاف تعميم هذه النتيجة وجعلها تمتد بالزمن… فأغلب هذه الحركات وخاصة من كان خارج الحكم .عمل على مراجعة أفكاره وسلوكه وتوصل للاعتراف بأخطائه.. وأولها تغييب الديمقراطية في الفكر والسلوك داخل بنيته الحزبية وفي الواقع السياسي والسلطة والحكم.. وعملت مراكز بحث محترمه لأكثر من عقدين للتقريب بين الحركات والأفكار (الاسلاميه والقوميه والماركسيه واللبراليه). وتوافقت كلها على الديمقراطية كحل مجتمعي وللدولة والحياة أيضا… في مواجهة تغول السلطات في بلاد العرب وهيمنتها على كل مفاصل الحياة من اقتصاد واجتماع وسياسة وإعلام

.سادسا : عشية الربيع العربي كانت أغلب الحركات السياسية (بتنوعها) نخبويه وتعيش على هامش المجتمع وبعضها في صالونات المثقفين . و اغلب ناشطيها السياسيون اما معتقلين او شهداء او منفيون او مصابون بالإحباط والموات الذاتي… ولم يكن هناك استثناء إلا بعض الإسلاميين الذين تحولوا لعمل خدمي مجتمعي اجتماعي… او للجهاد في بلاد الارض مطاردين (الملحدين) الروس ثم (الكفار) الامريكان في معركة (واهمة) سببت الضرر لنا ولم تفيدنا ابدا

.سابعا: عندما جاء الربيع العربي جاء صاعقا ومفاجئا لكل الأطراف .حيث  الأنظمة التي أصبحت متجذرة على الأرض واحتلت حيز الشأن العام بالكامل . والتي تحكمت بالاقتصاد وحولته مزرعتها الخاصة .والتي اطمأنت لكون شعبها مستسلم بين راكض وراء لقمة عيش في البلاد أو خارجها . والكل لا يلحق اللقمة والتفكير في الشأن العام خارج الفكر والسلوك . وبعض من تبقى من السياسيين مغيبين قسرا عن الفعل والفاعلية.. وشعب تذرر لأفراد كل يفكر كيف يعيش يومه ويأمن بطش الدهر والنظام.. ويتحرك لحياة خاصة غرائزية مقيتة.. وغرب رضي بالحكام وتقاسم معهم كعكة البلاد وتحقق مصالحهم بامداد النفط وتفوق (اسرائيل) وامنها… نعم لم يكن أحد يحلم بحصول الربيع العربي ولا بالكوابيس

ثامنا: جاء الربيع بحتمية قوانين الله (إن الإنسان حر ويبحث عن حياته الافضل ويتوق للعدالة والعيش بكرامة).. لم تكن المظلومية التي عاشها انساننا العربي تحوله لعبد وتلغى إنسانيته  إلا إلى حين. حيث جاء عصر التواصل والاتصال والحضور الكوني المباشر عصر الجماعة دون واسطة… واستخدم المحرومون قوة الحضور وقوة الحشد …وانتصروا لحقهم بالحرية والكرامة والعدالة والدولة الديمقراطية… ونزلوا الى الشارع ولم يعودوا إلا وقد انتصروا واسقطوا الانظمة ودخلوا عصر الديمقراطية العظيم

تاسعا : كان لا بد أن يكون لجموع الشعب وشبابه الخارج مطالبا بالحرية والعدالة والكرامة. من يمثله في معركته مع بقايا الأنظمة الساقطة . وبمواجهة الاعداء داخلا وخارجا ومع الغرب الذي اكتشف أنه و(اسرائيل) في موقف عاري امام شعب خرج يطالب بحقوقه كلها… ولم يكن أمام الشعب وشبابه إلا القوى السياسية (اسلاميون وناصريون وماركسيون وليبراليون ورموز فكرية متنوعة).. وتصدر المشهد هؤلاء واصبحوا اصحاب الثورات والمتحدثين باسمها… وهنا بدأت مشكلة الربيع العربي في تثبيت انتصاره وتحقيق أهدافه

عاشرا: لم يستطع هؤلاء أن يرتفعوا لمستوى الحدث و يتصرفون بعقلية من حصل على الحكم .. وانه يجب ان يتصرفوا بروح الجماعة ومصلحتها وأنه بالديمقراطية ننتصر ونتقدم.. ففي مصر لم يتحرر الاسلاميون والناصريون ومعهم اللبراليون والعلمانيون من صراعهم العقائدي والسياسي (عبد الناصر والاخوان). واستمروا بعقليتهم الاقصائية ومن كل الأطراف ووصلت لدرجة خيانة الثورات واعادتها مجددا لحضن الانظمه السابقه.. الإسلاميون والعلمانيون بتنوعهم قسموا المجتمع عموديا… وجيّشوه في الشارع و وضعوه على سكة الصراع الأهلي.. ووصل التوهان والضلال السياسي لدرجة جعل اغلب العروبيين المصريين والتوانسة يدعمون النظام السوري ضد ثورتنا تحت دعوى محاربة الاسلام السياسي والارهاب… وفي مصر يعود النظام السابق كمؤسسة للحكم .. ويخرج الشعب من الصورة ويصبح الضحية مجددا.. بمغامرة السياسيين القدامى وامراضهم وعماهم الفكري والسياسي… وكذلك يعملون في تونس لوأد الربيع والثورة هناك ايضا

. حادي عشر: لم يكن هؤلاء أصحاب الربيع العربي .. وهم الآن يضيعونه لقلة وعيهم وعدم إدراكهم للأولويات وأين مصلحة الأمة أو البلد وتغليبها على مصلحة الجماعة أو الحزب… نحن مطالبين الان برفع الغطاء عن الكل ولنقل لكل طرف أين خطؤة واننا لن نسلم لهم ولن نغفر وسنحاسب كشعب وثورة

.ثاني عشر: في ثورتنا السورية بعض العروبيين كانوا مع هيئة التنسيق التي أضعفت بدورها الثورة ومطالبها (مع حسن النية)  وتشتت جهود الثورة ومسارها السياسي حيث استخدمها النظام وحلفاؤه كذريعة ضد الشعب وثورته… كذلك محاولة الهيمنة من الإسلاميين في المجلس الوطني وبعده الائتلاف .كذلك عمل بعض العلمانيين بصوتهم العالي للحضور بالمشهد كله.. دون فعل وفعالية على الأرض.. الشباب مغيب، نبض الشعب والداخل غير حاضر… وهناك من يفكر بكعكة الحكم وتقاسمها قبل إسقاط النظام ونحن نتراجع على الأرض

.اخيرا : نقولها للكل ومن كل الحركات والمذاهب الفكرية والفئات. شعبنا وثورته ومصلحته هي المعيار والثابت والكل متغير وقابل للسقوط والمحاسبة ولن يغفر الشعب مزيد من هدر دمائهم وتشرده ولجوئه في كل اركان الارض أيها الشعب السوري كبرت عن الوصاية امتلك ثورتك واصنع نصرك.

.4.8.2013..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الحركات السياسية بسورية كانت فيها مشكلة الفكر الشمولي. الذي يرى الحقيقة المطلقة عنده ويريد السلطة لينفذ أفكاره ، قراءة موضوعية للقوى السياسية السورية مع الربيع العربي ، وسيطرة الإيديولوجيا على بعض القوى لتحدث الصراعات الثانوية على حساب الصراع الأساسي . .

زر الذهاب إلى الأعلى