المغرب وشمال أفريقيا يشعران بتأثيرات مناهضة التطبيع الناجمة عن حرب غزة

سابينا هينبرج

ستؤدي الحرب الدائرة بين إسرائيل و “حماس” إلى زيادة صعوبة الحفاظ على التقدم الدبلوماسي الذي أحرزته الولايات المتحدة وإسرائيل مع حكومات شمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، ناهيك عن توسيع هذا التقدم، خاصة مع اشتداد المعارضة الشعبية.

لم تسلم منطقة شمال أفريقيا من أصداء الحرب بين حركة “حماس” وإسرائيل. وقد يكون المغرب هو البلد الأشدّ تأثراً نظراً إلى علاقاته القوية نسبياً مع إسرائيل والولايات المتحدة، في حين أن الاتجاهات المناهِضة للتطبيع تتعزز بقوة في دول أخرى من المنطقة، مما يخلق تحديات جديدة لواشنطن.

التداعيات على المغرب

أقام المغرب وإسرائيل علاقات دبلوماسية رسمية للمرة الأولى في كانون الأول/ديسمبر 2020 بعد اتفاقات التطبيع التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين إسرائيل من جهة والبحرين والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى. وفي المقابل، اعترفت الولايات المتحدة بسيادة الرباط على منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها. ومنذ ذلك الحين، تعمقت العلاقات المغربية مع إسرائيل بسرعة، لا سيما في المجال الأمني، ولكن أيضاً في المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية. وبلغت هذه العملية ذروتها مع اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في تموز/يوليو الماضي – وهي خطوة كان من المفترض أن تُرد بالمثل من خلال استضافة الرباط لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل نهاية العام الحالي.

وقد أدت هجمات “حماس” على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر – والتي تفاقمت بسبب انفجار 17 تشرين الأول/أكتوبر في “المستشفى الأهلي العربي المعمداني” في غزة، والذي نُسب في الأصل وبشكل خاطئ إلى إسرائيل – إلى تعطيل هذا التقدم الدبلوماسي بعدة طرقٍ، أهمها تسليط الضوء على الاختلاف بين الحكومة المغربية ووجهات النظر العامة تجاه إسرائيل. فبينما أدانت التصريحات الرسمية استهداف المدنيين “من أي جهة كانت” وشددت على ضرورة “الحوار والمفاوضات”، احتشد آلاف المغاربة في الرباط للمطالبة بإلغاء اتفاق التطبيع المبرَم عام 2020. كما أشادت بعض الجهات الفاعلة، وأبرزها “حزب العدالة والتنمية” الإسلامي، بهجوم “حماس” ووصفته بأنه “عمل بطولي” و”رد فعل طبيعي ومشروع على الانتهاكات اليومية”. وحتى قبل الحرب، أشارت استطلاعات الرأي إلى أن ثلث المغاربة فقط يؤيدون تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

في الماضي، أظهر الملك محمد السادس براعته في استيعاب الاضطرابات الشعبية. فخلال “حركة 20 فبراير” عام 2011، استجاب القصر الملكي للدعوات المطالِبة بتعزيز الحكم الديمقراطي من خلال تنفيذ عملية هادفة للإصلاح الدستوري ولكن خاضعة لرقابة دقيقة. وقد خلق ذلك شعوراً بأن المغرب قد يشكل استثناءً في ظل حالة عدم الاستقرار والفوضى التي اجتاحت الدول المجاورة بينما كانت تحاول تنفيذ الإصلاح السياسي في أعقاب انتفاضات “الربيع العربي”. وقد تعرض الحكم الملكي مؤخراً للانتقادات في البداية بسبب استجابته للزلزال المدمر الذي وقع في الثامن من أيلول/سبتمبر، ولكن يبدو أن وضعه عاد إلى طبيعته لاحقاً وسط اشتداد التضامن الوطني. وتُعزز هذه السوابق الفكرة بأن القصر الملكي سيعمل بتأنٍ وحذرٍ على إدارة الاضطرابات الحالية.

إلا أن التعاون الاستراتيجي الملحوظ بين إسرائيل والمغرب القائم منذ عام 2020 قد يقع ضحية النتائج السلبية المترتبة عن أحداث غزة. فقد واظب البلدان على تعزيز شراكتهما الأمنية، بما في ذلك من خلال بيع الطائرات بدون طيار، والدبابات، وبرامج التجسس التي هي أكثر إثارة للجدل. ومن المرجح أن تتباطأ عمليات نقل هذه الأسلحة بما أن قدرة الإمداد العسكرية الإسرائيلية تتعرض للضغط بسبب الحرب.

ومن الجدير بالذكر أن هذا التباطؤ لن يغير على الأرجح الهدف الرئيسي للمغرب لتعزيز ترسانته، وهو: التنافس مع الجزائر. فبدلاً من ذلك، قد تلجأ المملكة إلى مورّدين آخرين (ربما أوروبيين)، خاصةً إذا كانت تتوقع حدوث تأخيرات طويلة المدى في عمليات النقل الإسرائيلية. ومع أن هذه الجهود مفيدة من وجهة نظر أمن المغرب، إلا أنها يمكن أن تغذي أيضاً سباق التسلح مع الجزائر، مما يُضعف أكثر فأكثر احتمالات تحقيق انفراج في علاقاتهما الباردة على المدى القريب. ومن المرجح أيضاً أن تُكثّف الرباط حملتها الدبلوماسية لإقناع المزيد من الدول بالاعتراف بمطالبتها السيادية على الصحراء الغربية، وهي نقطة خلاف رئيسية أخرى مع الجزائر.

كذلك، قد تواجه بعض أشكال التعاون الأخرى مع إسرائيل صعوبات إضافية. على سبيل المثال، بدأ التطبيع يجني فوائد واضحة على صعيد الأمن المائي – وهو قطاع بالغ الأهمية بالنظر إلى أن ما يقرب من 40 في المائة من سكان المغرب يعملون في الزراعة. إلا أن إسرائيل لن تملك على الأرجح الموارد اللازمة لبذل الجهود في هذه المشاريع على المدى القريب – فمن المفترض أن يكون معظم خبرائها الفنيين وشركاتها منشغلين باحتياجات الحرب، وقد يتردد آخرون في العمل في المملكة بسبب مخاوف أمنية. وليس هناك شك أن التوسع السريع في التبادلات السياحية الثنائية سوف يتباطأ أيضاً (وبالفعل أصدرت إسرائيل تحذيراً من السفر إلى المغرب لغرض السياحة).

تأثيرات مضاعفة في دول أخرى في شمال أفريقيا

إن العواقب بالنسبة لأغلب البلدان الأخرى في شمال أفريقيا أبسط لكنها مقلقة على حدٍ سواء (باستثناء مصر، التي تمت مناقشة مآزقها في مقال جديد لشبكة “سي إن إن” من قبل خبراء معهد واشنطن). ففي البيان الأولي الصادر عن الجزائر بشأن هجمات “حماس”، جددت الحكومة “قناعتها بأن الاحتلال الاستيطاني الصهيوني هو جوهر الصراع العربي-الإسرائيلي، وأن إنهاء المآسي الناجمة عن هذا الصراع يكمن بلا شك في الاستجابة للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني”. ومنذ ذلك الحين، اتخذت الجزائر خطوات مختلفة لإظهار معارضتها الشديدة لإسرائيل وإظهار تضامنها مع الفلسطينيين، مثل تعليق الأحداث الرياضية.

وفي تونس، اتهم الرئيس قيس سعيّد إسرائيل بارتكاب “جرائم إبادة جماعية” خلال اجتماع طارئ عقده “مجلس الأمن القومي” في 18 تشرين الأول/أكتوبر، أي غداة انفجار المستشفى. كما كانت ردود الفعل الشعبية قوية أيضاً. فقد دعت منظمات المجتمع المدني الرائدة في تونس إلى تنظيم مظاهرات للتنديد بالأعمال الإسرائيلية، في حين اندلعت احتجاجات منفصلة واسعة النطاق أمام السفارة الفرنسية. وفي 19 تشرين الأول/أكتوبر، أحرق مثيرو الشغب كنيساً قديماً غير مستخدم في مدينة قابس – وهو الحدث الذي لم يدينه سعيّد بَعْدْ باعتباره معادياً للسامية، تماماً كما رفض تطبيق هذه التسمية على الهجوم الإرهابي الذي وقع في 9 أيار/مايو في مهرجان يهودي في جربة.

وفي ليبيا، اعتمدت الحكومتان المتنافستان هناك موقفاً موحداً في انتقاد إسرائيل من دون إدانة “حماس”. وكانت المشاعر الشعبية المحلية ضد إسرائيل مؤججة في الأساس قبل هجوم “حماس” – ففي آب/أغسطس، على سبيل المثال، أثار اجتماع فاشل بين وزيري الخارجية الإسرائيلي والليبي بعض الاحتجاجات.

وفي موريتانيا، كانت ردود الفعل مشابهة: فقد وصفت الحكومة الهجمات بأنها “نتيجة منطقية للاستفزازات المستمرة والانتهاكات المنتظمة لحقوق الشعب الفلسطيني”، واندلعت المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في نواكشوط. ومن المثير للاهتمام أن موريتانيا قامت سابقاً بتطبيع العلاقات مع إسرائيل تحت رعاية الولايات المتحدة وإسبانيا منذ أربعةٍ وثلاثين عاماً. لكن في عام 2008، أعلنت الحكومة قطع العلاقات مجدداً، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى “عملية الرصاص المصبوب” التي شنتها إسرائيل في غزة والمعارضة الشعبية المتزايدة. لذلك، في حين أن موريتانيا مدرَجة وفقاً لبعض التقارير على قائمة الإضافات العربية المحتملة إلى “اتفاقيات إبراهيم” الإسرائيلية، فمن المرجح أن تستمر البلاد في معاناتها في الواقع من نفس التحفظات الداخلية والمعارضة العامة التي عانت منها في المرة الأولى.

الخاتمة

تطرح الموجة الحالية من الغضب الشعبي تجاه إسرائيل تحديات جديدة أمام إدارة الشراكات الأمريكية مع دول شمال أفريقيا. على سبيل المثال، إن تصاعد المشاعر المعادية لإسرائيل سيجعل من الصعب على واشنطن العمل في تونس، حيث سبق أن أدت تصرفات الرئيس سعيّد غير الديمقراطية إلى تخفيض المساعدات الثنائية الأمريكية. حتى أن سعيّد رفض التمويل من “الاتحاد الأوروبي” كجزءٍ من حملته المناهِضة للغرب، مما يشير إلى مدى صعوبة استعادة الشراكة التي كانت قوية في السابق.

وفي دول أخرى، كانت واشنطن تسعى بنشاط إلى تعزيز علاقاتها مع الجزائر، كما تَبيّنَ في “الحوار الاستراتيجي” الثنائي الذي اختُتم مؤخراً، وزيارة وزير الخارجية الجزائري إلى واشنطن في آب/أغسطس، والرحلة التي قام بها نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي جوش هاريس في أيلول/سبتمبر إلى الجزائر والمغرب. ولكن في أعقاب أزمة غزة، من المرجح أن تتخذ القيادة الجزائرية – التي يرى الكثيرون أنها تعمل بشرعية محلّية هشّة – بعض الخطوات لإبطاء هذه الالتزامات الثنائية، على الأقل علناً. وعلى نحوٍ مماثلٍ، قد يكون رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة مستعداً للمخاطرة بتوتر علاقاته مع الغرب من أجل النأي بنفسه عن كلٍ من حرب غزة والاجتماع الفاشل الذي عُقد في آب/أغسطس مع مسؤولين إسرائيليين.

وفي الواقع، سبق أن بدأت بعض الحكومات في شمال أفريقيا بتعقيد الاستجابات الدبلوماسية الأمريكية لحرب غزة. فوفقاً لبعض التقارير قررت الجزائر وتونس عدم حضور قمة ستُعقَد في 21 تشرين الأول/أكتوبر في القاهرة، ربما بسبب شائعاتٍ عن مشاركة إسرائيل. ويبدو أن مجلس النواب التونسي يخطط لإقرار قانونٍ يجرّم التطبيع مع إسرائيل.

وفي غضون ذلك، قد تتضرر العلاقات مع المغرب إذا ظلت الولايات المتحدة منشغلة بشكل مفرط بالأولويات الإقليمية الأخرى – لا سيما حالياً بعد أن أصبح بإمكان الرباط الاعتماد بصورة أكثر على علاقاتها الاقتصادية المتنامية مع الصين. وبالتالي، حتى في ظل النطاق الحالي المحدود للانخراط الأمريكي، يجب أن تُواصل واشنطن على الأقل توفير الحد الأدنى من التمويل للبرامج التي تفيد شعوب شمال أفريقيا (مثل تعلّم اللغة الإنجليزية وبرامج التعليم الأخرى).

وعلى المدى الطويل، من غير المرجح أن يعلّق المغرب علاقاته مع إسرائيل أو يغيّر نهجه الأمني تجاه الصحراء الغربية والجزائر. لذلك، على الولايات المتحدة أن تنظر في سبل تعزيز التكامل الإقليمي مع دمج المشاعر العامة حول القضية الفلسطينية، على سبيل المثال من خلال التبادلات العابرة للأوطان أو أشكال الحوار الأخرى حول هذا الموضوع. ومع تطور الحرب في غزة، يجب أن تبرز واشنطن كشريكة تقنية للمغرب وباقي الدول في شمال أفريقيا. ويعني ذلك مساعدتها على تطوير التكنولوجيا المرتبطة باستخدام المياه، وإذا لزم الأمر، إيجاد مصادر بديلة للدعم التقني، بما أن احتياجاتها الملحة قد لا تنتظر نتائج الأزمات الإقليمية الحالية.

سابينا هينبرج هي زميلة حائزة على زمالة لما بعد الدكتوراه في “كلية الدراسات الدولية المتقدمة” في “جامعة جونز هوبكنز”، حيث تقوم بالبحث والنشر في القضايا المتعلقة بالتحولات السياسية في شمال إفريقيا.

المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. #طوفان_الاقصى والحرب الوحشية لقوات الكيان الصه.يوني وبدعم مشاركة أمريكية غربية على شعبنا بفلسطين وغزة خاصة ، انعكست سلبياً على التقدم الدبلوماسي الذي أحرزته مع الأنظمة العربية بشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة ومع اشتداد المعارضة الشعبية ، وانكشفت الأنظمة وطبيعة الصراع بالمنطقة ووجود الدويلة المصطنعة .

زر الذهاب إلى الأعلى