كتب حازم صاغية في جريدة الشرق الأوسط منذ أيام مقالة بعنوان “….في أحوالنا السوداء وآفاقنا المسدودة”:
“الحداثة أضعف من الهويّة، على ما يتبيّن مجدّداً، وأكثر هشاشة. وإذا كانت الأولى تتقدّم على شكل رواية، فالأخيرة تتقدّم على شكل ملحمة، وفي الملاحم تُستأنف أرواحُ الأجداد في الأحفاد، ماضيةً في حضّهم، جيلاً بعد جيل، على الثأر وفي دفعهم إلى الموت. ومنطقتنا رهيبة وملعونة تملك من السمّ ما يستطيع تسميم الكون كلّه، أو إضافة جرعات نوعيّة إلى السمّ المقيمِ فيه. أمّا الكلام السياسيُّ عن تسوية تُنصف الفلسطينيّين، بعد «طوفان الأقصى»، فسوف يغدو أشبه بطوفان الأوهام والنوايا الحسنة والمُضجرة في وقت واحد”.
لا شك أن المشروعين الذي يغذي بعضهما بعضاً واضحان للعيان، المشروع الفارسي والمشروع اليهودي، ومن يقف وراء المشروعين أصبح واضحاً لمن يريد ألا يعصب عينيه عن الحقيقة! لكن إذا جمعنا كلَّ المقالات والآراء التي تعج بها هذه الأيامُ الصفحات الإخبارية وحوارات الرأي، لأمكن جمعها في صندوق كتب عليه كيف نعيش؟ أما صندوق كيف نريد أن نعيش، فغالباً ما يبقى فارغاً مهجوراً إلا من استثناءات عابرة!
الصراعاتُ في مناطقنا مادةٌ دسمة لبطولات الشيطان وانتصاراته على بني البشر الذين يحلمون بتحقيق أشياء بعيدة كلّ البعد عن واقعهم، أو حتى مفهوم السببية الذي وضعه ربُّ البشر كأداة طيعة لفهم الكون وسننه.
في عصر العولمة والمثلية وتغير مفهوم الوطن إلى مفهوم الشتات، لم يعد يكفي أن نشخص كيف نعيش؟ ومن يقف وراء تلك الجريمة التي نحن كبشر ضحاياها الأوائل! بل علينا أن نفكر في الهدف قبل الوسيلة، فلا ندع العربة تتقدم على الحصان!
لتقريب المفهوم، علينا أن نتخيل ماذا سيحدث لو أن رغباتِنا الحالمةَ وصلت لمبتغاها؟ بمعنى ماذا لو انتصرت ثورات الربيع العربي على المستبدين الجاثمين فوق صدورنا لسنوات، أو لو أن محور المقاومة أزال إسرائيل من الوجود، أو أن روسيا انتصرت في حربها على أوكرانيا، أو أن الصين قضت على ماتبقى من تحكم أمريكا بثروة العالم، أو أن دول الخليج تحولت إلى دول رائدة في العلم والديمقراطية وتحرير الإنسان! هل سيحدث هذا نقلةً نوعية في طريقة تفكيرنا وإدارتنا لواقعنا ومستقبل أبنائنا؟
لسنوات طوال كان سؤال كيف نريد أن نعيش سبباً لصراعات طويلة بين الأيديولوجيات والتوجهات والمدارس الفكرية، وكرس هذا الصراع الطائفية والتطرف والتغلب بالقوة، مما جعل الأكثرية تنزوي للتفكير في الواقع والتباكي على الماضي السعيد (فقط في مخيلة أصحابه!)، وتركت شأن المستقبل لتقرره القوى التي تحكم الواقع وتأخذ المستقبل أسيراً لجهلنا وصراعاتنا الهامشية وأضغاث أحلامنا!
بالمعادلة الحالية سيبقى الواقع مزرياً، والمستقبل بيد أعدائنا لأننا نكتفي بمعالجة السرطان الفكري بمسكنات ضعيفة، ينتهي مفعولها مع الهجمة التالية والفخ التالي من أعدائنا!
قد يقول قائلٌ إن تلك الأفكار انهزاميةَ الطابع تُضعف الشعور القومي، تدفع لليأس والقنوط من رحمة الله للبشر المستضعفين، وتعين المتحكمين بالمشهد على إحكام سيطرتهم! في النهاية الصندوق الآخر(كيف نريد أن نعيش؟) الذي دفنه خوفُنا من مواجهة أنفسنا بحقائق جهلنا و أنانيتنا وهروبنا من المسؤولية، هو الأمل الذي يتجنب الجميع الحديث فيه؛ لأنه يسقط الأقنعة عن كل شيء نراه الآن جميلاً.
تعقيب على مقال حازم صاغية “في أحوالنا السوداء وآفاقنا المسدودة” إن تغير الظروف لشعبنا بالشتات ومناطق النزوح جعلت الأحوال متغيرة وفق ذلك ، قراءة وتحليل جميل . ليكون المستقبل تقرره القوى التي تحكم الواقع وتأخذ المستقبل أسيراً لجهلنا وصراعاتنا الهامشية وأضغاث أحلامنا!