ساد الهدوء الحذر، أمس الخميس، الحدود بين سورية والأراضي المحتلة، بعد يومين من إعلان قوات الاحتلال الإسرائيلية رصد إطلاق قذائف صاروخية من الأراضي السورية باتجاه الأراضي المحتلة. رغم ذلك، فإن مؤشرات التصعيد تتزايد، مع ورود أنباء عن نقل “حزب الله” اللبناني و”الحرس الثوري الإيراني” لمسلحين إلى مواقع في جنوب سورية، فيما استهدفت غارات يوم أمس، يرجح أنها إسرائيلية، مطاري حلب ودمشق، ما أدى إلى إخراجهما عن الخدمة.
قصف على مطاري حلب ودمشق
وذكرت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية التابعة للنظام، أمس، أن عدواناً إسرائيلياً استهدف مطاري دمشق وحلب متحدثة عن قصف المهابط وخروج المطارين عن الخدمة. وأوضح مصدر أمني رفيع لوكالة “سبوتنيك” الروسية أن طائرات إسرائيلية أطلقت عدداً من الصواريخ من فوق الأراضي المحتلة، استهدفت مطار دمشق، وطائرات أخرى استهدفت مطار حلب الدولي بصواريخ موجهة من فوق المياه الإقليمية قبالة السواحل السورية. وبحسب وكالة “روسيا اليوم”، فقد غيّرت طائرة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مسارها، حيث إنها كانت متوجهة إلى لبنان، وعادت إلى طهران. وكانت صحيفة “الوطن” نقلت عن مصادرها أمس، أن عبد اللهيان سيصل دمشق اليوم الجمعة.
وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قد تباحثا هاتفياً مساء أول من أمس الأربعاء، في “تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة”، وفق وكالة الأنباء الرسمية التابعة للنظام “سانا”، والتي قالت إن الأسد ورئيسي “أكدا على موقفهما الداعم للشعب الفلسطيني في مواجهته ما يتعرض له من جرائم، ومقاومته المشروعة للدفاع عن قضيته العادلة واستعادة حقوقه المغتصبة”. وجاء الاتصال بعد أيام من عملية “طوفان الأقصى” التي استهدفت مستوطنات غلاف غزة السبت الماضي، وأطلقتها حركة “حماس” رداً على الاعتداءات المستمرة التي تشنها قوات الاحتلال على الفلسطينيين.
وكان مصدران مطلعان على الجهود الدبلوماسية الإماراتية، قد أكدا لموقع “أكسيوس”، الاثنين الماضي، أن الإمارات حذّرت نظام الأسد من التدخل في الحرب الدائرة في غزة أو السماح بهجمات على إسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية. وبحسب المصدرين، فإن المسؤولين الإماراتيين أوصلوا رسالتهم إلى مسؤولين سوريين رفيعين وأطلعوا الإدارة الأميركية عليها.
نقل مسلحين إلى جنوب سورية
وجاء اتصال الأسد ورئيسي في ظل أنباء تتواتر عن نقل الحرس الثوري الإيراني مسلحين من شرقي سورية إلى جنوبها في خضم عملية “طوفان الأقصى”. وأكدت مصادر محلية في ريف دير الزور الشرقي، أن “حزب الله” اللبناني سحب بالفعل مسلحين تابعين له من هذا الريف، وأن أرتال الحزب غادرت عن طريق دير الزور – دمشق عبر دفعات تفادياً للتصادم مع عناصر “داعش” على طريق البادية السورية.
وفي السياق، ذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، الأربعاء، أن “حزب الله” سحب العديد من عناصره الثلاثاء والأربعاء، مع تجهيز سحب عدد آخر (أمس الخميس)، من محافظة دير الزور والميادين والبوكمال باتجاه الأراضي اللبنانية. وتحدث المرصد عن أن مليشيات “الحرس” الإيراني أعلنت عن حاجتها لتطوع حوالى ألف عنصر ضمن صفوفها، وفتحت باب الانتساب في مدينة دير الزور وقرى حطلة ومراط والحسينية، وحددت مبلغ مليون ونصف المليون ليرة سورية كراتب شهري للمتطوعين الجدد، كما حدّدت عمر المتطوعين بين 14 و30 عاماً. وأشار إلى أن المتطوعين سيخضعون لدورات عسكرية، في معسكر عياش (دير الزرو)، الذي يقع تحت سيطرة المليشيات الإيرانية، لمدة تتراوح ما بين 20 إلى 30 يوماً، ومن ثم سيتم نقلهم إلى دمشق ومنها إلى لبنان عن طريق “حزب الله” للتوجه إلى حدود فلسطين المحتلة والمشاركة في القتال ضد إسرائيل.
إلى ذلك، ذكر “تجمع أحرار حوران”، الذي ينقل أخبار الجنوب السوري، أن المليشيات الإيرانية ترسل تعزيزات عسكرية إلى عدة مواقع على الحدود مع الجولان المحتل، وفي ريفي محافظة درعا الشمالي والغربي. ونقل الموقع عن “مصادر خاصة”، الأحد الماضي، أن “قادة وعناصر من مليشيا حزب الله دخلوا إلى عدد من المواقع العسكرية شمال غربي درعا، ومواقع أخرى في محافظة القنيطرة قريبة من الشريط الحدودي مع الجولان المحتل”.
وفي السياق، قال موقع “صوت العاصمة” المحلي، إن المليشيات الإيرانية نقلت قرابة 300 من عناصرها من أماكن تمركزهم في محيط السخنة بريف حمص الشرقي إلى الشريط الحدودي السوري الإسرائيلي بغية تعزيز مواقع المليشيات في جنوب سورية.
من جهته، أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري، أمس، أن قوات الاحتلال “منتشرة بشكل تام على الحدود مع لبنان وسورية، ومستعدة للحفاظ على الأمن من الشمال إلى الجنوب في كل البلاد”، مؤكداً “أننا نواصل الحفاظ على استعدادنا في كل الأماكن والمواقع”. وهدّد بأن “من يتحدى إسرائيل ويعمل ضدها سيحظى بهجوم قوي ضده”.
وحافظ النظام السوري على هدوء جبهته مع إسرائيل طيلة نحو 50 عاماً، بعد توقيعه في عام 1974 على اتفاق “فك الاشتباك” الذي نصّ على منع كل الأعمال العسكرية بين الجانبين. وبعد انطلاق الثورة السورية في عام 2011، وانخراط إيران و”حزب الله” إلى جانب النظام في حربه ضد السوريين المطالبين بالتغيير، لم يتوقف الطيران الإسرائيلي عن شنّ هجمات على أهداف يُعتقد أنها إيرانية في أغلب الجغرافيا السورية، إلا أن النظام لم يرد عليها على الإطلاق.
وأعرب الباحث في مركز “أبعاد” للدراسات، محمد سالم، في حديث لـ”العربي الجديد”، عن اعتقاده بأن النظام لن يقدم أي مساندة للفصائل الفلسطينية، مضيفاً أنه “لا يُمكن أبداً لمن ترك سماء سورية مستباحة منذ سنوات طويلة للطيران الإسرائيلي أن يُبدي رد فعل لنصرة فصيل ما يزال النظام السوري يصفه بالخيانة حتى بعد عملية المصالحة معه”.
وأوضح سالم أن “النظام ينظر إلى حركة حماس على أنها امتداد للإسلام السياسي الذي يعتبره عدواً له”. ورأى أن “نظام الأسد لن تتعدى ردود فعله المتاجرة بالقضية الفلسطينية كعادته”، مستدركاً بأنه “من الممكن أن تكون هناك بعض الأعمال العسكرية الرمزية أو المناوشات من حزب الله أو المليشيات التابعة لإيران أو بعض الفصائل الفلسطينية على الأرض السورية وليس من جانب نظام الأسد”.
بدوره، استبعد المحلل السياسي رضوان زيادة في حديث مع “العربي الجديد” تصعيداً إيرانياً ضد إسرائيل انطلاقاً من الجنوب السوري، مضيفاً أن “إيران تخشى العواقب جراء ذلك”. وتنشط العديد من الفصائل الفلسطينية في مناطق سيطرة النظام دعماً لقواته، لعل أبرزها “لواء القدس” الذي شُكل بعد انطلاق الثورة السورية للفتك بالمدنيين وخصوصاً في مدينة حلب. وهناك “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة” التي ساندت قوات النظام على بعض جبهات القتال مع فصائل المعارضة السورية وخصوصاً في مدينة دمشق وريفها. وكان الأسد التقى في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وفداً من حركة “حماس” بوساطة من “حزب الله”، في إعلان عن انتهاء قطيعة دامت أكثر من عقد بينهما على خلفية اتهام النظام للحركة بعدم الوقوف معه في حربه ضد السوريين. بيد أن الأسد قال منتصف العام الحالي إن علاقة نظامه مع “حماس” لن تعود إلى ما كانت عليه قبل 2011.
المصدر: العربي الجديد