تواصل آلة القتل والتدمير الأسدي، ومعها ميليشيات إيران/ الملالي، والاتحاد الروسي قصفها الهمجي لأهلنا في إدلب وشمال سورية، ضمن حالة انتقامية استنادًا فيها وعبرها من قبل أدوات النظام إلى مقولة أن من كان وراء حادثة (الكلية الحربية) في حمص هم الحاضنة الشعبية للمعارضة وفصائلها المنتشرة هناك . وهي تعلم علم اليقين أن لاقدرة لهذه الفصائل على القيام بمثل هذه الحادثة، بينما لعله من مصلحة النظام السوري نفسه ومن معه، تنفيذ التفجير أو إرسال المسيرات، وهو فعلًا من فعلها، وكل الدلائل تشير إلى ذلك. لقد كانت الذريعة هذه مدخلًا للنظام السوري للانقضاض على المدنيين في أريحا وجبل الزاوية، ومدينة إدلب وكل الشمال السوري، في محاوىة واضحة لتخويف الناس وتهجيرهم مرة أخرى إلى الحدود مع تركيا هروبًا من القصف بالصواريخ والأسلحة المحرمة دوليًا من نابالم وسواه.وكذلك استمالة حاضنة النظام التي سبق وأن تململت منذ أشهر، فكان لابد من إعادة شدها وتخويفها مرة أخرى.
إن مايجري اليوم للسوريين في إدلب والشمال السوري من استفراد مباشر بهم وصمت إقليمي ودولي وعربي ينبيء بانزياحات كبرى تتحرك في المنطقة والعالم، مفادها أن هذا النظام باق وإيرانه مازالت داعمة له، ومن ثم فإنه لاقيمة للدماء السورية التي تجري هنا وهناك، وسوف يبقى الوضع السوري على هذه الحال، حتى تحدث تغيرات استراتيجية وجيوسياسية في المنطقة وفي العالم، يمكنها أن تخلق أجواءً تكون مواتية لإنجاز حالة الولوج بالحل السياسي وفق القرارات الأممية المتعلقة بالشأن السوري. وحتى يحدث ذلك فإن على السوريين وحدهم وبأجسادهم وحيواتهم أن يتحملوا تبعات قيامهم بالثورة أواسط آذار/ مارس ٢٠١١ وماخلقته في حينها من تغيرات بنيوية، وكسر للحاجز النفسي .
لكن السؤال يبقى قائمًا وهو: كيف يمكن أن يستمر هذا الصمت المقيم عربيًا وإقليميًا ودوليًا دون وقف هذه المقتلة المستمرة فصولًا ودون حتى مجرد إدانتها ..حيث يخرج علينا بيان الجامعة العربية ليدين فقط ماجرى في الكلية الحربية، ويتناسى مايجرى منذ عدة أيام من همجية وقتل وتدمير للبنية التحتية في محافظة إدلب وكل الشمال السوري خارج سيطرة النظام.
هذا الصمت العربي الرسمي كيف له أن يحصل من حيث يدرك الجميع مدى لعب وكذب وعود نظام الأسد، وهو الذي لم ينفذ ولا بند واحد مما توافق عليه وزرارء الخارجية العرب المجتمعين في عمان، أو في جدة، ومابرح يصر على إرسال الكبتاغون إلى دول الخليج ،بل والعالم، وماانفك في حالة إصرار على عدم الولوج بالحل السياسي، ورفض كل متحركات الأمم المتحدة من سياسة الخطوة خطوة أو سواها بدعم إيراني روسي واضح المعالم، وبيع للسيادة السورية على قارعة الطريق، والوصول إلى محددات وسمات الدولة الفاشلة السورية على يديه، ودفع الناس إلى حافة الفقر المدقع، حيث تجاوزت نسبة الفقر التسعين بالمئة .
لعل هذا الصمت الذي ترافق دوليًا وإقليميًا وعربيًا مع القصف الطغياني الهمجي على أهالي إدلب يشير إلى أنه قد أضحى موقفًا بائنًا ينتج متغيرات دراماتيكية من التخلي وعدم الانتباه وإشاحة الوجه، عما يحصل للسوريين جراء القصف والتهجير .ومن ثم فإنه لم يعد ممكنًا اعتبار مايجري من صمت إلا أنه قد أضحى موقفًا ممارساً وسياسة واضحة تستند زورًا إلى الانشغال بما يجري في فلسطين ضد الشعب الفلسطيني، أو بدعوى ذلك .وتارة أخرى بمسائل مشابهة قد لاترتقي لأن تكون منطقية ولا واقعية، كي يُترك الشعب السوري في إدلب ليتلقى الضربات والقتل ضمن حالة فرجة عربية ودولية وإقليمية فاقعة.
وإذا كانت القضية الفلسطينية ومايجري للشعب الفسطيني البطل مهمة، وهي مهمة بكل تأكيد، فإن ذلك لايعني بأي حال من الأحوال التخلي عن السوريين، أو الذهاب إلى سياسة التطبيع مع نظام قهري كاذب وتابع لإيران، وليس له في المواثيق أو الوعود أية حصة أو مصداقية، وبالتالي فإن الكف عن سياسة الصمت باتت ضرورية، أمام أحوال شعب لايلوي على شيء، ولايعرف أين يذهب أو يغادر أمام سياسة غلق كل الحدود أمامه وغصبه على أن ينتظر القتل القادم من طائرات وقذائف إيران والنظام وروسيا.
النظام السوري وهو الذي أقلقه كثيرًا ماجرى من هبة شعبية كبيرة في السويداء، وأصبح في حالة من القلق والخوف لم يجد في مواجهتها بُدًا إلا فتح معركة جديدة توازي ماحصل عامي ٢٠١٩ و٢٠٢٠ عندما تمكن من السيطرة وبدعم روسي إيراني على معظم ريف حماة، وبعض ريف إدلب (خان شخون ومعرة النعمان وسراقب) وهو اليوم يحاول (لو استطاع) تحقيق ماعجز عنه في تلك المرحلة، والتي أدت في حينها إلى ذاك الاتفاق البروتوكولي بين روسيا وتركيا في ٥ آذار /مارس ٢٠٢٠ لوقف إطلاق النار والتهدئة، والتي الم تحصل مطلقًا، بل ظل نظام القتل يمارس انتهاكاته وتعدياته على المدنيين خلال أكثر من ثلاث سنوات مضت، وهو الآن يحاول أن يعيد المسألة إلى ذاك المربع لو استطاع، مستغلاً بالطبع انشغال الأتراك في معركتهم شمال شرق سورية ضد إرهاب ال (ب ك ك) بعد العمليتين الإرهابيتين اللتين استدهفتا الأمن القومي التركي في أنقرة خلال الأيام والأسابيع الماضية.
لكن ليس من الممكن أن يبقى الأتراك صامتين أو منشغلين بالشرق، وهم يرون أن القصف قد اقترب كثيرًا من نقاطهم العسكرية المنتشرة في إدلب، بل طال بعضًا منها، ومن ثم فإن التوافقات الروسية التركية من الممكن أن تعود الهوينا من جديد لإعادة إنتاج توافقات جديدة وعلى أسس مختلفة أيضًا.
وماتجب الإشارة إليه كذلك، هو ذاك الصمت الأدهى والأشد مرارة، وهو صمت المعارضة الرسمية السورية وقلة حيلتها، وفرجتها على مايجري، دون أي تحرك جدي، مع ماكان يسمى أصدقاء الشعب السوري، المنشغلين بأمور أخرى. وهذا الصمت للمعارضة واكتفائها ببعض البيانات التي لاتغني ولاتثمن من جوع، يضعها في (خانة اليك) كما يقال، ويعيد النظر من جديد بمدى أهليتها الحقيقية للإمساك بقضية بل قضايا السوريين الذين باتوا يرفضون لكل آليات وسياسات المعارضة الرسمية، التي انشغلت بخلالفاتها البينية ومصالحها ومحاصصاتها ومازالت، دون الالتفات إلى هموم ومعانات شعبها حيث تدعي أنها تمثله.
المصدر: موقع المجلس العسكري السوري