أدت العملية السياسية الفاسدة إلى تمكين شركاء السلطة بفرض أجنداتهم من خلال كتابة الدستور بمواده التي سخرت لخدمة مصالحهم الخاصة ضاربة عرض الحائط بالمصلحة الوطنية العليا للعراق ، حيث مارسوا تنمرهم بشتى الطرق المتاحة للاستحواذ على مقدرات البلاد مستخدمين مبررات مختلفة (مرة للتحرير وأخرى للإعمار) تحت بند { الفرهود دون حساب } هذا بشكل عام ، أما بشكل خاص فالأحزاب الكردية تزايد تنمرها حتى طال شركائهم في العملية السياسية ، مثالاً على ذلك تبوئهم أعلى المناصب في الدولة ، ابتداءً من رئاسة الجمهورية نزولاً الى باقي الوزارات والأجهزة الأمنية والمؤسسات الحكومية الأخرى ، والتي أتاحت لهم السيطرة والتحكم بثروات البلد المختلفة ، من موارد طبيعية وعائدات ضريبية وخدمية بما فيها المنافذ الحدودية ، كما تميزوا في السماح لهم بفتح مقرات لممارسة نشاطاتهم الحزبية في جميع محافظات ومدن العراق ، وخصصت لهم نسبة من الميزانية العامة تتجاوز ضعف ما تستحقه محافظاتهم ، في حين أن شركائهم من أحزاب الوسط والجنوب لا يسمح لهم بفتح مقرات وممارسة نشاطاتهم الحزبية أسوة بما يفعله الكرد ، والأدهى من ذلك أن حكومة المركز لا يحق لها التدخل إدارياً في شؤون المحافظات الشمالية ، وليس لها اي نفوذ على المؤسسات العسكرية والأمنية في تلك المحافظات ، بما فيها المنافذ وعائداتها من الرسوم الجمركية وضرائبها المستحصلة .
إضافة إلى ما يملكونه من حرية التصرف بالثروات النفطية والاستحواذ على عائداتها في تلك المحافظات تحت أنظار الحكومة المركزية ، علما أن أغلب عائدات تلك الموارد وجزء كبير من مخصصاتهم في الميزانية العامة تجير بحسابات شخصية لقادة تلك الأحزاب الكردية .
كل هذه الامتيازات التي يتمتعون بها لن توقف سعيهم الحثيث للانفصال ، وهذا ما عكسته سياسة وزارة الخارجية [ مستغلين نفوذهم ] في الدعم المستمر لتحقيق هذا المشروع ، حيث مكنتهم تلك السياسة من بناء علاقات دولية مهمة وحساسة لأحزابهم وذلك بعقد لقاءات ومؤتمرات دولية يروجون من خلالها لانفصالهم بدولة مستقلة ، رافعين علمهم الكردي ويؤكدون انهم يمثلون (كردستان) وليسوا عراقيين ، وبذلك يخالفون بنود الدستور الذي شاركوا في كتابته .
وفي ذات الوقت يعملون جاهدين بأجندات دقيقة على رفع نبرة التطرف والعنصرية في محافظاتهم ، وخلق بؤر التوتر والسعي المستمر للتغيير الديموغرافي في المحافظات الأخرى القريبة لمناطقهم مثال «كركوك والموصل وغيرها»، وخطتهم بمنح الجنسية العراقية للكرد الاتراك والسوريين والايرانيين ليضمنوا ولاءهم المطلق للمشروع .
رغم ذلك يمارسون التهديد والابتزاز بين فترة وأخرى لشركائهم في العملية السياسية بتنفيذ مشروعهم الانفصالي .
إن هذه اللعبة أصبحت مكشوفة للجميع ، وبالحقيقة هم لا يجرؤون على اتخاذ مثل تلك الخطوة ، لعلمهم المسبق أن الإرادة الدولية لن تسمح لهم ، وتركيا وإيران تهدد بغزوهم وإطفاء مشروعهم الإنفصالي خلال ساعات ان أقدموا على تنفيذه .
إن أبناء الشعب العراقي الكردي سئموا تصرفات ساستهم وممارستهم لسرقة المال العام لمصالحهم الشخصية والنافذين من أعضاء احزابهم ، وتخلوا عن إيفاء الحقوق المالية لأبناء تلك المناطق ، وهم ما زالوا يعيشون بأفكار وصراعات دولة الخروف الابيض ودولة الخروف الاسود التي حكمت مناطقهم في السليمانية واربيل بالقرون الغابرة ، وهو ما شجع بعض الدول الإقليمية على استخدامهم ك«بندقية للايجار» لتنفيذ أجندات مشتركة ضد أبناء العراق ، ما أدى إلى ضعفهم بمواجهة أي موقف سياسي أو عسكري تركي أو ايراني ، أو ميليشيات مسلحة أو عصابات الجريمة المنظمة التي استباحت حدودهم ، وعند استهداف مناطقهم عسكرياً وتهديد نفوذهم من قبل دول الجوار ، حينها يعلوا صراخهم مطالبين الجيش والحكومة المركزية بالتدخل للدفاع عنهم ، وبانتهاء الأزمات يعيدون توجيه سلاحهم ضد شركائهم .
إن جميع الأحزاب المشاركة في السلطة الحالية بما فيها الأحزاب الكردية وقيادتها أصبحت عبئا ثقيلا على العراق وشعبه ، وبشكل خاص أذكر أن المشروع الانفصالي أصبح غير ذي جدوى للدول التي كانت تدعمه وتم طي صفحته للأبد ، وقادة تلك الاحزاب يدركون ذلك جيداً وحالهم كباقي شركائهم ، والجميع لا يجيدون غير تنمر بعضهم على بعض ويعكسون ذلك على المجتمع عموماً ، والشعب ينتظر بفارغ الصبر من يحمل الراية من الوطنيين ليبدأ مرحلة التغيير الجذري وإعادة الهوية الوطنية .