شركاء التنمر

عصام البوهلالة

أدت العملية السياسية الفاسدة إلى تمكين شركاء السلطة بفرض أجنداتهم من خلال كتابة الدستور بمواده التي سخرت لخدمة مصالحهم الخاصة ضاربة عرض الحائط بالمصلحة الوطنية العليا للعراق ، حيث مارسوا تنمرهم بشتى الطرق المتاحة للاستحواذ على مقدرات البلاد مستخدمين مبررات مختلفة (مرة للتحرير وأخرى للإعمار) تحت بند { الفرهود دون حساب } هذا بشكل عام ، أما بشكل خاص فالأحزاب الكردية تزايد تنمرها حتى طال شركائهم في العملية السياسية ، مثالاً على ذلك تبوئهم أعلى المناصب في الدولة ، ابتداءً من رئاسة الجمهورية نزولاً الى باقي الوزارات والأجهزة الأمنية والمؤسسات الحكومية الأخرى ، والتي أتاحت لهم السيطرة والتحكم بثروات البلد المختلفة ، من موارد طبيعية وعائدات ضريبية وخدمية بما فيها المنافذ الحدودية ، كما تميزوا في السماح لهم بفتح مقرات لممارسة نشاطاتهم الحزبية في جميع محافظات ومدن  العراق ، وخصصت لهم نسبة من الميزانية العامة تتجاوز ضعف ما تستحقه محافظاتهم ، في حين أن شركائهم من أحزاب الوسط والجنوب لا يسمح لهم بفتح مقرات وممارسة نشاطاتهم الحزبية أسوة بما يفعله الكرد ، والأدهى من ذلك أن حكومة المركز لا يحق لها التدخل إدارياً في شؤون المحافظات الشمالية ، وليس لها اي نفوذ على المؤسسات العسكرية والأمنية في تلك المحافظات ، بما فيها المنافذ وعائداتها من الرسوم الجمركية وضرائبها المستحصلة .

إضافة إلى ما يملكونه من حرية التصرف بالثروات النفطية والاستحواذ على عائداتها في تلك المحافظات تحت أنظار الحكومة المركزية ، علما أن أغلب عائدات تلك الموارد وجزء كبير من مخصصاتهم في الميزانية العامة تجير بحسابات شخصية لقادة تلك الأحزاب الكردية .

كل هذه الامتيازات التي يتمتعون بها لن توقف سعيهم الحثيث للانفصال ، وهذا ما عكسته سياسة وزارة الخارجية [ مستغلين نفوذهم ] في الدعم المستمر لتحقيق هذا المشروع ، حيث مكنتهم تلك السياسة من بناء علاقات دولية مهمة وحساسة لأحزابهم وذلك بعقد لقاءات ومؤتمرات دولية يروجون من خلالها لانفصالهم بدولة مستقلة ، رافعين علمهم الكردي ويؤكدون انهم يمثلون (كردستان) وليسوا عراقيين ، وبذلك يخالفون بنود الدستور الذي شاركوا في كتابته .

وفي ذات الوقت يعملون جاهدين بأجندات دقيقة على رفع نبرة التطرف والعنصرية في محافظاتهم ، وخلق بؤر التوتر والسعي المستمر للتغيير الديموغرافي في المحافظات الأخرى القريبة لمناطقهم مثال «كركوك والموصل وغيرها»، وخطتهم بمنح الجنسية العراقية للكرد الاتراك والسوريين والايرانيين ليضمنوا ولاءهم المطلق للمشروع .

رغم ذلك يمارسون التهديد والابتزاز بين فترة وأخرى لشركائهم في العملية السياسية بتنفيذ مشروعهم الانفصالي .

إن هذه اللعبة أصبحت مكشوفة للجميع ، وبالحقيقة هم لا يجرؤون على اتخاذ مثل تلك الخطوة ، لعلمهم المسبق أن الإرادة الدولية لن تسمح لهم ، وتركيا وإيران تهدد بغزوهم وإطفاء مشروعهم الإنفصالي خلال ساعات ان أقدموا على تنفيذه .

إن أبناء الشعب العراقي الكردي سئموا تصرفات ساستهم وممارستهم لسرقة المال العام لمصالحهم الشخصية والنافذين من أعضاء احزابهم ، وتخلوا عن إيفاء الحقوق المالية لأبناء تلك المناطق ، وهم ما زالوا يعيشون بأفكار وصراعات دولة الخروف الابيض ودولة الخروف الاسود التي حكمت مناطقهم في السليمانية واربيل بالقرون الغابرة ، وهو ما شجع بعض الدول الإقليمية على استخدامهم ك«بندقية للايجار» لتنفيذ أجندات مشتركة ضد أبناء العراق ، ما أدى إلى ضعفهم بمواجهة أي موقف سياسي أو عسكري تركي أو ايراني ، أو ميليشيات مسلحة أو عصابات الجريمة المنظمة التي استباحت حدودهم ، وعند استهداف مناطقهم عسكرياً وتهديد نفوذهم من قبل دول الجوار ، حينها يعلوا صراخهم مطالبين الجيش والحكومة المركزية بالتدخل للدفاع عنهم ، وبانتهاء الأزمات يعيدون  توجيه سلاحهم ضد شركائهم .

إن جميع الأحزاب المشاركة في السلطة الحالية بما فيها الأحزاب الكردية وقيادتها أصبحت عبئا ثقيلا على العراق وشعبه ، وبشكل خاص أذكر أن المشروع الانفصالي أصبح غير ذي جدوى للدول التي كانت تدعمه وتم طي صفحته للأبد ، وقادة تلك الاحزاب يدركون ذلك جيداً وحالهم كباقي شركائهم ، والجميع لا يجيدون غير تنمر بعضهم على بعض ويعكسون ذلك على المجتمع عموماً ، والشعب ينتظر بفارغ الصبر من يحمل الراية من الوطنيين ليبدأ مرحلة التغيير الجذري وإعادة الهوية الوطنية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى