التايمز: ذكريات حروب الأفيون تمنع الصين من شراكة مع دولة مخدرات بقيادة الأسد.. فكّر جيداً يا شي

إبراهيم درويش

قال المعلق في صحيفة “التايمز” روجر بويز إن زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الصين قدمت تحدياً للقيادة الصينية، التي تعوّدت على التعامل مع أنظمة ديكتاتورية، لكن الأسد وصلَ إلى الصين ومعه رزمة إضافية، تدفع بكين للتفكير مرتين قبل أن تقدم مساعدات؛ وهي عادة الإدمان على المخدرات السورية.

وقال: “في أكاديمية الطغاة، كان بشار الأسد (الجزار)، وعلى مدى العقد الماضي، مجرد مغفل في الزاوية، ليس للحصيلة المرعبة من القتلى في ظل قيادته، نصف مليون قتيل، وقبل أن تتوقف المنظمات غير الحكومية عن إحصاء الجثث، بل ولأنه خرج من كل القتل ليحكم بلداً ممزقاً ومفككاً، ويعاني من خلل وظيفي”.

وسيطرت إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة على مناطق في سوريا، ونشرت جنودها وجواسيسها هناك.

وتساءل: أي ديكتاتور ضعيف يسمح بهذا؟ السماح للروس بالسيطرة على المجال الجوي، وفتح المجال أمام إسرائيل لشن غارات على قواعد إيرانية في سوريا؟  لكن نجم الأسد في صعود، بعد 12 عاماً من سفك الدماء.

وقال الكاتب ساخراً إنه قد يؤلف كتاباً بعنوان: “كيف تنجو من ديكتاتوريتك الخاصة؟”، فقد سمحت الجامعة العربية للأسد بالعودة للحظيرة العربية، ورحب به الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين، ووقّعَ معه على شراكة إستراتيجية صينية- سورية غامضة. وهناك حديث عن حجز صديقته الإمارات العربية المتحدة كرسياً للأسد في قمة كوب 28 المناخية، التي ستعقد في أبو ظبي بتشرين الثاني/ نوفمبر.

ويعلق الكاتب بأن التواصل مع الأسد هو نتيجة للهزة الأرضية المدمرة التي هزت سوريا وتركيا، الشتاء الماضي. ولم يُقتل السوريون في سوريا، ولكن في تركيا التي فرّوا إليها بعد قصف حلب.

ويقول إن التواصل البائس بين ضحايا الحرب والكوارث الطبيعية ربما وَخَزَ ضمير الجامعة العربية، وكانت وراء حسابات الدول العربية مصالح ذاتية، فقد كشفت الكارثة الطبيعية عن فقر “الدولة السورية”، وقدرتها على مساعدة ملايين النازحين. وفتحت المجال أمام عمليات إعمار مربحة. لكن معظم جيران الأسد وحماته أعجبوا بقدرته على التمسك بالسلطة، ولو بأظافره، وأثبت عدم صحة تقديرات الدول الغربية بقرب نهايته. وتم سجن المعارضين وتعذيبهم ودفعهم للمنفى، في وقت كان القصر الجمهوري بدمشق ينشر، بين الفترة والأخرى، صورة عائلية للأسد المبتسم وزوجته (المولودة في لندن)، وأبنائه الذين يظهرون بمظهر الجاد. فلا شيء يتفوق على النجاة واستعادة احترام الزملاء الديكتاتوريين.

وكانت سوريا جاهزة لانقلاب، وَجَّهَه، حسب المخابرات الغربية، شقيقُه الأكثر قسوة ماهر، لكن الأسد، حافظ على الانضباط في بلاطه، وداخل المؤسسات الأمنية، رغم كونه فاشلاً في إدارة الاقتصاد.

وأكثر من هذا؛ أصبح لدى الأسد أفكاره الجيوسياسية، فعندما أعلن الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي عن ممرّ بين أوروبا والشرق الأوسط، أثناء قمة العشرين الأخيرة في نيودلهي، شعرت الصين بالقلق.

ويشمل الخط على ألياف ضوئية وأنابيب هيدروجينية نظيفة تمتد من الهند إلى الإمارات والسعودية وإسرائيل إلى أوروبا. وبعبارة أخرى؛ خطة منافسة لمبادرة الحزام والطريق التي انضمت إليها سوريا، وبشكل رسمي، العام الماضي. وألا يمكن لسوريا أن تكون جزءاً من الرد الصيني الحاسم على هذا الدفع، وأن تكون واحدة من حلفاء بكين الموثوقين في الشرق الأوسط؟

ويرد بأن شي تعوّدَ على الديكتاتوريين الذين يدقّون بابه، فقد زاره منهم زعيما فنزويلا وإيران، هذا العام، على أمل الحصول على منافع من خلال تقديم أنفسهم كضحايا للحرب المالية الأمريكية. وفي العام الماضي كان الأسد، آخر المتوسّلين، ولا يعرف إن كان سيقنع شي على تمويل النهضة في سوريا.

وتقترح التقارير أن شي متردد في الاقتراب جداً من الأسد. ومع أن الرئيس فلاديمير بوتين، منشغل في الحرب في أوكرانيا، إلا أن روسيا تظل الحليف الرئيسي لدمشق. وربما نظرت موسكو إلى سوريا كحفرة مال بدون نهاية، بنيتها التحتية مدمرة واحتياجاتها السكنية لا نهائية.

وربما استطاع الأسد تحقيق المعجزة لو وعد بوتين وشي بعودة الملايين من المهاجرين، الذين سيتحولون إلى قوة عمل شابة. لكن هذا يعتمد على برنامج موثوق من الإصلاح السياسي والتحديث، وهو ما يحتاجه المستثمرون، ونهاية للفساد المنظم، يبدأ من الأعلى، بما في ذلك عائلة الأسد الممتدة.

ويجب على شي فهم أنه سيندم على مساعدة الأسد الخروج من هذه الحفرة. ذلك أن التضامن بين الديكتاتوريين مكلف، وما عليك إلا النظر للعلاقة غير المحدودة مع بوتين.

وهناك جدل مقنع يدعم فكرة تجنّب الأسد والابتعاد عنه كالهرب من الطاعون، ذلك أن رأس النظام السوري سمح بتحول البلد إلى دولة مخدرات كي يحصل على السيولة المالية.

ويتم إنتاج الكبتاغون، الذي يعتبر هيروين الفقراء، بكميات كبيرة في المناطق التي يسيطر عليها النظام وفي لبنان. ويقول الباحثون إنه يتم تصديره على شكل حبوب إلى السعودية والأردن وانتشرت في كل المنطقة. ويقال إن أفراد عائلة الأسد يحصلون على حصة من التجارة التي تقدّر بـ 2 مليار دولار سنوياً.

ويعلق الكاتب بأن السلطات الصينية تعاملت مع حكومات فاسدة، فالصفقات التي تم عقدها ضمن مبادرة الحزام والطريق، مرت عبر رشى. إلا أن شريكاً إستراتيجياً يحصل على المال من خلال المخدرات لا يعجب  شي. فعقيدته السياسية أن الصين يجب أن تتخلص من الإهانة التي تسبّبت لها بها القوى الإمبريالية من خلال تجار الأفيون التي أدارتها الشركات البريطانية. فسيطرة بريطانيا على الحصون والموانئ وحروب الأفيون، في أربعينيات القرن التاسع عشر، وإدمان الشباب الصيني، كل هذا يجعل شي حذراً من علاقة تجارية مع دولة مخدرات.

ويقول الكاتب إن إعادة تأهيل الأسد تجري بسرعة، وبدون محاسبة على جرائمه، والبراميل المتفجرة التي تدحرجت على طوابير الخبز، ولا على الهجمات الكيماوية، وتسوية المدارس بالتراب. ونصح بويز الرئيس الصيني بالقول: “فكّر جيداً يا شي، فالأسد ليس حالة مساعدة”.

المصدر: “القدس العربي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى