الأسد في الصين فهل يُفتح طريق الحرير؟

أحمد مظهر سعدو

على متن طائرة صينية غادر بشار حافظ الأسد إلى الصين، بعد عقدين اثنين من الزمن، لم يزر بشار الأسد خلالها بلاد التنين الصيني، وبعد أكثر من اثني عشر عامًا ونيف من العزلة العربية والإقليمية والعالمية، حيث لم يتسن له خلالها سوى الشحن طوعًا أوكرهًا إلى موسكو/ بوتين، أو إلى طهران/ الملالي، قبل أن يفتح له الباب مواربًا لزيارة بعض الدول العربية، التي بدأت معه مسيرة التطبيع منذ شهر أيار/ مايو الفائت، حين تمكن بشار الأسد ونتيجة التفاهمات الإيرانية السعودية التي جرت في 10 آذار/ مارس المنصرم، والتي سرعان ما تعثرت مسيرتها المثقلة بكثير من العقبات، ثم راوحت بالمكان إبان تمنع نظام الأسد ومن معه عن الدخول ضمن أي حل سياسي، وتنصله من المبادرة العربية واشتراطاتها، واستمراره الحثيث والمتواصل على إرسال طرود شحن مخدرات الكبتاغون المصنع بين لبنان وسوريا برعاية أسدية تشبيحية إيرانية، وبأدوات حزب الله والميليشيات الإيرانية، وما يسمى بالحرس الثوري الإيراني، وكل من أتى معهم من بقاع الله الواسعة، نصرة لحكم آل الأسد وإعادة قيامة نظامه المنهار.

صحيح أن الدعوة التي وصلت للأسد لزيارة الصين كانت من أجل مشاركته وحضوره مع عدد كبير من قادة وزعماء الدول افتتاح الألعاب الآسيوية، التي تقام في الصين لهذا العالم، حيث تريد الصين أن تكون ناجحة ومهمة إعلاميًا على الأقل. لكن بشار الأسد وداعميه من إيرانيين وروس، أرادوا لزيارته هذه أن تتجاوز عتبة افتتاح الألعاب الآسيوية البروتوكولية، لتكون محاولة منهم في أن تتمكن من ولوج بوابة العبور نحو العالم من جديد، حيث سبق وتمت مقاطعة نظام الأسد منذ أكثر من عقد من الزمن نتيجة ممارساته الإجرامية في التعاطي مع شعبه السوري الأعزل، واستخدامه كل صنوف الأسلحة المحرمة دوليًا من سلاح الكيماوي، الذي استخدمه ضد السوريين في أكثر من خمسة عشر مكانًا، وصولًا إلى القنابل العنقودية، والصواريخ البالستية وسلاح البراميل الغبي وهو الاختراع الأسدي الذي بات معروفًا ومشهورًا.

فهل سيتمكن الأسد من أن يخرج من عزلته هذه، عبر بوابة الصين هذه المرة؟ وهل يمكن أن يكون مقبولًا في شرقي آسيا، بعد أن رُفِضَ وحوصر في الغرب عمومًا، بل وفي كثير من دول العالم؟ وإلى أي حد يمكن للصين أن تكون سخية معه في مد يد العون لنظامه المنهار اقتصادًا ووصوله إلى (صفرية) الخزينة لديه؟ ومن ثم هل كانت جمهورية الصين الشعبية بالأساس وقبل عام ٢٠١١ ممن يتعاطى معه اقتصاديًا بنسب كبيرة ولافتة؟

كل تجليات المشهد وما حوله تشير إلى أن لا مقومات أصلًا لأي بناءات اقتصادية، ولا سياسية لإعادة وصل ما انقطع أو إعادة قيامة نظام سياسي عصبوي، كان وما يزال ألعوبة بيد الشرق والغرب، وهو مغرق في قتل شعبه، وناهب لاقتصادات وطنه، وما برح حتى الآن يحاصر شعبه، ويتعاطى مع ثورة السوريين على أنها (إرهاب)، وهو أكثر الدول والأنظمة إرهابًا عبر التصنيف العالمي للإرهاب. لقد ذهب بشار الأسد إلى الصين رفقة زوجته أسماء الأخرس في وقت كان البلد وما يجري فيه من انتفاضة وفوران شعبي في السويداء هو الأحوج إلى الالتفات إليه والتوقف أمام مطالب الناس، والاستماع إلى متطلباتهم، والاهتمام بالشعب السوري في السويداء وخارجها، بعد أن وصل حاجز خط الفقر في سوريا إلى ما يزيد عن ٩٠ بالمئة، وهي نسبة لم تصلها سوريا منذ تأسيسها وحتى الآن .

ليست الصين من يعطي الأعطيات لنظام منهار ولا قيمة له اقتصاديًا ولا سياسيًا، بل ومعزول عالميًا، ولن يكون حجم الاستثمار الصيني في سوريا مع نظام الأسد إلا نزرًا يسيرًا، وكل المسألة أن الصين تريد مماحكة الأميركان والغرب، والوقوف ولو شكليًا إلى جانب بعض الأنظمة التي لا تتوافق مع السياسات الأميركية، مثل روسيا أو إيران أو تابعهم الصغير بشار الأسد، دون أن يكلف ذلك الخزينة الصينية أي شيء، وهي تدرك أي الصين أن الأهم لديها كثقل اقتصادي في المنطقة العربية فيما لو أرادت هو عقد الاتفاقات والعقود مع دول الخليج وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ذات الثقل الأكبر والاقتصاد القوي والرابح مع الصين وسواها، وليس الممر الاقتصادي الذي يبدأ من الهند مرورًا بالمنطقة العربية الذي يمكن أن يحسب أي حساب لدولة منهارة مثل سوريا التي يحكمها نظام القتل والعسف الأسدي.

وطريق الحرير ما يزال عصيًا عن الفتح أمام نظام الأسد رغم الدعوة الصينية والاجتماعات القليلة مع بعض القادة الصينيين، وما برحت السياسات الصينية منشغلة بما هو أهم من تمتين العلاقة مع نظام سوري منهار وغير قادر على الوفاء بأي اتفاقات أو عقود أو ديون، وهو أعجز من أن يحقق للصينيين ما عجزوا عن تحقيقه مع دول أخرى أكبر وأكثر شرعية ومصداقية وأمانًا اقتصاديًا مستقبليًا.

يبقى أن نظام الأسد مازال يلاطم الأمواج، وهو يزحف أمام كل من يجد بابه ما يزال مفتوحًا أو حتى مواربًا نسبيًا، على أمل الخروج من ضائقته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والجيوسياسية، وهو يدرك أن لا مقومات موضوعية لعلاقة متينة مع دولة بحجم الصين، ولا بما هو أقل منها بكثير، ومع ذلك فهو ما انفك في حالة إصرار على أخذ وسحب السوريين والوطن السوري بمجموعه إلى متاهات الفوات والضياع واللا جدوى، ضمن محددات لا خروج منها، يصر فيها نظام الطغيان على الولوغ في الدم السوري، أكثر وأكثر، ومن ثم كم الأفواه وإلغاء السياسة من المجتمع السوري، مع استمرار الهبوط المدوي في سعر الليرة السورية التي لم تعد تساوي شيئًا بعد تجوازها عتبة ١٤ ألف ليرة للدولار الواحد، وهي التي كانت تساوي ٥٠ ليرة مع بدايات ثورة الحرية والكرامة عام 2011.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى