دعوة حزب “اللواء” السوري للحوار في السويداء: خطوة وطنية أم نفاق؟

المهند حسام

دعا حزب اللواء السوري في بيان له، الاثنين، إلى تكثيف الحوارات السياسية “الجادة” و”المسؤولة” بمشاركة ممثلين عن حراك السويداء، نافياً أن يكون طرفاً في مبادرات سياسية طُرحت على خلفية الحراك المستمر منذ أكثر من شهر في المحافظة.

وقال الحزب في بيان حمل توقيع مكتبه السياسي في السويداء: “نؤكد بأننا لسنا طرفاً في مختلف المبادرات السياسية التي تم طرحها على خلفية الحراك السلمي في السويداء، ونؤكد قناعتنا بأن أي مبادرة يتم طرحها مستقبلاً لا بد لها أن تحقق الالتزام بالمعيار الوطني وأن تمثل أوسع طيف في المحافظة”.

وفيما شدّد الحزب على دعمه الحراك ومطالبه، محملاً النظام مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في سورية، دعا “مختلف القوى السياسية لتكثيف الحوارات الجادة والمسؤولة، وإشراك ممثلين عن الحراك في الحوار وتكريس الشفافية في العمل السياسي”.

وكان معارضون سياسيون في السويداء قد أطلقوا، في عام 2021، حزباً سياسياً جديداً تحت اسم “حزب اللواء السوري”، بهدف استعادة “الدور الحقيقي” للطائفة الدرزية المبعدة بشكل “مقصود” عن المشهد السياسي في سورية منذ عقود.

ولم يلق الحزب ترحيباً واسعاً في المحافظة، التي يزعم كثير من أبنائها أن فكرته انطلقت من اجتماعات جرت في الخارج، ويحصل على دعم مالي وعسكري من “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي شارك مستشاروها العسكريون في تأسيس “قوة مكافحة الإرهاب” المرتبطة بـ”حزب اللواء” عام 2022، ويشاع أن تلك القوة تلقت دعماً من قوات التحالف الدولي المتمركزة في قاعدة التنف بهدف مكافحة المليشيات الإيرانية وترويج المخدرات.

وأضاف الحزب في بيانه، أن المتظاهرين في السويداء برهنوا “أن الشعب السوري لا يزال يطالب بالتغيير السلمي الديمقراطي، وأن مختلف الانحرافات والإرهاصات التي تخللت الحراك السلمي إبان سنوات الثورة في سورية، لم تكن سوى نتيجة لتدخلات إقليمية حرفت مسار النضال السلمي الذي بدأ من الجنوب في مارس/ آذار من عام 2011″، داعياً المجتمع الدولي إلى “ممارسة أقصى الضغوط وتحمل مسؤولياته تجاه الشعب السوري”.

“ظاهرة غير مرحب بها”

ويواجه مشروع الحزب معارضة هيئات سياسية واجتماعية وفصائل محلية، كما تعارضه مرجعيات دينية. وكثيراً ما ينظر إليه بوصفه مشروعاً ببذور انفصالية، يمنح النظام وحلفاءه ذريعة استخدام القوة العسكرية ضد المحافظة.

وفي أغسطس/آب من عام 2021، اتهم الشيخ يوسف جربوع، الحزب بأنه يحمل “مبادئ غريبة عن المجتمع”، مطالباً أجهزة أمن النظام بإيقاف ما وصفها بـ”الظاهرة غير المرحب بها” في السويداء.

من جانبها، اتهمت وسائل إعلام النظام السوري “حزب اللواء” بسعيه إلى التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية للسيطرة على السويداء، وأسفرت حملة أمنية شنها النظام ضد “قوة مكافحة الإرهاب”، في حزيران/ يونيو عام 2022، عن مقتل قائدها الفعلي سامر الحكيم، وتصدع تشكيلاتها العسكرية.

وفي بيانه، أمس الاثنين، سعى الحزب إلى مخاطبة ود الزعامة الروحية للطائفة الدرزية، حين أكد في بيانه “أهمية الدور الذي لعبته المرجعية الروحية في السويداء من خلال دعمها مطالب المحتجين، والتواصل المستمر مع مختلف فئات وشرائح المجتمع والتأكيد الدائم من قبل المرجعية الروحية على سلمية الحراك ورقيّه ورفض محاولات جر المحتجين للصدامات”.

وحول دلالات البيان وتوقيته، يقول عضو اللجنة السياسية في حزب اللواء السوري أيسر مرشد، إنّ “البيان جاء بعد شهر من الحراك ليؤكد وقوف الحزب مع مطالب المتظاهرين ودعمه لها”، مبيناً أن “عناصر الحزب شاركوا في تظاهرات الحراك المطالبة بتطبيق القرار 2254 وإسقاط نظام بشار الأسد، وهي مطالب قديمة رفعها الحزب وليست بجديدة، لكن الحزب يؤكد اليوم دعمه المتظاهرين، وأنه لا يزال يعمل ضمن الأجندة التي سبق أن آمن بها، الهادفة إلى رحيل النظام وبناء سورية واحدة موحدة”.

وعند حديثه عن العلاقة بالرئاسة الروحية، يرى مرشد أنها علاقة “ثابتة تقوم على الاحترام لمقام مشيخة العقل، ممثلة بالشيخين يوسف الجربوع وحمود الحناوي، ومقام الرئاسة الروحية ممثلة بالشيخ حكمت الهجري”.

ولدى سؤاله عن الاتهامات السابقة التي وجهها الشيخ جربوع للحزب، قال مرشد “حين أصدر الشيخ يوسف جربوع بيانه لم نرد عليه، بل عملنا على فتح باب لنقاشات وحوارات معه، وإيصال رسائل لإيضاح وجهات النظر. وأوضح الشيخ وجهة نظره كرجل دين، وأوضحنا وجهة نظرنا كرجال سياسة، وهذا ما يصح في أي عمل سياسي”.

وأضاف عضو اللجنة السياسية في الحزب أن علاقة الحزب بمشيخة العقل والطائفة الروحية هي “علاقة قديمة. سابقاً كان هناك تعاون في قضايا عدة مع الرئاسة الروحية، التي شاركت في حلها من خلال مكانتها وقوتها في المحافظة”.

من جهته، يقول أحد الناشطين في حراك السويداء، رفض الكشف عن اسمه خشية من خطوة انتقامية قد يقوم بها الحزب أو عناصر محسوبة عليه، إنّ قوة “مكافحة الإرهاب” بدأت أعمالها بـ”اختطاف أشخاص من العشائر بتهمة المتاجرة بالمخدرات، وقتل شخص منهم لاحقاً تحت التعذيب، وعلقت جثته علناً وآثار التعذيب ظاهرة عليها، وثبت تعرض شخص آخر للتعذيب أُطلق سراحه. وفي حادثة منفصلة سلمت شخصاً آخراً لقاعدة التنف الأميركية، مما يؤكد ارتباط تلك القوة بها”، مؤكداً أن ذلك “كاد أن يؤدي إلى فتنة بين العشائر وأبناء السويداء لولا تدخل العقلاء”.

وتابع: “بعد القضاء على الذراع العسكرية في الحزب من قبل قوى الأمن ومقتل قائد القوة سامر الحكيم، واعتقال آخرين، اقتصر عمل الحزب على التصريحات عبر شخصيات لا تؤكد غالباً ارتباطها به، لكن يظهر ذلك من تبنيها في خطابها مشروع الحزب الانفصالي، الداعي إلى تشكيل إدارة ذاتية”.

ويضع الناشط البيان الذي صدر عن الحزب، أمس الاثنين، في سياق “تراجع قدرة الحزب على إثبات حضوره الاجتماعي بعد محاولات عدة للظهور في الحراك، أو تسجيل موقف سياسي، بعد أن أجمع الشارع على البعد الوطني ورفض المشاريع الانفصالية، فاضطر الحزب إلى الانحناء للعاصفة، ومن الواضح أنه يحاول التلون بالوطنية علناً، وإن كان يعمل ضدها سراً”.

ويرى الناشط في “الحوار” الذي يدعو إليه الحزب “محاولة للظهور بمظهر المضطهد المحاور الذي لا يلقى آذناً صاغية، في حين يدرك المشاركون في الحراك أن انخراطه فيه هي محاولات لإقحام شعاراته وحرف الحراك باتجاه غير مقبول من الجميع”.

ويوضح أن إشارة البيان إلى دور إيجابي لرجال الدين هو “أمر طبيعي ضمن مساره الساعي لتطييف الحراك، وحصره بالحالة الدرزية ورموزها ورجال دينها”، بحسب تعبيره.

اللامركزية في سياق صراع على الحراك

من جهته، يعتقد الأكاديمي السوري خلدون النبواني، المتحدر من محافظة السويداء، أن أي حراك يطالب بتغيير سياسي هو عرضة لتدخل مجموعات من القوى المتصارعة على المصالح، سواء داخلية أو خارجية، وبالتالي فإن “هناك صراعاً داخلياً على الحراك يتمثل في صراع على الزعامة”.

وأوضح الأكاديمي السوري لـ”العربي الجديد” أن “حزب اللواء حزب طائفي يعمل في مستوى ضيق، والبيان الأخير وإن صيغ بلغة وطنية تتمسك بالسلمية وتتبنى مطالب الحراك وتحمل النظام المسؤولية، فإن هذا لا يلغي ماضي هذا الحزب، وتمويله الخارجي ومصالحه الطائفية”، وفق تعبيره، الذي يدخل اليوم “ساحة الصراع على المصالح بحثاً عن دور فيها، لكنه سيبقى دوراً طائفياً صغيراً”.

ويسود اعتقاد بأن “قسد” تستثمر في حزب اللواء السوري لترويج نموذجها في الإدارة الذاتية بوصفه حلاً سياسياً. ولكن في يونيو/حزيران من عام 2021، نفى أحد أبرز مؤسسي “اللواء”، مالك أبو الخير، وجود أي توجه للانفصال والمطالبة بإقامة “دولة درزية”.

وقال أبو الخير، في حديثه لـ”العربي الجديد”، بخصوص الإدارة الذاتية: “نحن لا نعتبرهما تهماً، بل حقاً مشروعاً، لكن الطرحين ليسا حالياً ضمن حساباتنا، والسبب أن العمل عليهما أو المطالبة بهما خارج طاولة وطنية سورية جامعة يوافق عليها كل السوريين يعتبر انتحاراً سياسياً مبكراً”.

وأوضح أن “قوة مكافحة الإرهاب” ليس جزءاً من حزب اللواء، مؤكداً أن “هناك اتفاق مع هذه القوة للتنسيق معها ما دامت ملتزمة بالمعايير المتفق عليها”.

وأكد أبو الخير عدم وجود دعم للحزب من أي دولة، ولا من “قسد”، التي اعتبرها “مع مختلف القوى السورية، شركاء في حل الأزمة السورية، وذلك باستثناء القوى المتشددة وصاحبة الأجندات الدينية السياسية والمرتبطة بالإرهاب”.

ومنذ يونيو/حزيران الماضي، لوحظ توجه الحزب إلى فرض حضوره عبر إطلاق مشاريع اجتماعية، ومؤسسات خدمية بديلة عن مؤسسات النظام في السويداء، ما فهم على أنها خطوات ممنهجة نحو “إدارة ذاتية”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى