اطلب المدد ولو من الصين!

بكر صدقي

في الوقت الذي تستمر فيه انتفاضة السويداء ضد نظامه، يستعد بشار الأسد للسفر إلى الصين، ترافقه زوجته، لحضور افتتاح دورة الألعاب الآسيوية. في حين ركزت وسائل الإعلام الموالية للنظام وحلفائه على أن الزيارة تأتي «بناءً على دعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ» وأن «في رفقته وفدا سياسيا واقتصاديا كبيرا!».

امتنع النظام منذ بداية انتفاضة السويداء إلى الآن عن مواجهة الانتفاضة السلمية بالعنف، إذا استثنينا حادثة إطلاق النار من سطح مبنى فرع حزب البعث على جمع من المحتجين أدى إلى إصابة ثلاثة منهم، فيما يمكن اعتبارها حادثة فردية فعلاً لأنها لم تتكرر، أو أنها شكلت تحذيراً للأهالي بعدم الاقتراب من المبنى الذي سبق للمحتجين وأغلقوه.

وعلى رغم الهجوم الإعلامي على الانتفاضة واتهامها بشتى الاتهامات المعتادة من أبواق النظام، كالنزعة الانفصالية أو تجاوز «المطالب المشروعة» أو تلقي تمويل خارجي… أو التقليل من شأن أعداد المتظاهرين، أو تحذيرهم من «مؤامرة أمريكية» للقيام بتفجيرات في المحافظة «لإلقاء الاتهام على النظام!»… على رغم كل ذلك لم يصدر من أركان النظام أي رد فعل رسمي إلى الآن، وبخاصة من رأس النظام الذي هو عادةً الناطق الحصري بالموقف الرسمي للنظام من الأحداث المهمة في الداخل والخارج. فقد اختفى الرجل عن وسائل الإعلام تماماً طوال الشهر الذي استغرقته الانتفاضة، مع أن أكثر الشعارات والهتافات في المظاهرات ركزت على شخصه بالذات، مطالبةً له بالتنحي، ومؤكدة أن «سوريا لنا وليست لبيت الأسد».

لا يعبّر غياب الأسد عن عدم اكتراث أو استخفاف بهذا التحدي، بل عن عجز عن مواجهة التحدي. فما نعرفه عنه من خلال السوابق هو إفلات أجهزته الأمنية والعسكرية لمواجهة الحراك بالعنف، ثم الظهور لتبرير ذلك بشتى الأكاذيب والتلفيقات. ولا يعود هذا العجز إلى غياب أي ذرائع يمكنه الاستعانة بها لتبرير القمع، بقدر ما يعود إلى أن يديه مكبلتان -على ما يبدو- من قبل أوصيائه الروس الذين لا يريدون خسارة مزاعم حماية الأقليات، إضافة إلى ما وصلت إليه «العملية السياسية» الروسية من انسداد، بما في ذلك مسار التطبيع بين النظام وتركيا الذي سدته إيران، وكذا «المبادرة العربية» التي قضى عليها النظام بوصفها «فخاً» لاستدراجه إلى حل سياسي. هذا ما يمكن استنتاجه أيضاً من لقاء السفير الروسي في إسرائيل مع الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل ومطالبته له بالتدخل لتهدئة الوضع في السويداء، ووعده برفع توصيات إلى وزارة خارجيته بشأن الضغط على النظام ليستجيب لبعض مطالب أهالي السويداء.

ربما كان من شأن تقديم النظام لبعض التنازلات أن يقسم المحتجين إلى «معتدلين» يقبلون بتحسين بعض الخدمات العامة أو غير ذلك من مطالب إصلاحية، و«متطرفين» ـ بلغة النظام ـ لا يقبلون بأقل من تنحي رأس النظام والدخول في عملية انتقال سياسي وفقاً للقرار 2254. ومن المحتمل أن يشكل الأخيرون أقلية يمكن احتواؤها بالقمع أو التهديد به. هذه هي الاستراتيجية التي تلجأ إليها أنظمة دكتاتورية يحركها العقل، أما نظام الأسد فهو مدفوع بغرائزه الإجرامية وتمسكه بالسلطة حتى آخر سوري، وخوفه من فكرة أنه إذا بدأ بتقديم أبسط التنازلات فسيطالب بالمزيد منها وصولاً إلى خلعه من السلطة. فالتنازلات، في عرفه، تقدَّم للدول القوية وليس للشعب.

أما استراتيجيته تجاه الحراك المعارض الجديد فتتلخص في تطويق التمرد في السويداء لعزلها عما تبقى من المناطق الخاضعة لسيطرته. وفي هذه الأخيرة قام باتخاذ إجراءات أمنية مشددة استباقاً لأي عدوى ثورية، بما في ذلك اعتقالات طالت عشرات المشتبه بمعارضتهم المحتملة أو ممن عبروا عن مواقفهم علناً على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفقاً لهذه الاستراتيجية سيكون النظام مضطراً للتعايش مع استمرار انتفاضة السويداء وتمزيق صوره وتحطيم تماثيل أبيه إلى حين يطول أو يقصر وفقاً للظروف السيالة، ولا يستطيع تلبية ما يسميه بـ»المطالب المشروعة» أو قسم منها، نظراً لأن وضعه الاقتصادي لا يسمح بتقديم رشوات كتأمين الكهرباء وزيادة الرواتب زيادة حقيقية تخفف نسبياً من آثار التضخم المنفلت، وذلك في جميع المناطق الخاضعة لسيطرته وليس في السويداء وحدها.

وشمل صمت الأسد، إضافة إلى تحدي انتفاضة السويداء، تحدي الحرب التي دارت في دير الزور ومناطق أخرى بين قوات قسد ومسلحي العشائر المتمردة عليه أيضاً، وإن كان إعلامه وأبواقه عبروا عن ابتهاجهم لهذا الاقتتال على أمل أن يغطي على أخبار انتفاضة السويداء، ولا بد أن انتهاء الاقتتال، نسبياً، في بعض تلك المناطق قد خنق تلك البهجة العابرة.

أخيراً عاد الأسد إلى عناوين الأخبار، ليظهر في الصين، رفقة زوجته، وكأن كل شيء على ما يرام في سوريا. والصين تختلف عن غيرها من الدول في أنها دينامو اقتصادي عالمي، قد توحي زيارتها بأمل لمن تبقى له من موالين وصلت أوضاعهم إلى الحضيض. ليس من المؤكد أن يعود الأسد من زيارته باتفاقيات قد تعزز هذا الأمل، فالسياسة الصينية ليست من النوع الذي يخاطر باستثمارات أو قروض في مناطق مضطربة لا يمكن توقع غدها القريب قبل البعيد.

إعلامياً سنرى إذا كان سيتمكن من استدراج وسيلة إعلام صينية ليظهر في مقابلة تعيده إلى الأضواء التي استقطبها رؤساء الدول في الاجتماع السنوي للجمعية العمومية للأمم المتحدة. وهل سيستمر في تجاهل انتفاضة السويداء ويواصل تحميل مسؤولية ارتفاع أسعار الخضار وأجور النقل وانقطاع الكهرباء للإرهابيين والدول الداعمة لهم، أم يفاجئ العالم بتصريحات استفزازية تزيد عمق الأزمة التي يتخبط بها.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى