تُطلق الزيارة التي يجريها رئيس النظام السوري إلى الصين، الخميس، تساؤلات بشأن الدلالات المرتبطة بهذه الخطوة الأولى من نوعها منذ 19 عاما، والنتائج التي قد تتمخض عنها، إن كانت لصالح دمشق أو بكيّن، أبرز العواصم اتخذت موقفا داعما للأسد، كما هو الحال بالنسبة لحليفتيه الأساسيتين موسكو وطهران.
ومن المقرر حسب الرواية الرسمية أن يجري الأسد ونظيره الصيني، شي جين بينغ، قمة مشتركة، وستشمل زيارته مع زوجته أسماء عددا من اللقاءات والفعاليات في مدينة خانجو والعاصمة بكين.
وتستضيف مدينة خانجو الصينية دورة الألعاب الآسيوية، حيث يقام حفل الافتتاح في 23 من سبتمبر الحالي، ووفق مصادر نقلت عنها صحيفة “الوطن” شبه الرسمية فإن الأسد سيحضر حفل افتتاح الألعاب الآسيوية.
ويرافقه في الزيارة وفد سياسي واقتصادي، مكون من وزير الخارجية ومعاونه ووزير الاقتصاد ومستشارة الرئاسة، بثينة شعبان، ولونا الشبل، وسفير سوريا في الصين، محمد حسنين خدام، كما أوردت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا).
وهذه أول زيارة للأسد إلى الصين منذ عام 2004، وتأتي في وقت يعجز النظام السوري وحكومته عن تقديم أية حلول لوقف تداعيات الأزمة المعيشية التي تضرب البلاد منذ سنوات طويلة، فيما استعرت على نحو أكبر خلال الشهرين الماضيين، ما أسفر عن احتجاجات شعبية، ما تزال متواصلة في محافظة السويداء.
كما تأتي خطوة الأسد بينما يتواصل الخناق الذي تفرضه الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية عليه، لدفعه للانخراط في مسارات الحل السياسي، وأبرزها القرار الذي أصدره مجلس الأمن في عام 2015، ويضمن انتقالا سلميا للسلطة.
“بين دمشق وبكين”
وتعد الصين من أبرز الدول التي حافظت على علاقتها مع النظام السوري، ودعمته سياسيا واقتصاديا وإنسانيا منذ انطلاق الثورة السورية، لكن على نحو أقل وغير معلن كما هو الحال بالنسبة للدور الخاص بروسيا وإيران.
ولعبت أيضا دورا نشطا من حيث التحركات الدبلوماسية في سوريا، إذ شاركت في عملية “أستانة”، وأعاقت قرارات مجلس الأمن المتعلقة بسوريا، لتأكد موقفها الداعم لدمشق، مستخدمة حق النقض “الفيتو” لأكثر من مرة في مجلس الأمن، ضد قرارات اعتبرت على أنها ضربة لـ”شرعية الأسد”.
وفي سبتمبر 2017، كان النظام السوري قد صنّف الصين، إلى جانب روسيا وإيران، “بالحكومات الصديقة” التي ستمنح الأولوية لمشاريع إعادة الإعمار.
بعد ذلك أظهرت بكين بعض الاهتمام، وحضرت أكثر من ألف شركة صينية المعرض التجاري الأول حول مشاريع إعادة الإعمار السورية في بكين، بينما تعهدت باستثمارات بقيمة ملياري دولار.
كما حضرت 200 شركة أخرى معرض دمشق التجاري الدولي 2018، وكان هناك أيضا بعض الاستثمار المحدود في قطاع السيارات السوري، بينما وافقت بكين على إرسال مساعدات بقيمة 16 مليار دولار، بما في ذلك 150 ألف جرعة لقاح سينوفارم Covid-19.
وفي يناير من عام 2022 وقعت حكومة النظام السوري على اتفاقية الانضمام إلى مبادرة “الحزام والطريق”، والتي تعمل بكين من خلالها على توسيع نفوذها في المناطق النامية من خلال مشاريع البنية التحتية.
ويشير كبير الخبراء في “المجلس الأطلسي”، ريتش أوتزن، إلى أن النظام السوري والصين يشتركان في العزلة والضغوط التي تمارسها عليهم الدول الغربية، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والتوترات العسكرية، سواء بشأن تايوان في حالة الصين، ومع تركيا وإسرائيل في حالة سوريا.
وبالتالي يرى في حديث لموقع “الحرة” أن الطرفين لهما “مصلحة مشتركة”.
وتشمل هذه المصلحة “التضامن الدبلوماسي لتحمل الضغوط الجوية، والعلاقات الاقتصادية لتحل محل تجارتهما المتناقصة (بالنسبة للصين) أو التي لا تذكر (بالنسبة لسوريا) مع الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاء الغرب”.
وفي غضون ذلك “يسعى الأسد إلى الشرعية والمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية والتعويض عن الاعتماد على إيران وروسيا”.
ومن جانبها تسعى “الصين”، حسب ما يضيف الخبير الأميركي لموقع “الحرة” إلى “أسواق جديدة لاستغلالها من خلال نهجها في الإقراض والاستثمار”.
كما تسعى إلى “تعزيز صورتها كميسر دبلوماسي في الشرق الأوسط (كما هو الحال مع توسطها في المحادثات السعودية الإيرانية)”.
لماذا الآن؟
وبوجهة نظر الباحث الاقتصادي السوري، الدكتور كرم شعار، يختلف توصيف الزيارة التي سيجريها الأسد إلى بكين، بحسب “المجري لها والمستقبل”.
وبالنسبة لبشار الأسد يوضح الباحث شعار لموقع “الحرة” أنه “يتمنى أن تتمكن الصين من تقديم وعود اقتصادية للاستثمار في سوريا”، وفي حال قررت الأخيرة الاستثمار بشكل حقيقي في البنية السورية “ستكون قادرة على التعامل مع كوارث البلاد التي سببتها الحرب وبسهولة من حيث المقدرات الاقتصادية”.
ويمكن أن تكون استثماراتها رابحة أيضا “في حال قبلت المقامرة المرتبطة بمستقبل النظام السوري في ظل عدم استقرار الوضع السياسي”.
لكن الباحث السوري يستبعد أن يحصل الأسد “على وعود صادقة، لأن الصين لديها نزعة سابقة لتقديم وعود، كي تستخدمها كورقة ضغط سياسية على الغرب”.
“هي تقدم وعودا ولا تنفذها”، ويشير شعار إلى مثال يتعلق بالفكرة، بقوله إن “بكيّن سبق وأن وعدت باستثمارات بأكثر من 40 مليار دولار في إيران، لكنها لم تترجم ذلك على أرض الواقع”.
ويعتقد، حايد حايد، وهو باحث مستشار في “تشاتام هاوس” أن للزيارة أبعاد سياسية على نحو أكبر من الجزء المتعلق بالاقتصاد، ويرى أنه “وفي ظل الظروف الحالية من الصعب أن تقدم بكيّن أي شيء اقتصادي”.
ويقول حايد لموقع “الحرة” إن “الصين قدمت عدة وعود على مستوى إنشاء منشآت ومناطق صناعية أو تطوير قطاع صناعي في سوريا، وفي 2017 وعدت باستثمار ملياري دولار، لكن لم تنفذ أي شيء حتى الآن”.
وكذلك الأمر بالنسبة لضم سوريا إلى مبادرة “الحزام والطريق”، في 2022، إذ لم تؤدي هذه الخطوة إلى أي شيء ملموس على أرض الواقع.
ويضيف حايد: “هناك الكثير من الوعود الصينية للعب دور اقتصادي في سوريا لكن لم تنفذ، لأن الظروف غير مواتية”.
“دلالات سياسية”
ورغم الدعم الذي قدمته روسيا وإيران للنظام السوري، وصولا إلى اتجاه الدول العربية مؤخرا لفتح أبواب التطبيع أمامه، إلا أن العزلة السياسية التي تفرضها الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية ما تزال على حالها.
وتعرض النظام السوري خلال السنوات الماضية لسلسلة عقوبات، فيما تقول الدول الغربية إنها تهدف إلى إجباره في الانخراط بمسارات الحل السياسي.
ولا يختلف الواقع الاقتصادي كثيرا عن السياسة، إذ بات النظام السوري بعد 12 عاما من الحرب في أسوأ حالاته الاقتصادية، في ظل تدهور كبير لسعر صرف الليرة السورية، وما يرافق ذلك من ارتفاع مستويات التضخم، ودمار معظم البنى التحتية اللازمة للإنتاج.
وتعتبر سوريا إحدى النقاط الساخنة التي تعيق تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وفق كبير الباحثين في مركز “تايهي” الصيني، إينار تانغين.
ويرى في حديث لموقع “الحرة” أن بلاده “تحتاج إلى السلام، لتقليل تعرضها للمخاطر السياسية في منطقة الموارد الرئيسية”، مضيفا: “ستواصل تشجيع السلام في الشرق الأوسط، ولن يتعلق الأمر أبدا بأجندات الآخرين”.
لكن الباحث حايد يتصور أن دلالات زيارة الأسد إلى الصين “ذات مغزى سياسي”، إذ تحاول الصين “لعب دور سياسي أكبر في المنطقة”.
وهذا الدور كانت آخر فصوله الوساطة الصينية بين إيران والمملكة العربية السعودية، وصولا إلى تواصل بكيّن مع عدة جهات أخرى، من الإسرائيليين والفلسطينيين وغيرهم.
“هذا هو الإطار الذي يمكن تلعب فيه الصين سياسيا لزيادة دورها في المنطقة”.
ومن جهة النظام السوري يقول حايد إن القضية تتعلق بمستويين، الأول أن زيارة الأخير تهدف إلى “زيادة دعم عمليات إعادة التأهيل على المستوى الإقليمي والدولي، ولاسيما أن الأسد يقدم نفسه على أنه منتصر بالحرب”.
والمستوى الثاني يتعلق بمحاولة الأسد “إقناع الصين بأن يكون لها دور في إعادة إحياء أو تأهيل الاقتصاد السوري”، وهو مسار تعترضه عقبات، وفق حديث الباحث السوري.
ولا ترتبط هذه العقبات بالعقوبات المفروضة على الأسد، بل بـ”عدم وجود فرص حقيقية تؤدي بالصين إلى الربح”.
“المعوقات للصين في سوريا داخلية ومرتبطة بالأوضاع الأمنية غير المستقرة وعدم وجود قوانين استثمار ضامنة لحقوق المستثمرين، وطريقة التعاطي والفساد القائم في سوريا، وعدم القدرة على العمل إلا بوجود شركاء للنظام السوري”، وفق الباحث حايد.
ويوضح الباحث السوري شعار أنه “ومثل الدول الغربية التي تستخدم تايوان كورقة ضغط على حكومة بكين، تستخدم الأخيرة سوريا للضغط أيضا”.
وفي حين لا يستبعد الباحث السوري توقيع اتفاقيات اقتصادية على هامش الزيارة، إلا أنه يرى أن “عملية تنفيذها على أرض الواقع لن تتم”.
ويؤكد على ذلك الباحث السوري حايد، بقوله إن “الموضوع بين الصين والأسد له مسار سياسي أكبر”، وأن “بكّين تحاول لعب دور أكبر في حل الصراعات أو أن يكون لها دور فعلي أكبر بالمفاوضات المتعلقة بمواضيع حساسة في المنطقة. هذه هي الورقة التي تلعبها الصين”.
المصدر: الحرة. نت