الــعــــرب بــحـــاجـــة لـــدورة مــحـــو أمــيـــــة !

محمد خليفة 

بدعوة من الجبهة العربية لتحرير الاحواز حضرت وشاركت في أعمال مؤتمرها التاسع على مدى ثلاثة ايام ( 15 – 17 ) نيسان / أبريل الجاري في مدينة ماستريخت الهولندية التي شهدت عام 1993 الاتفاقية الأولى للاتحاد الاوروبي . وكان من دواعي اعتزازي أن أتعرف مرة واحدة على أكثر من مائتي شخصية أحوازية وخمسين شخصية عربية مرموقة من العراق وسوريا ولبنان والاردن والخليج والجزائر والمغرب , لبعضهم تجارب نضالية مشرفة في سبيل القضايا العربية الكبرى , ولبعضهم تخصصات اكاديمية عالية .

 لا يمكنني تلخيص الأيام الثلاثة بغير عبارة وحيدة : كانت بالنسبة لي دورة تعليمية مكثفة , أشبه بدورة محو أمية بالقضية الاحوازية المنسية , إذ أتيح لي اللقاء بشعراء ومثقفين وأكاديميين ومناضلين وعسكريين كبار , حدثونا بألم عن قضية شعبهم وبلادهم التي احتلها الفرس عام 1925 , وأساليب القهر والتنكيل والابادة التي تعرضوا ويتعرضون لها على مدى تسعين سنة والتي تفوق ما تعرض له الشعب العربي الفلسطيني من جانب الصهاينة الغاصبين في نفس الفترة الزمنية .

 قال لي أحدهم : نحن نتمنى أن تعاملنا ايران كما يعامل العدو الإسرائيلي أشقاءنا الفلسطينيين من دون أن يعني هذا شهادة براءة للصهاينة المجرمين . فالإسرائيلي لا يحظر على الفلسطيني ملابسه وتعلم لغته ولا ينكر حقه في أن يقول بصوت عال 🙁 سجل أنا عربي ) أما العدو الفارسي فيحظر علينا ارتداء ملابسنا العربية , أو تسجيل أسماء أبنائنا باسم عمر أو أبي بكر أو عائشة !

 وأوضح آخر : تغيير الفرد لمذهبه في بلادنا الى المذهب السني ( ردة ) دينية وجريمة جنائية يمكن أن يعاقب عليها بالاعدام , ومنصوص عليها في القانون الجنائي كجريمة ( التسنن ) !

سألني آخر : هل يمكنك تخيل شخص عربي منا يسير في شوارع طهران مرتديا العباءة والدشداشة والعقال كما يفعل العربي في حيفا والقدس أو في باريس ولندن ..؟؟ ثم أجاب : هذا مستحيل من المستحيلات في ايران الفارسية !.

حدثنا باحث متخصص عن التصحير المتعمد لحقولهم لقتل الزراعة والبيئة , وتسميم المياه ونشر التلوث المتعمد , وسرقة المياه من أربعة عشر نهر بتحويل مجاريها الى مناطق فارسية , أو تجفيفها بالكامل . وتضمن تقرير الباحث معلومات واحصاءات دقيقة عن انتشار الاوبئة والامراض الغامضة في الأوساط الاحوازية خلال السنوات الأخيرة بسبب المنشآت النووية والمصانع الكيماوية التي تقام في الاحواز وتنفث أدخنتها في الهواء وترمي نفاياتها في المياه أو تدفن في الاراضي الاحوازية . وذكر باحث آخر ظهور ثمانين حالة تشوه لمواليد جدد في قرية واحدة , ولد بعضهم بلا رؤوس او وجوه !

استمعنا لتقارير حقوقية عن اعمال الاعدام والشنق بالجملة للعرب الاحوازيين المعارضين , وتلفيق اتهامات الجنائية لهم .. وتنفيذ الاعدامات حتى للأطفال بطرق يغلب عليها التعذيب السادي والتشفي لارهاب بقية المواطنين .

الاحوازيون شعب عربي يناهز العشرة ملايين احتلت بلاده بتواطؤ استعماري بين بريطانيا العظمى ودولة فارس عام 1925 , وأكمل المأساة اهمال العرب لقضيتهم طوال تسعة عقود خوفا من سطوة الشاه , ثم سياسة نظام الخميني والملالي بعد عام 1979 وحتى اليوم .

سألني أحدهم : هل تصدقون أن النظام الايراني يريد دعم النضال الفلسطيني للتخلص من الاحتلال الاسرائيلي , أو يريد التعاون مع العرب ضد الغرب الذي يحاول الهيمنة على المنطقة ..؟ وأجاب : كونوا على ثقة أن العدو الحقيقي الذي يستعد الايرانيون لمحاربته ويبنون قوتهم النووية ويطورون صناعتهم العسكرية , ويدربون جنودهم لقتاله هو العرب تحديدا , ولا أحد سواهم .. لا اسرائيل ولا أمريكا ولا الغرب !

أضاف آخر : لا فرق لديهم بين سني وشيعي ومسلم ومسيحي أو صابئي إذا كنت عربيا فالكل سواسية كأسنان المشط أمام عدائهم العنصري للعرب , وأمام التنكيل الايراني المعاصربالشعب الاحوازي . وروى أحدهم تجربته فقال : كنت شيعيا معمما درست في الحوزة , ولكن ذلك لم يمنحني الحصانة من الازدراء والتمييز العنصري الذي يسم معاملتهم لشعبنا , لأن العرب في نظرهم لا يستحقون الاحترام والمساواة في الحقوق مع الفرس ! وتابع : عندما تعمق وعيي بالجريمة التي اقترفها الايرانيون في حق شعبنا وعرفت كيف نشروا التشيع بالقوة , وحاربوا عروبتنا مارست حقي الطبيعي في تغيير مذهبي كما يفعل الآلاف الآن من الاحوازيين , أي ( تسننت) فحكم علي بالاعدام ثم خفف الحكم الى 45 سنة سجنا ثم افرج عني بعد 14 سنة نتيجة ضغوط منظمات حقوق الانسان الدولية . وأضاف : كان أحد الملالي الكبار يزورنا في السجن فيوجه السباب لنا بسبب عروبتنا واسلامنا السني ثم يقول : لو كان الأمر لي لأمرت بإحراقكم فورا !

حصيلة ثلاثة ايام أحوازية جرعة ثقافية دسمة من المعلومات التي غابت عنا طوال عشرات السنين وخدعنا خلالها بشعارات ( ايران الاسلامية ) عن دعم النضال الفلسطيني بينما يحتلون أرضا عربية تفوق مساحتها مساخة فلسطين مرتين ويمارسون بحق شعبها صنوفا من القهر والاضطهاد العنصري يفوق ما تقترفه اسرائيل .

العرب جميعهم بحاجة لدورة محو امية في هذا ( الاختصاص القومي التاريخي ) ليعرفوا إيران من الداخل لا من الخارج وعبر شهادات المجربين لا عبر وسائل اعلامها الدعائية . والعرب اليوم أحوج من أي وقت مضى لهذه المعرفة ولاعادة فهم قضية شعبنا الاحوازي تحت الاحتلال الفارسي وتبنيها والدفاع عن حقوق عشرة ملايين مواطن عربي , فالاحتلال لا يختلف في الواقع إن كان صهيونيا أو فارسيا , خصوصا بعد التجارب المريرة لعرب العراق وسوريا واليمن ولبنان مع هذا العدو المستتر الذي كشر عن انيابه وكشف أهدافه الدنيئة !

================================================

 

هذا المقال منشور في العدد 324 من مجلة الشراع اللبنانية الصادر في بيروت بتاريخ 22 نيسان / ابريل 2016

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى