عشوائية الحملة الأمنيّة لترحيل اللاجئين والمتسللين: معارِضة سورية بخطر

بتول يزبك

الحقيقة المُحزنة، أنّه ونظرًا للاحتماليّة شبه المستحيلة للتّوصل إلى حلٍّ مُرضٍ للصراع السّوريّ، وبالتّالي تعثر أي تسويّة إقليميّة شاملة تُراعي كافة الأطراف، التّي جُرّت اعتباطيًّا لتحمل تبعات هذا النزاع -ضمنًا اللاجئين ودول اللجوء كلبنان- وأمام واقع الحدود المفتوحة على مصراعيها وعجز الجانب اللّبنانيّ الرسميّ عن ضبطها (راجع “المدن”)، والتّفلت المُزمن في الوضع الأمنيّ اللّبنانيّ، وغياب الأفق السّياسيّ، فإن الحال سيبقى على ما هو عليه، وسنكتفي بإحصاء وتوثيق الانتهاكات بحقّ اللاجئين، وتعداد الأزمات التّي ينوء بحملها لبنان، وتبعات الموقف الانفعاليّ الذي اعتنقه إزاء ملف اللاجئين، من دون أي تغييرٍ يُذكر، حقوقيًّا للفئات المهمشة أو بنيويًّا، لهذا البلد المنكوب.

لجوء مستجدّ

ولما كان الشارع اللّبنانيّ وكذلك التّركيّ، يُتابع باهتمام مشوب بالتّوجس والتّخوف، آخر مُستجدات ما سُمي بموجة “اللجوء- النزوح الجديدة” لمزيدٍ من السّوريين بالتّوازي مع استفحال الأزمة الاقتصاديّة في مناطقهم وعودة الاشتباكات في بعضها، لحظ المراقبون الحقوقيون أن اللاجئين يعتبرون الدولتين (تركيا ولبنان)، محطة في رحلة لجوئهم إلى أوروبا، نظرًا لصعوبة استخراج الأوراق الرسميّة التّي تسمح بالإقامة بشكلٍ قانونيّ، ولسوء الأوضاع في البلدين على اللاجئين، وعودة قوارب “الموت”، التّي أحبط الجيش اللّبنانيّ، مساء الأمس الخميس 15 أيلول الجاري، إحداها، والتّي كانت منطلقة من مرفأ العبدة -طرابلس، وأسفرت عن توقيف مُهربين لبنانيين، و48 من الجنسيّة السّوريّة كانوا يتحضرون للهجرة عبرها.

فيما عبّر المراقبون عن خشيتهم من أن تتحول موجة اللجوء الأخيرة، الناجمة عن سوء إدارة الحدود اللّبنانيّة والتّركيّة -السّوريّة، إلى مُبرّرٍ قانونيّ وسياسيّ، لعمليات التّرحيل بإجراءات موجزة، من دون مراعاة الفوارق بين اللاجئين الأمنيين والسّياسيين، والمهاجرين والنازحين الاقتصاديين. وسط مطالبات حقوقيّة، بتشكيل لجان أمنيّة وقانونيّة لتقييم أوضاع اللاجئين المُزمع ترحيلهم، بمعزل عن واقع عدم حيازتهم لأوراق إقامة قانونيّة، حيث أن ما يناهز 80 بالمئة من اللاجئين في لبنان (ما فوق 15 سنة من العمر)، لا يملكون هذه الأوراق، بسبب الإجراءات المُعقدة.

أمنيًّا، تُشير مصادر “المدن”، لكون العناصر الأمنيّة المولجة بضبط الحدود لا تزال في تأهبٍ واستعداد، وتحديدًا الجيش اللّبنانيّ – فوج الحدود البري، بالتّعاون مع جهاز المخابرات، لضبط ما تبقى من المعابر غير الشرعيّة بعد موجة اللجوء تهريبًا، التّي أُحبطت في الأسبوعين الماضيين (محاولة تسلل 1200 سوريّ)، فيما أُقيمت الحواجز الموازيّة للطرقات الدوليّة في البقاع الشماليّ، تحسبًا، ولسدّ أي منافذ للمهربين اللّبنانيين والسّوريين على حدٍّ سواء، وخصوصًا لكون هذه المنطقة تحديدًا ونتيجة للحدود الجغرافيّة المتداخلة، تحظى بسمعةٍ سيئة لجهة توافر معابر تهريب البشر والسّلع.

إجراءات استباقيّة

هذا في خضم الإجراءات الاستباقيّة، مع صدور تعميم عن وزارة الداخلية للمحافظين والبلديات حول تنظيم الوجود السّوري في النطاق البلدي وتسجيلهم، وعدم تسجيل أي معاملة للاجئين، من دون استيفائهم لورقة مختار محليّ.. والإجراءات المُكثفة على الحدود والتّي انتهت لإصابة 3 أشخاص من الجنسيّة السوريّة، حين كانوا يحاولون العبور إلى الداخل اللبناني عبر معبر عبيدان البرّي غير الشرعي، جرّاء انفجار لغمين أرضيين فجر الأربعاء الفائت في محلّة العرموطة في خراج بلدة خط البترول على الضفّة اللبنانية لمجرى النهر الكبير في منطقة وادي خالد الحدوديّة.

وفي سياقٍ مواز، تستمر عمليات ترحيل اللاجئين والمداهمات الدوريّة لمساكنهم (وتحديدًا في البقاع من قب إلياس وزحلة وصولاً للهرمل). ففي آخر إحصاء قامت به منظمة ACHR، تبين أن ما يربو عن 708 حالات ترحيل، كانت السّلطات اللّبنانيّة والأجهزة الأمنيّة، قد نفذتها خلال شهر آب المنصرم، وهذا العدد الذي فاق ما كان عليه في التّوقيت ذاته عام 2022 الماضي، بحوالى السّبعة أضعاف (154 حالة حينها).

ترحيل لاجئة

وواحدة من هذه العمليات، نُفذت بحقّ اللاجئة ج. ح. (متأهلة ولديها 4 أطفال قاصرين، مواليد عام 1996)، نهار الجمعة 8 أيلول الفائت، بعد احتجازها في أحد مراكز الأمن العام، عبر معبر المصنع الحدوديّ، والتّي دخلت لبنان خلسةً منذ ما يقارب الثمانيّة سنوات (تقطن في البقاع وتحديدًا قب إلياس ومُسجلة في المفوضيّة كما أشارت المعلومات الأوليّة)، بعدما تمّ استهدافها من قبل السّلطات السورية بسبب نشاطها السّابق مع عائلتها في دعم المعارضة السّورية، حيث لا يزال بعض أشقائها مفقودين في سوريا منذ عشر سنوات. وعليه، لم يؤذن “للمدن” من قبل الجمعية والمحامي طارق شندب الذي في صدّد متابعة قضيتها بالتّصريح الكامل عن اسمها، لسلامتها الشخصيّة، وخصوصًا أنها مطلوبة في الداخل السّوري.

وفي حديثه إلى “المدن” يُشير المحامي وأستاذ القانون الدوليّ، طارق شندب، قائلاً: “قد يكون مُبرّرًا الخوف من موجة لجوء مُستجدّة، مع تحميل المسؤوليّة كاملة على الجانب اللّبنانيّ والسّوريّ، الذين استهترا بضبط الحدود، مُسهلين الطريق أمام العصابات والميليشيات للتحكم فيها، إلا أنّه وفي وضع اللاجئة (التّي ذُكرت آنفًا) كان على السّلطات التّمييز بينها وبين المهاجرين الاقتصاديين، خصوصًا أنّها لاجئة سياسيّة وأمنيّة، فبالتّالي قرار ترحيلها مُحظر وغير قانونيّ، سندًا للمادة الثالثة من اتفاقيّة مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسيّة أو اللاإنسانيّة أو المهينة التي صادق عليها لبنان عام 2000، وكان يقتضي مراجعة ملفها والتّدقيق فيه مسبقًا لا الاكتفاء بالإجراءات الموجزة، خصوصًا أن لديها نشاط سياسيّ، فيما أعمل حاليًا على النظر في قضيتها”. وقد راجعت “المدن” المفوضيّة التّي لم تتطرق لأي تفاصيل شخصيّة عن اللاجئة، على اعتبار حقّها بالسّرية والخصوصيّة، فيما تتابع المفوضيّة قضيتها.

المفوضيّة واللجوء المستجدّ

أما عن موقف المفوضيّة السّامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) من عمليات التّرحيل، فتشير المفوضيّة في تصريحٍ رسميّ لـ”المدن” قائلةً: “المفوضيةّ على علم بالتّقارير في هذا الصدّد. لا تستطيع المفوضية الوصول إلى الحدود ولا تديرها، وبالتالي، فإن السّلطات المعنية ستكون في وضع أفضل لتقديم آخر التحديثات. ومع ذلك، فقد قامت المفوضية بتتبع عدد متزايد من عمليات الإعادة والترحيل على الحدود اللبنانية خلال الأشهر الماضية، وخصوصاً عبر الحدود الشمالية. وفي هذا الصدد، نشدد على أن الوصول إلى بر الأمان هو حجر الزاوية في حماية اللاجئين، ونواصل العمل مع الحكومة اللبنانية بشأن القضايا المتعلقة بالحماية من الإعادة القسرية لجميع الأفراد الذين يلتمسون الحماية الدولية أو يحتاجون إليها والموجودين على أراضيها أو على أراضيها الحدودية”.

وترى المفوضيّة أن الترحيل أو الإعادة من دون إتاحة الفرصة لتقييم الخوف الفردي من العودة يتعارض مع مبدأ عدم الإعادة القسريّة، وهو حجر الزاوية في القانون الدولي للاجئين. نواصل العمل مع الحكومة اللبنانية للدعوة إلى اتباع الإجراءات القانونية الواجبة في جميع عمليات الترحيل لضمان عدم إعادة أي شخص ضدّ إرادته.

وتُضيف: “يجب أن يحصل أي شخص يحتاج إلى الحماية الدوليّة على الأمان والحماية. تواصل المفوضية العمل على إيجاد حلول للاجئين السوريين وتحترم الحق الإنساني الأساسي للاجئين في العودة بحرية وطوعية إلى بلدهم الأصلي في الوقت الذي يختارونه. ولم تعرقل المفوضية قط العودة الطوعية للاجئين إلى سوريا.  يخبرنا غالبية اللاجئين السوريين أنهم يريدون العودة إلى سوريا، والسؤال ليس إذا، بل متى. لا تزال نوايا اللاجئين مدفوعة بالوضع على الأرض في سوريا وتظل تشعر بالقلق إزاء مجموعة من العوامل، بما في ذلك: السّلامة والأمن؛ السكن؛ أو الوصول إلى الخدمات الأساسية”.

 

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى