أنهى الحراك الاحتجاجي في محافظة السويداء، جنوبي سورية، أسبوعه الثالث في ظل إصرار المنتفضين على مواصلته حتى تحقيق هدفه الأهم، وهو إنجاز عملية انتقال سياسية في البلاد، الأمر الذي دفعهم للبحث في بلورة عنوان سياسي لتمثيل الحراك الذي بدّل الكثير في المعادلات السياسية في سورية، بانتزاعه قرار الأقليات في البلاد من النظام.
واستمر أمس الأحد، توافد المحتجين إلى ساحة الاعتصام الرئيسية وسط مدينة السويداء، التي تغيّر اسمها من “السير” إلى “الكرامة”، مؤكدين تمسّكهم بخيار الاحتجاج من أجل التغيير السلمي والانتقال السياسي في البلاد.
وأكدت اللافتات التي رُفعت أمس على وحدة الأراضي السورية، في رد واضح على اتهامات النظام للحراك الثوري في سورية بالدعوة إلى الانفصال.
وفي مدينة صلخد، جنوبي محافظة السويداء، واصل المحتجون وقفاتهم الصباحية في تأكيد على استمرار الاحتجاج، من أجل التغيير السلمي في البلاد، حاملين لافتات تؤكد أن “بوصلة السويداء هي تطبيق (القرار) 2254″، الصادر عن مجلس الأمن الدولي في عام 2015، ورسم خريطة طريق للحل في سورية، إلا أن النظام يرفض التعاطي معه.
بلورة عنوان سياسي للحراك
وبعد مضي أكثر من أسبوعين على الحراك الثوري غير المسبوق في السويداء، يحاول القائمون والنشطاء فيه تشكيل هيئة سياسية تمثل الحراك وعموم أهالي السويداء، وبلورة عنوان سياسي واضح تقوم لجان محلية بتنظيمه، ونشطاء لكتابة لافتاته التي تحمل طرحاً سياسياً، يدعو إلى تطبيق القرارات الدولية، والانتقال إلى “دولة المواطنة”.
ويعد الشيخ الدرزي حكمت الهجري من أبرز داعمي الحراك، إلا أنه يصرّ على أنه “رجل دين وليس رجل سياسة”، وفق ما قاله أمام عدد من أهالي المحافظة أكثر من مرة في داره، مشيراً إلى أنه دعم الحراك بصفته الدينية والاجتماعية.
وعقد أول من أمس السبت، اجتماعاً في بلدة قنوات، مقرّ الهجري، ضمّ 70 شخصاً من القوى الشبابية والسياسية والاجتماعية في المحافظة وقادة فصائل محلية مسلحة. وأجمع المجتمعون على “دعم الحراك الثوري لضمان استمراره والتصدي لأي دعوة انفصالية، وتذليل العقبات أمام المحتجين للوصول إلى ساحة التظاهر الرئيسية في المدينة”، وفق الناشط المدني هاني عزام. وكشف عزام، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “العمل جار لتشكيل لجان تنظيم للحراك”.
وأوضح: نتقدم خطوة خطوة لتشكيل لجان متابعة لكل ما يتعلق بالحراك، سواء في ساحة الكرامة في مدينة السويداء أو في البلدات داخل المحافظة. وشدّد عزام على أن الاحتجاجات في السويداء “لا تزال ضمن الإطار الشعبي، ولم تفرز حتى اللحظة قيادة سياسية واضحة”، مشيراً إلى أن القيادة المقرر تشكيلها خلال الأيام المقبلة “ستمثل أطياف المجتمع في المحافظة”.
وقال: الاجتماع الذي عقد في قنوات حضرته شخصيات محسوبة على كل شيوخ العقل، لدى الطائفة الدرزية. ولفت عزام إلى أنه لم تظهر أي لافتة أو شعار يدعو إلى انفصال السويداء عن سورية كما يروّج النظام عبر إعلامه، بل على العكس هناك إصرار على أن الحراك يمثل كل سورية، كما يؤكد الشيخ الهجري دائماً في لقاءاته مع الأهالي. وأكد أن أي أصوات تدعو إلى انفصال أو ما شابه تُطرد على الفور من ساحة الكرامة.
وفي السياق، أشار مروان حمزة، وهو أحد الفاعلين في حراك السويداء، إلى أن الحراك “أفرز قيادات شعبية”، مضيفاً في حديثٍ مع “العربي الجديد” أنه “بتنا على أبواب إعلان أسماء محددة تمثل الحراك إعلامياً وسياسياً، وتستطيع أن تقود التنسيق والتنظيم بين جميع فعالياته”.
وتابع: هناك جلسات ومشاورات عدة سينبثق عنها لجان تنسيقية، بمشاركة جميع الفعاليات السياسية المعروفة والفصائل المشاركة، وبمباركة من القيادة الروحية.
من جانبه، بيّن الناشط المدني ريّان معروف أن “الانتقال للحالة السياسية التنظيمية بالمعنى الحرفي ليس بهذه البساطة”، مضيفاً في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن هناك اجتماعات يومية والناس تفكر بصوت عال بكل تأكيد للوصول إلى هذه الحالة. وأشار إلى أن “بعض الأحزاب محدودة التأثير المجتمعي تحاول ركوب موجة الاحتجاجات والحراك الثوري في السويداء”، موضحاً أن الحراك “أعلن منذ الأيام الأولى أن لا صلة له بأي حزب أو هيئة سياسية”. وأضاف معروف: هناك تفكير وتوجه أكثر لدى الحراك نحو العمل السياسي، لكن حتى الآن كل هذه الأمور في مراحلها الأولى.
بدوره، أكد الناشط بيان صالحة في حديث مع “العربي الجديد” أن “أي لجنة أو هيئة تنسيقية لا تصدر من الشارع المنتفض مصيرها الفشل”. ورأى أنه يجب على الحراك لفظ الجهات والأشخاص التي تحاول ركوب الموجة الثورية في المحافظة.
وعما حققه الحراك من نتائج، قال صالحة إنه حقق الوحدة الوطنية بين السوريين، وفرض معادلة جديدة على النظام والقوى الدولية والإقليمية المشاركة في المصير السوري، فقد انتزعت هذه الانتفاضة ملكية قرار الأقليات من النظام.
وكان المحتجون في محافظة السويداء قد أعلنوا أن الائتلاف الوطني السوري لا يمثلهم، كما أعلنوا رفضهم مشروع “الإدارة الذاتية” على الطريقة التي تطبقها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في الشمال الشرقي من سورية، مؤكدين تمسكهم بوحدة البلاد.
فرز قيادة سياسية
من جهته، أبدى الكاتب عاطف عامر اعتقاده في حديث مع “العربي الجديد”، أن الحراك “الذي صدم النظام والعرب والمجتمع الدولي”، حوّل نفسه إلى رقم صعب في المعادلات التي كانت تُرسم للمنطقة، وذلك بثباته واستمراره وصحة بوصلته الوطنية والإنسانية. واعتبر أن الحراك معني فقط بتحوله لإرادة تغيير ستثمر، لافتاً إلى أن الهدف هو ثبات الاحتجاجات السلمية في الساحات.
أما مدير وحدة الدراسات في مركز “أبعاد” للدراسات، محمد سالم، فرأى في حديث مع “العربي الجديد”، أن الحراك في السويداء “قادر على فرز قيادة سياسية”، لكنه اعتبر أن الأمر “ليس بالتحدي السهل، إذ دونه صعوبات نظراً لعدم تبلور خريطة الفاعلين المحليين”.
وتابع: هناك ملامح تضارب الرؤى حول الهدف من الحراك. وتساءل: هل يهدف إلى تحقيق مطالب خاصة بمحافظة السويداء أم يهدف إلى تحقيق انتقال سياسي في عموم سورية؟ وأشار إلى أن “حراك السويداء نموذج جيد، ولكن القدرة على تمثيله بهيئة سياسية موضوع حيوي ومهم لتحول الاحتجاجات إلى مستوى أعلى مما شهدناه سابقاً في المحافظة، وهو ما سيحرص النظام السوري على عدم تنفيذه”.
المصدر: العربي الجديد