قراءة في كتاب : أضواء كاشفة على الثورة السورية المغدورة. ٢ من ٢.

أحمد العربي

نتابع قراءة أضواء كاشفة على الثورة السورية المغدورة ل د. عبد الله تركماني:

بنية النظام السوري واستحالة الانتقال الديمقراطي.

أقول رأيي هنا جواب على تساؤل لماذا لم يتجاوب النظام في كل مراحل الثورة السورية وحتى قبلها بعقود على ان يعطي اي من حقوق للشعب السوري ليتجاوز الاستعصاء المجتمعي والسياسي السوري بحيث لا تصل للمأساة السورية الحالية. لا حرية ولا عدالة استبداد وقمع وفساد وإلغاء للسياسة وسد الطريق على أي تغيير ديمقراطي. مليون شهيد ومثلهم مصاب ومعاق ومثلهم معتقل ومغيب وسوريا محتلة من امريكا وروسيا وايران ومقسمة بين هذه الأطراف وزيادة على ذلك وجود مشروع انفصالي كردي على جزء من سوريا. وملايين المشردين داخليا وخارجا وسوريا المدمرة لا كهرباء ولا خدمات العملة التي انهارت وزاد الأمر سوءا. كذلك واقع الحياة المعيشية في مخيمات لجوء السوريين في دول الجغرافي لسوريا وفي بلاد الشتات والمهجر، كذلك فيما تبقى من سوريا تحت حكم النظام في الساحل السوري وبقية المدن وبداية تململ في حاضنته العلوية وثورة سلمية في جبل العرب وحوران.. اندلعت الآن ولها آفاق مفتوحة على كل الاحتمالات..

الجواب بنية النظام الذي أسسه الاسد الاب منذ استلامه السلطة عام ١٩٧٠م هو السبب.

كيف حصل ذلك؟:

لقد اعتمد الأسد الأب منذ ما قبل استلامه السلطة وبعدها على خلق عصبوية سلطوية علوية متحكمة في الجيش والأمن بشكل كامل. مع حملة تطويع في الجيش لأجيال متتالية للافراد وصف الضباط والضباط. وإقناعهم بأن السلطة لهم. وان الدولة لهم مع اطلاق يدهم للحصول على ما تصل اليه ايديهم ومواقعهم لأي مكتسب مشروع وغير مشروع تحت حماية السلطة وأجهزة الدولة كاملة. وان يتم كل ذلك تحت غطاء عقائدي مزيف وهو حزب البعث. مع منع التحدث بالمطلق عن البنية الطائفية للنظام تحت المحاسبة والاعتقال بأن هؤلاء طائفيين. وزاد ذلك بأن رمى كل معادي للنظام بتهمة الطائفية وخاصة الإسلاميين…

انتشر العلويين أبناء السلطة في كل المحافظات السورية حيث كان الجيش والأمن والوظائف الحكومية متاحة لهم و تغلغلوا في كل مفاصل الدولة. انتشرت المساكن العسكرية حول المدن وفي ارياف سوريا وكذلك العشوائيات التي كان العلويين اغلب سكانها. وأعطوا حق نهب الدولة والمجتمع من خلال الفساد بجميع أنواعه. واسطة، سرقة الدولة بدء من خبز العسكر حتى الاقتصاد الوطني سيريتل وغيرها ونموذجها رامي مخلوف…

وعندما تحرك الشعب في مواجهة النظام منذ الستينات وفي السبعينات والثمانينات كان جيش النظام وامنه بأغلبيته العلوية هم اداة قتل الناس والتنكيل بهم سرايا الدفاع قتلت عشرات الالاف في حماة وحلب وجسر الشغور وسجن تدمر قبل الثورة الحالية. في الثورة السورية الحالية زج النظام بالبنية العسكرية العلوية بالكامل ضد الشعب السوري. لأن العساكر والضباط الغير علويين انشق اغلبهم وغادروا الجيش الذي أصبح بأغلبية بلون علوي صرف . وزاد الحال سوء زيادة الضحايا لما يصل المليون من السوريين من عنف النظام الذي وكذلك الذي القتلى من جنود النظام وشبيحته العلويين الذين شاركوا بقتل السوريين في مرحلة الصراع المسلح. الاحصائيات تقول ان عدد القتلى من الجنود والضباط العلويين بين مئة ألف ومائتي الف . وهذا زاد من ارتباطهم الصميمي بالنظام. لقد أصبح لكل علوي ثأر شخصي مع بقية الشعب السوري. و ربطوا حياتهم بوجود النظام وفنائهم بسقوطه. هذا غير إطلاق يدهم في النهب و السرقة والتشبيح وفرض الإتاوات ونهب المدن والبلدات المجتاحة والخطف لطلب الفدية كلها أساليب سكت النظام عنها بل دفعهم لها لأجل الربط الوجودي بين النظام وبين العلويين بالمطلق…

نقول ذلك ولا ننكر ان هناك الكثير من العلويين الذين وقفوا بوجه النظام وعارضوه وسجنوا في سجونه وتلقوا القمع… لكن حديثنا عن الاغلب الاعم منهم. نعترف ان النظام حول طائفة كاملة لاداة تقاتل الشعب وتعمل ضمنا ضد البنية الوطنية الواحدة وتصنع حربا على الشعب السوري وتؤدي بعد ذلك لصناعة حرب أهلية باردة النظام وتوجيهه…

لكل ذلك لم يكن امام البنية الهرمية للنظام من رأس النظام حتى آخر علوي ان تنهار لأن انهيارها بحسب ما اقنعها النظام وبحسب افعالها يعني فناءها..

نعم يحاول الكاتب أن يطرح ضمانات عدالة انتقالية ومحاكمات عادلة الخ لكن الخوف من الانتقام الذي له أسباب مشروعة وكان وراء تمسك العلويين بالنظام حتى وهم يموتون بحربه أو من الجوع بسبب سياساته …

وحتى بعد الانهيار الاقتصادي والخدماتي الحاصل الآن لم تخرج الا أصوات محدودة وتم اسكاتها بقوة وعنف بينما خرجت السويداء كلها وكانت محيّدة كطائفة من نفسها ومن النظام وطالبت بالحقوق كاملة لقمة عيش وإسقاط الاستبداد وكرامة وحرية وعدالة وديمقراطية…

بكل الأحوال المشكلة في سوريا هي بهذه البنية الأمنية العسكرية العلوية المتغلغلة في عمق الدولة وكيفية فك الارتباط بين الطائفة وبين النظام حتى نصنع مستقبلنا الوطني الديمقراطي لكل السوريين…

نظريا هذا مطلوب وعمليا يبدو شبه مستحيل.

دور النظام الإقليمي والدولي الذي يحميه.

كذلك لكي نفهم عدم سقوط النظام رغم كل ظروف إمكانية نجاح الثورة السورية في سنواتها الأولى. يكون بالعودة الغطاء الدولي والإقليمي للنظام…

إيران ترى النظام السوري وحزب الله اللبناني والحشد الشعبي في العراق امتداد جيوسياسي له لذلك قدم كل الدعم للنظام وبدعم من حزب الله والعراقيين والميليشيات الطائفية في كل سنوات حرب النظام ضد الشعب السوري. ان ارتباط ايران بالنظام السوري استراتيجي وبكل المعايير… وهذا جعل حماية النظام جزء من حماية الدولة الإيرانية، لذلك قاتلت وستستمر بقتال الشعب السوري دائما…

أما روسيا فقد دخلت لحماية النظام بإرادة دولية أمريكية إسرائيلية ومنذ عام ٢٠١٥م حتى أصبحت الحامي للنظام والداعم له بالمطلق في مجلس الأمن والسلاح والمال والعتاد كل الوقت ..

اما أمريكا فهي لا تريد ربيع عربي ولا ديمقراطية ولا حقوق للشعوب بجوار إسرائيل دمرت العراق قبل ذلك ودعمت النظام لتدمير سوريا. وضعت يدها على النفط ودعمت الانفصاليين الأكراد وتركت سوريا لمصيرها: الموت الوجودي البطيء…

كذلك إسرائيل التي أسقطت سوريا من حسابها كعدو محتمل مستقبلا لقد دخلت سوريا في دورة الفناء الذاتي… لذلك سكت عما فعله النظام وحلفاؤه بسوريا ودعمته ضمنا…

أما العرب فهم يريدون إبعاد النار السورية عنهم واطفاءها بأي شكل حتى لو عاد النظام القاتل للشعب ليحكم ما تبقى من سورية..

هل هناك امل؟.

السؤال الان هل هناك امل في سوريا بعد كل ماحصل في سوريا.؟. هل تعود سوريا دولة واحدة فعلا. ؟ ويخرج المحتلين منها. ؟. وهل يسقط النظام الطائفي المستبد القاتل ؟. ويعود المهجرين والمصابين ومعهم أرواح شهداءنا ليعمروا سورية: أمّنا الثكلى.؟. هل تعود اللحمة الوطنية بين مكونات الشعب السوري وتحصل مصالحة وطنية وعدالة انتقالية ونبني الدولة الوطنية الديمقراطية ونحقق الحرية والعدالة و نسترد كرامة الإنسان السوري المهدورة. ونعيد إليه كل حقوقه المغتصبة.؟.

نعم هناك أمل لأن الحقوق لا تموت بالتقادم والظلم لا يدوم. واننا كشعب سوري لن نستسلم للظالمين مهما طال الزمن ودام الظلم…

لكن نعترف ان الطريق طويل والممكنات قليلة والظروف تزداد سوءا.. لكننا سنحاول ثقب جبل الصعوبات بابرة الإرادة الشعبية التي لا تستسلم أو تستكين…

تزداد شجوننا ومعاناتنا …يكبر املنا  يغذيه إيماننا بحقوقنا واصرارنا على استردادها… ولو بعد حين…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى