أرسلت قوات سوريا الديمقراطية التي يشكّل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري تعزيزات إلى محافظة دير الزور في شرق سوريا حيث تدور منذ أسبوع اشتباكات مع مقاتلين محليين عرب، وفق ما أفاد مراسل لوكالة فرانس برس.
واندلعت بداية الأسبوع الماضي اشتباكات في بضع قرى في ريف محافظة دير الزور الشرقي بعد عزل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي تحالف فصائل كردية وعربية مدعومة أمريكياً، قائد مجلس دير الزور العسكري التابع لها متهمة إياه بالفساد.
ودفع ذلك مقاتلين عرباً محليين، خصوصاً المقربين من القيادي الموقوف، إلى تنفيذ هجمات سرعان ما تطورت إلى اشتباكات مع “قسد” التي أعلنت حظراً للتجول في المنطقة يومي السبت والأحد. وأسفرت المواجهات خلال أسبوع عن مقتل 71 شخصاً غالبيتهم من المقاتلين وبينهم تسعة مدنيين، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقال المتحدث باسم “قسد” فرهاد شامي أمس الاثنين لوكالة فرانس برس إن هذه القوات تسعى الى “حسم” الوضع في ذيبان، آخر بلدة يتمركز فيها المقاتلون المحليون، بعدما مشّطت نهاية الأسبوع الماضي معظم القرى التي شهدت اشتباكات. وأضاف شامي “وجّهنا نداء لخروج المدنيين” من ذيبان، مضيفاً أن هناك توجها نحو “الحسم وإنهاء التوتر”. وأفاد مراسل فرانس برس في دير الزور عن وصول تعزيزات لمقاتلين ضمن قوات سوريا الديمقراطية تباعاً إلى المنطقة للاتجاه نحو ذيبان.
ويتمركز في ذيبان حالياً عشرات المقاتلين يقودهم أحد شيوخ أبرز عشائر المنطقة التي تختلف ولاءات وجهائها، بحسب المرصد السوري الذي أشار إلى حركة نزوح من المنطقة.
وقال مدير شبكة “دير الزور 24” المحلية عمر أبو ليلى لفرانس برس “يبدو أن العشائر الأخرى اتخذت موقفاً مسبقاً بعدم الدخول في هذا القتال، والأمور محصورة فقط في ذيبان حالياً خصوصاً بعد تمشيط قوات “قسد” لبلدة الشحيل القريبة.
ومحافظة دير الزور الحدودية مع العراق والتي يقطعها نهر الفرات، ذات غالبية عربية وتوجد فيها عشرات العشائر العربية. وتتقاسم السيطرة عليها قوات سوريا الديمقراطية على الضفة الشرقية للفرات، وقوات النظام التي تساندها فصائل موالية لطهران على الضفة الغربية. في شمال سوريا، نفّذ مقاتلون موالون لأنقرة قالوا إنهم ينتمون الى عشائر عربية هجمات ضد مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية دعماً للمقاتلين المحليين في دير الزور.
حراك التحالف الدولي
ويقوم التحالف الدولي بحراك سياسي مكثف لوقف التصعيد وإنهاء المواجهات التي دخلت يومها الثامن على التوالي في ريفي حلب ودير الزور شمال وشرق سوريا، بين “قسد” والعشائر العربية التي تتلقى دعماً من قوات الجيش الوطني المقرب من أنقرة في إدلب والأرياف القريبة منها، إذ تؤكد هذه العشائر على أن حراكها هو “انتفاضة عشائرية للدفاع عن حقوق أبناء المنطقة المشروعة والمسلوبة”.
وعقد نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي المبعوث الخاص لسوريا إيثان غولدريتش، والمسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية نيكولاس غرينجر، لقاءين منفصلين مع كل من الائتلاف السوري المعارض في ولاية إسطنبول التركية، وقيادات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرقي سوريا، لبحث سبل التهدئة وخفض التوتر. ونفى شيخ قبيلة “العكيدات” إبراهيم الهفل عقد أي اجتماع له أو ممثليه، مع قيادة التحالف الدولي، وذلك غداة إعلان السفارة الأمريكية في دمشق عقد اجتماع مع وجهاء العشائر العربية، وقوات قسد، لتهدئة الأوضاع الملتهبة في دير الزور.
وأوضح شيخ قبيلة “العقيدات” في بيان نشره على حسابه الشخصي، أنه عيّن لجنة مفاوضات مفوّضة منه ومن أبناء العشائر وهي الجهة الوحيدة المخولة باللقاء مع التحالف الدولي كممثل شرعي لأبناء العشائر.
وقال الهفل في بيان رسمي: نسعى لإيقاف القتال والتوصل لحل سلمي يضمن حقوقنا ومطالبنا برعاية التحالف الدولي، نؤكد أن أي شخص يلتقي مع التحالف ويقدم نفسه لهم على انه ممثل لأبناء العشائر بدون تفويض منا لا يمثلنا ولا يحمل مطالبنا المُحقة العادلة، بل يبحث عن مكاسب شخصية.
في غضون ذلك، أعلن الائتلاف السوري المعارض الاثنين، أن رئيس الائتلاف سالم المسلط التقى يوم الأحد نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي المبعوث الخاص لسوريا إيثان غولدريتش، ومدير عام منصة سورية الإقليمية في وزارة الخارجية الأمريكية نيكولاس غرينجر، والمديرة الإقليمية للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سونيلا هايسي، في إسطنبول التركية. وبحث المجتمعون المستجدات السياسية ومستجدات الأوضاع الميدانية في سوريا، ولا سيما الأحداث في دير الزور والحراك في السويداء ودرعا والجنوب السوري.
وأكدت قوات سوريا الديمقراطية، في بيان نشره المركز الإعلامي التابع لها، عن اجتماع “إيجابي” في شمال وشرق سوريا مع نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، ايثان غولدريتش، وقائد عملية العزم الصلب اللواء جويل فويل، لمناقشة أوضاع دير الزور.
ومع دخول الاشتباكات بين المقاتلين من أبناء العشائر العربية في دير الزور وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة أمريكياً أسبوعها الثاني، تُثار تساؤلات عن السيناريوهات المتوقعة لانتهاء الصراع، وتحديداً بعد وصول وفد دبلوماسي أمريكي إلى شمال شرقي سوريا.
وفي الوقت الذي تحتدم فيه المعارك، استبعدت مصادر “القدس العربي” أن يتم حسم الاشتباكات بالقوة، خاصة أن المضي في هذا الخيار ينذر بخسائر بشرية كبيرة من الجانبين. ووفق المصادر فإن الجانبين يقاتلان وعينهما على موقف “التحالف الدولي” الذي يبدو أكثر ميلاً إلى جانب “قسد”، وهو ما تبدى من خلال بيانات التحالف الداعمة لاستمرار الشراكة مع “قسد”، والداعية إلى وقف الاشتباكات التي قد تتسبب بزعزعة استقرار المنطقة.
وبعد اجتماعها بنائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي إيثان غولدريتش، وصفت “قسد” الاجتماع بـ”الإيجابي”، وذكر بيان صادر عن مركزها الإعلامي، أن “قواتنا، وعشائر المنطقة تقف في صف واحد ومتفقين مسبقاً خلال اجتماعات ماضية على ضرورة تعزيز الأمن والاستقرار، حيث حضر الاجتماع قيادة قواتنا وقادة ووجهاء المنطقة الذين كان لهم الدور الإيجابي في التكاتف ودعم عمليات البناء خلال الفترة الماضية”.
السيناريو الأقرب
ويرى الخبير بالشأن الكردي الدكتور فريد سعدون، أن السيناريو الأقرب لانتهاء الصراع سيكون عبر “التسوية” على غرار ما حدث في منبج، عندما احتجت العشائر في وجه “قسد”، في العام 2021. ويضيف لـ”القدس العربي”، أنه وقتئذ تم التوصل إلى حل في منبج، بعد تيقن العشائر هناك بأن البديل عن “قسد” هي جماعات لن تكون في صالح العشائر، معتبراً أن “قسد أعطت العشائر المكانة وأمنت لهم الحماية”.
وبخصوص الاشتباكات في دير الزور، يقول سعدون: إن “سيناريو منبج هو الآتي لدير الزور، علماً أن مطالب العشائر سيتم أخذها بالحسبان، رغم ارتباط بعض الشخصيات العشائرية المثيرة للفتنة بجهات إقليمية”. وقال سعدون إن “نظرية الأمة الديمقراطية” التي تعتمدها “قسد “تدعو إلى تشكيل إدارات محلية من أبناء المناطق ذاتها، وهذا ما يجب القيام به فعلاً في دير الزور وكذلك إعادة هيكلة مجلس دير الزور العسكري، لكن تبقى المشكلة في كوادر حزب “العمال” الذين لهم القرار في قيادة “قسد”، على حد تأكيده. من جانبه ناقش مركز “جسور للدراسات” سيناريوهات حسم الصراع في دير الزور، مشيراً إلى أن السيناريو الأول هو نجاح “قسد” في حسم الصراع بالقوة، موضحاً أن ما يساعد “قسد” على تنفيذ هذا السيناريو ضعف التسليح لدى أبناء العشائر، مقارنة بتسليحها. وتابع المركز أن نجاح هذا السيناريو سيؤدي بالتأكيد إلى زيادة هشاشة الوضع الأمني، مع تشكيل بيئة ناقمة قابلة للاستغلال من خلايا تتبع لتنظيم الدولة، وهو ما يعني زيادة تهديد مصالح “التحالف الدولي”. أما السيناريو الثاني، فيقوم على حسم النزاع بـ”التسوية”، بسبب عجز “قسد” عن حسم الصراع وعدم تدخل “التحالف الدولي” لمساندتها، وانشقاق العناصر “العرب”. وحسب “جسور” فإن هذا السيناريو يتطلب دفع “التحالف الدولي” إلى التدخل لمحاولة امتصاص غضب أبناء العشائر، وهو ما يتم العمل عليه حالياً. ومهما كان السيناريو الأقرب، فإن الاشتباكات التي اندلعت بعد اعتقال “قسد” لقائد “مجلس دير الزور العسكري ” أحمد الخبيل، سيدفع “التحالف الدولي” إلى إعادة تقييم قدرة “قسد” على إدارة مناطق سيطرتها.
المصدر: «القدس العربي»