معبر باب الهوى… شريان حياة مع وقف التنفيذ

عامر السيد علي وعماد كركص

تفرض الحدود بين سورية وتركيا من جهة محافظة إدلب شمال غربي سورية، المحاطة بالجبال الصخرية، والمعروفة بمعبر باب الهوى، نفسها كنقطة تداول في الأوساط الدولية، لا سيما في مجلس الأمن الدولي. ذلك أن تلك النقطة التي باتت على مدى السنوات الماضية الشريان الرئيس لنحو أربعة ملايين سوري، نصفهم من المهجرين الذين يعيشون على المساعدات الأممية، التي لم يعد لها منفذ للدخول إلى البلاد، سوى معبر باب الهوى.

وكان انتهى في 10 يوليو/ تموز الماضي، تفويض آلية إدخال المساعدات عبر باب الهوى. وفي حين أصرت روسيا على عدم التجديد واستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن في سبيل ذلك، لجأ النظام إلى خطوة مفاجئة، حين أعلن مطلع أغسطس/آب موافقته على دخول المساعدات الأممية عبر المعبر لستة أشهر، من دون الحاجة إلى قرار من مجلس الأمن كالعادة. ولاقت تلك الخطوة تشكيك المنظمات المحلية والفاعلين السياسيين، لا سيما أن النظام كان يهاجم بشدة آلية دخول المساعدات برمتها، بذريعة خرقها لمبدأ سيادته على الأراضي السورية.

وأعلنت الأمم المتحدة، أول من أمس، أن دخول المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر “جيلفا غوزو” التركي، يقابله معبر باب الهوى على الجانب السوري، لم يستأنف حتى اليوم وذلك بالرغم من التوصل إلى اتفاق بهذا الخصوص مع النظام. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوغاريك، إن المساعدات الأممية تصل إلى الأراضي السورية حالياً عبر معبري “أونجو بينار” (باب السلامة) و”جوبان بي” (الراعي) البريين مع تركيا.

وفي ما يخص إيصال المساعدات الأممية إلى سورية عبر معبر باب الهوى، قال إنهم يواصلون حالياً العمل على التفاصيل العملياتية من أجل تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع النظام السوري بهذا الخصوص. وأضاف أنه لم يُستأنف بعد دخول المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر باب الهوى رغم التوصل إلى اتفاق بخصوص ذلك مع النظام.

وإذا كان اسم معبر باب الهوى يلتصق بالمساعدات الأممية العابرة للحدود، والتي تقدمها الدول المانحة عبر الأمم المتحدة لملايين المحتاجين إليها في الشمال السوري، إلا أنه يسهّل أيضاً حركة تجارية نشطة بين شمال سورية وتركيا، لا سيما بمد المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بالمواد الأساسية والمستلزمات، علاوة عن تصدير الفائض من تلك المناطق إلى تركيا، أو عبرها إلى دول أخرى. وكل تلك العملية التجارية تقي إلى حد ما، من تسلل الفقر المدقع إلى المحافظة والنازحين إليها من محافظات مختلفة.

كما يسمح المعبر بدخول المرضى، من أصحاب الأمراض الصعبة الذين لا تتوفر بنية طبية في شمال سورية لعلاجهم، كمرضى السرطان، أو الذين يحتاجون إلى عمليات جراحية معقدة، إلى تركيا لتلقي العلاج، ومن ثم العودة من خلاله. ويضاف إلى ذلك مرور المسافرين، الذين لديهم إقامات، في دول تسمح تركيا لحامليها بالدخول إلى أراضيها ومن المعبر إلى الأراضي السورية، ومن ثم العودة إليها.

كل ذلك يجعل من المعبر مكاناً ذات أهمية كبيرة بالنسبة للقاطنين في مناطق سيطرة المعارضة شمال سورية، ليس فقط بانتظار دخول المساعدات، بل لكونه يعتبر المنفذ الوحيد لتواصل القاطنين هناك مع الخارج، وإن كان ضمن حدود ضيقة تفرضها شروط الدولة التركية. وخرج معبر باب الهوى من سيطرة النظام، مدنياً وعسكرياً، منذ العام 2012، حين سيطرت قوات المعارضة عليه، ودحرت منه قوات النظام هناك. وأدارت بعض الفصائل المعبر حتى العام 2014، حين تم إقرار آلية إدخال المساعدات عبر الحدود، ومنذ ذلك الحين لا تتبنى أي جهة عسكرية فصائلية في المعارضة مسؤوليتها عن المعبر.

إدارة مدنية لمعبر باب الهوى

على الرغم من أن المعبر يقع في محافظة إدلب شمال غربي سورية، والتي تسيطر “هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقاً) على أغلب مناطقها، غير أن إدارة المعبر تشير إلى أنه يدار من قبل إدارة مدنية مستقلة لا تتبع لأي جهة سيطرة. ويطلق على الجهة المقابلة لمعبر باب الهوى، بوابة “جيلفا غوزو” الحدودية، ويديرها والٍ خاص للمعبر ينسق موظفوه مع الجانب السوري، ومع مكاتب الأمم المتحدة في تركيا، لا سيما في مسألة دخول المساعدات.

وفي 2014، بدأ مجلس الأمن الدولي العمل بآلية إدخال المساعدات العابرة للحدود. وكانت تلك المساعدات تدخل عبر أربعة معابر حدودية، هي باب الهوى والسلامة من تركيا، ومعبران مع الأردن والعراق. ومع مرور الوقت، وبسبب الاعتراضات الروسية، بدعم صيني، بدأ تقليص عدد المعابر الحدودية التي يتم إدخال المساعدات منها للشمال الغربي والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام لمعبر واحد، هو باب الهوى.

وتذهب شكوك المنظمات والجهات السياسية المعارضة، وحتى الدولية، إلى أن النظام الذي فقد السيطرة على المعبر ومحيطه بشكل تام منذ نحو 11 سنة، يريد من خلال موافقته على دخول المساعدات الأممية عبر المعبر لستة أشهر، من دون الحاجة إلى قرار من مجلس الأمن كالعادة إيصال فكرة سيادته على المعبر رغم خروجه من قبضته، وأنه يحاول الظهور بأنه المتحكم بالقرار، والمتساهل مع دخول المساعدات الإنسانية، بهدف العودة تدريجياً، وإن كان بالطرق السياسية أو عبر الأمم المتحدة، لوضع قدم له بالمعبر، ومن ثم التحكم بهذا الشريان الذي يؤمن الحياة لملايين المدنيين، الذين يشكلون قاعدة المعارضة لهذا النظام.

وتدخل المساعدات عبر المعبر من خلال “قسم شؤون المنظمات”، والذي يقوم بحسب إدارة المعبر “بتنظيم عملية دخول المساعدات الإغاثية إلى المناطق المحررة، ويقدم كافة التسهيلات للمندوبين المفوضين من قبل المنظمات الإغاثية، من سهولة حركة ومتابعة إجراءات التحميل وغيرها من الأمور اللوجستية”.

قرب باب الهوى من 1500 مخيم

ويقول قتيبة السيد عيسى، وهو مدير منظمة “بنفسج”، إحدى المنظمات الإنسانية والإغاثية العاملة في شمال غرب سورية، إن “المساعدات الإنسانية تصل إلى شمال غرب سورية عبر معبر باب الهوى منذ العام 2014، منذ إصدار مجلس الأمن الدولي قراره بوصول المساعدات الإنسانية دون الرجوع للنظام السوري في دمشق”.

ويوضح عيسى، لـ”العربي الجديد” أن “أهمية المعبر كبيرة جداً لقربه من منطقة العمليات التي تحتوي على أكثر من 1500 مخيم”. ويشير إلى أن “إجراءات عبور المساعدات الإنسانية تجري بسلاسة، ولا توجد مشاكل أو مخاوف سوى إغلاق المعبر وتوقف آلية إدخال المساعدات، وهذا بالتأكيد سيصب في مصلحة النظام السوري سياسياً، ويلحق ضرراً اقتصادياً كبيراً بمناطق سيطرة المعارضة بسبب توقف عشرات المنظمات العاملة شمال غربي سورية، وتسريح آلاف الموظفين. كما ستفقد مناطق المعارضة ضخ أكبر كتلة مالية من خلال عمل المنظمات والمشاريع التي تأتي بها، ما سيعني ارتفاع نسبة البطالة وتضرر البنية التحتية في قطاعات المجتمع، وأهمها التعليم والصحة”.

ويركز عيسى في حديثه على المخاوف من تبعات إغلاق المعبر أمام المساعدات الإنسانية. ويشير إلى أن ذلك سيكون له أيضاً تبعات على “المجتمع الدولي والأمم المتحدة، التي ستفقد الحيادية والمصداقية، إن تحكم أحد أطراف الصراع بمصير معبر باب الهوى. كما أن هناك مشاكل أمام المانحين بحد ذاتهم إن وصلت أموال دافعي الضرائب الأميركيين والأوروبيين إلى المنظمات الفاسدة في مناطق سيطرة النظام السوري، أو لمجرمي الحرب”.

وفي ظل القصف وتفشي الأمراض التي سببتها الحرب، صمد قطاع الصحة، بشكل نسبي في إدلب، لا سيما من خلال دخول المستلزمات الطبية عبر المعبر. وتشير ديما معراوي، مديرة المناصرة في “الجمعية الطبية السورية الأميركية – سامز”، إلى أن الجزء الأهم في دخول المواد الإغاثية يكمن بتأمين المواد الطبية، لا سيما الإسعافية منها، والمقدمة عبر الوكالات الأممية، وهي يونيسف، وصندوق الأمم المتحدة للسكان (unfpa)، ومنظمة الصحة العالمية، التي عادة ما تدخل المواد الطبية إلى شمال غرب سورية.

أهمية معبر باب الهوى للمرضى

ومن بين الذين يكتسب المعبر أهمية لديهم فادية زينو (55 سنة)، التي اكتشفت ورماً سرطانياً في الرحم في إبريل/ نيسان 2022، لتخضع لعملية استئصال فورية في إدلب لمنطقة الورم، ويتم تحويلها في ما بعد، من خلال المكتب الطبي في معبر باب الهوى، إلى تركيا، لإجراء مزيد من الفحوصات والخضوع لجلسات العلاج الكيميائي والشعاعي في أحد مستشفيات مدينة أنطاكية التركية، الحدودية مع إدلب. وتقول فادية، التي التقت بها “العربي الجديد” أثناء التجول في المعبر الذي تحاول إدارته أن تجعل منه معبراً نموذجياً: “كانت لي زيارة إلى مركز أمراض السرطان في تركيا كل ثلاثة أشهر لتلقي العلاج، بالتنسيق مع المكتب الطبي في معبر باب الهوى، والآن انتظر دوري لاستئناف مراحل العلاج… أموري الصحية جيدة”.

وتوقف دخول المرضى إلى تركيا إثر زلزال جنوب تركيا وشمال سورية في فبراير/ شباط الماضي، ما خلق حالة من الخوف لدى المرضى وذويهم على حياتهم. لكن المعبر استأنف إدخال مرضى السرطان قبل أيام، وما زال متوقفاً من الجانب التركي أمام التشخيصات الطبية الأخرى، كجراحة القلب. كما تتم عبر المعبر عمليات التصدير والاستيراد للأغراض التجارية من وإلى تركيا، ضمن إدارة الجمارك العامة في المعبر، وتلك عمليات تجارية تحقق دخلاً جيداً للمعبر.

نقل البضائع عبر باب الهوى من تركيا وإليها

وتم، بالتنسيق بين السلطات التركية ومسؤولين عن حركة التجارة في إدلب، التوصل قبل أعوام لقرار بمنح التجار تفويض دخول إلى الأراضي التركية بهدف نقل البضائع، والقيام بالعمليات التجارية بشكل عام. ومن بين هؤلاء، عماد الأحمد، وهو تاجر حواسيب وقطع إلكترونية، والذي التقيناه في طريق العودة إلى إدلب، بانتظار أن تتبعه بضاعته. يقول الأحمد، لـ”العربي الجديد”، إنه يسافر “إلى تركيا لشراء البضائع اللازمة لتجارتي ثم أشحنها إلى إدلب… أمور الشحن وجمركة البضائع ميسرة وسهلة، لكنني أرى أن قيمة الضرائب مرتفعة، وتجب دراستها بشكل أفضل لتناسب واقعنا الذي يعرفه العالم أجمع”.

من جهته، يقول مازن علوش، وهو مسؤول مكتب العلاقات العامة في المعبر، لـ”العربي الجديد”، إن المعبر يشكل بوابة حدودية نشطة تربط سورية بتركيا عبر محافظة إدلب، موضحاً أنه يُشرف على هذه البوابة إدارة مدنية تعمل على تأمين عبور المسافرين والشحنات التجارية والإغاثية من تركيا وإليها.

إدارة معبر باب الهوى لا تتبع لأي جهة

ويضيف أن “معبر باب الهوى تديره إدارة مدنية مستقلة منذ العام 2014 وحتى الآن، وهي لا تتبع لأي جهة وتعمل بالتنسيق مع الجهات الرسمية في المناطق المحررة”. ويشير علوش إلى أن أوقات العمل اليومية والعطلات الأسبوعية وغيرها، مرتبطة بالجانب التركي، مضيفاً أن العلاقة بين إدارتي المعبر من الجهة السورية والجانب التركي جيدة، وأن هناك اجتماعات بشكل أسبوعي تقريباً بين الإدارتين لتذليل العقبات وحل الإشكالات.

وعن الحركة التجارية في المعبر، يقول علوش إنّ أبرز المواد التي يتم استيرادها هي المواد الغذائية، كالطحين والسكر، بالإضافة إلى الخضر، وأبرزها البطاطا والبندورة، بالإضافة إلى مواد البناء (إسمنت أسود، الحديد ومصنوعاته)، والمحروقات والمشتقات النفطية (بنزين ومازوت وغاز). أما أكثر المواد التي يتم تصديرها، بحسب علوش، فهي الحجر المشغول، الحديد الخردة، حبوب وبقوليات (حمص وفول وحبة البركة وكمون)، زيت الزيتون، بالإضافة إلى نباتات العطارة.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى