لم يكن سقوط مدينة داريا، وإخلائها ممن بقي من أهلها، وترحيلهم مع ثوارها غير متوقع
.أولاً..الأكيد ان هناك خطوط توافقات محددة بين صانعي مسار الحرب السورية، سواء بإدارة الصراع، أو بتحديد معالم الحل أو تنفيذه، فلم يعد أحد من الفاعلين على الأرض سواء من النظام الاستبدادي المجرم، أو الثوار يتحكم بمسار الصراع أو حله.
.ثانياً. لم يستطع النظام الاستبدادي المجرم أن يحسم معركة داريا، رغم أنها في خاصرة العاصمة دمشق، وهناك القوة الأكبر لجيش النظام وغزارته النارية، ورغم تهجير كل سكان داريا تقريبا، البالغين ربع مليون انسان، و تدميرها كلها تقريبا ايضا، وان الثوار لا يزيد عددهم عن ألف مقاتل، فكان النظام المجرم يفشل دائما بالتقدم او باعادة احتلال مدينة داريا، ان صمود ثوارها ومقاومتهم وخسائر النظام وحلفاؤه؛ كانت تجعله يتراجع دوما.
ثالثاً. إن داريا وثوارها نموذجا للثورة بنقائها الاول؛ الكل جيش حر، والكل يعتمد مرجعيته من أهله وناسه، ومصلحة الشعب السوري وأهدافه من ثورته، حرية وعدالة وكرامة وديمقراطية و حياة أفضل. الثوار والحاضنة الشعبية واحد، لذلك كانوا ينتصرون دوما، عاشوا على الاقتصاد الذاتي بحدود الكفاف، من خلال استغلال الأرض الزراعية، وكان إمدادهم بالسلاح والعتاد محدود جدا، مما يجعلهم قادرين على الصمود بحده الأدنى.
.رابعاً. عندما اعلنت الهدنة بين الثوار والنظام منذ أقل من سنة، تحدث النظام ان داريا خارج الهدنة، وبالتالي لم يتوقف النظام عن قصف داريا وعن تلقي القصف والبراميل المتفجره ومحاولة الاجتياح عبر سنوات الثورة كلها، ومع ذلك كانت نموذجا للصمود والانتصار دوما.
.خامساً. داريا والمعضمية اعتبرتا بالنسبة للنظام خطا أحمرا لا يتنازل عنهم؛ فهم عمق العاصمة ، ووجودهما بيد الجيش الحر يعني أن سيطرته على العاصمة منقوصة، لذلك كانت التوافقات الدولية والإقليمية من رعاة الصراع في سوريا، تعطيه الحق أن يستردها، لكنه يعجز عن ذلك دائما.
.سادساً. السؤال المهم الآن : ما الجديد الذي ادى لسقوط مدينة داريا واجلاء اهلها وانسحاب ثوارها..؟!!..
.الجواب: أن حصار النظام وأطباقه على داريا اصبح شبه مطلق. وأنه منع استثمار الأراضي الزراعية التي تمد الناس بلقمة العيش بحده الأدنى، كل ذلك يقترن بتخاذل ورضى القوى الداعمة، وعجز الثوار المحاصرين أيضا سواء في الريف الغربي خان الشيح وامتدادها، او الغوطة الشرقية دوما وجوارها عن دعم داريا وثوارها. كل ذلك جعل الثوار أمام معركة ابادة جماعية بالتجويع أو القتل عبر القصف اليومي، وخاصة أن الأكثر تأثيرا على الثوار كان حياة أربعة آلاف مدني معهم، أغلبهم أهل الثوار وعائلاتهم.
.سابعاً. كل ذلك اقترن مع عجز النظام المجرم وحلفائه عن اقتحام داريا، ووقوع مزيد من القتلى في صفوفه، وكان لا بد من مخرج بالنسبة للثوار بعد معرفتهم بأنهم متروكون لقدرهم “الموت المجاني” المقترن بالخذلان الإقليمي والدولي، لذلك وافقوا على حل يحافظوا به على حياة أهلهم، وينتقلون هم الى مواقع اخرى، فالثورة لم تنتهي بعد، وأن غادروا داريا لتحتل مجددا، أليست سوريا كلها محتلة.؟
.ثامناً. اما بالنسبة للنظام الاستبدادي المجرم، فكان قد قبل بالمكسب على الأرض؛ وأنه استرد داريا دون أهلها، بعد أن دمرها، ليعيد وضعها في خططه للتوطين الطائفي والتغيير الديمغرافي، على شاكلة الزبداني ومضايا وقبلها القصير وحمص.. الخ. لكنه انكسر معنويا بأنه رضي بشروط الثوار ومغادرتهم وعائلاتهم للمناطق المحررة بعتادهم الخفيف.
.تاسعاً. لم يكن سقوط داريا سقوط لثوارها؛ بل المجد لهم، هم الشهداء، وهم المقاتلين حتى آخر لحظة ضمن إمكانيات الصراع الغير متوازن، وما المزايدة عليهم إلا خدمة للنظام المجرم، والعار على كل من ادعى أنه يرعى الثورة السورية، ومن ثم يتركها لتكون ضحية الأعداء جميعا دون ان يقدم الدعم اللازم لتأكيد مصداقية ادعائهم، ونحن مستوعبين للظروف الإقليمية والدولية المحيطة بسوريا وتداعياتها، لكن من وجهة نظر الثورة والثوار والشعب السوري: نحن ضحية خيانة دولية وإقليمية، وندفع الثمن من حياة شعبنا وعبر تشرده وتدمير سوريا على رؤوس أهلها.
.اخيراً. داريا وداعاً، وسوريا كلها الى لقاء مع غد أفضل، تعود به ثورتنا إلى زخمها، وينتصر شعبنا، ونحقق أهداف ثورتنا بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل…
. الرحمة للشهداء..
.الشفاء للجرحى..
.الحرية للمعتقلين..
.المجد للثوار..
.النصر لشعبنا العظيم وثورته…
الآن ونحن في تاريخ ٢٧ . ٨ . ٢٠٢٣م وبعد مضي سنوات على سقوط داريا، هاهي جذوة الثورة تعود في سوريا كلها: في جبل العرب وحوران وحلب والشمال الثوري…الخ. ثورتنا تخرج من رمادها كالعنقاء لتعلن ولادتها من جديد لتسقط النظام المستبد الطائفي المجرم. تحرر سوريا من احتلالات روسيا وإيران والعصابات الطائفية ومن أمريكا و تستأصل حزب العمال الكردستاني الكردي الانفصالي المتمثل بقوات سورية الديمقراطية وال ب ي د وتبني دولة سوريا العادلة الديمقراطية. شعبها حر ومتوج بالكرامة …