في العاشر من يونيو/حزيران من عام 2000، توفي الرئيس السوري حافظ الأسد، في حدث وصفه في حينه المعارض السوري الأشهر رياض الترك بكلمتين: “مات الديكتاتور” الذي حكم سورية بالحديد والنار طيلة 3 عقود، تحولت خلالها البلاد إلى “جمهورية خوف” لا كلمة تعلو فيها على كلمة الأجهزة الأمنية التي أطلق الأسد يدها، لقمع أي صوت يمكن أن يرتفع مطالباً بالحرية. ولم يمت الأسد قبل أن يجهز المسرح السياسي لتوريث السلطة لنجله بشار، الذي لا يزال يحكم سورية وفق نهج أبيه، منذ نحو عشرين عاماً، تسعة منها حرب مفتوحة على السوريين عموماً، قتل فيها ما يربو على المليون سوري، وشُرد أكثر من 10 ملايين، وحُوّلت البلاد إلى مناطق نفوذ إقليمية ودولية وميدان صراع كبير، أوصل سورية إلى حافة التقسيم. ويحتفي الشارع السوري المعارض منذ عام 2011 بيوم وفاة حافظ الأسد، حيث يعتبره عدد كبير من السوريين المؤسس لنظام أمني أغرق البلاد في الفساد، وكرّس حكم الفرد والحزب والطائفة.
في قرية القرداحة في ريف مدينة اللاذقية على الساحل السوري، وُلد حافظ الأسد في عام 1930 في عائلة مغمورة من الطائفة العلوية، التي لم تكن في حينه تملك أي ثقل سياسي أو اقتصادي في سورية، بل خشيت من انسحاب الفرنسيين من البلاد، ما دفع شخصيات معروفة في الطائفة لمطالبة فرنسا بالبقاء فيها. انتسب حافظ الأسد إلى الكلية الجوية في الأربعينات من القرن الفائت، اتساقاً مع توجه الطائفة إلى دفع أبنائها إلى الكليات العسكرية، في مسعى لتحسين وضع هذه الطائفة السياسي في البلاد.
في الخمسينات من القرن المنصرم، كانت سورية تمور على وقع انقلابات متلاحقة، وصولاً إلى الوحدة مع مصر في عام 1958، حيث نُقل الأسد مع مجموعة من الضباط السوريين للخدمة في الإقليم الجنوبي (مصر)، حيث أسّس مع ضباط من طائفته والطائفة الإسماعيلية، ما سُمّي بـ “اللجنة العسكرية” التي كان لها دور في انقلاب عام 1963، الذي مهّد الطريق أمام تولي هؤلاء الضباط للسلطة بشكل فعلي في عام 1966.
في عام 1967، تعرضت سورية لهزيمة مدوية على يد إسرائيل، عندما كان الأسد يتولّى وزارة الدفاع في حكومة “البعث” الذي اعتبر في حينه استمرار بقائه في السلطة، رغم الهزيمة، “نصراً كبيراً”. وفي عام 1970، انقلب الأسد على رفاقه الذين كانوا ينوون طرده من الحزب، ومحاسبته، وتسلّم السلطة بشكل رسمي في عام 1971. وضع الأسد في عام 1973 دستوراً كرّس فيه حكم الفرد والحزب الواحد، ثم شرع في تأسيس أجهزة أمنية لحماية نظامه من أي انقلاب، اعتماداً على ضباط من طائفته، التي بدأت بتصدر المشهد السوري منذ ذلك الحين.
وخلال فترة حكمه، عانت البلاد من سطوة أمنية وفساد إداري ومالي أرهق ميزانية الدولة، ما أدى إلى تراجع المستوى المعيشي في ظل غياب تام لأي مؤسسات محاسبة، حيث كان ما يسمّى بـ “مجلس الشعب” ولا يزال، مجرد مبنى في شارع بوابة الصالحية الشهير في قلب دمشق.
دخل الأسد لبنان في السبعينات لإشغال الجيش السوري في مغامرات عبثية، ثم ارتكب مجازر حماة الشهيرة في عام 1982، وتنازع بعد ذلك على السلطة مع أخيه رفعت في منتصف عقد الثمانينات، الذي شهد حصاراً غربياً لسورية، وقعت تبعاته على السوريين، وكان مدخلاً لتفشي فساد ممنهج من قبل أركان النظام. دخل الأسد بعداء مع العراق إبان حكم الرئيس صدام حسين، دفع ثمنه البلدان، ثم شارك في التحالف الدولي ضد العراق في عام 1990، عقب دخول الجيش العراقي إلى الكويت.
تلقى في عام 1994 صدمة بمقتل ابنه البكر باسل، الذي كان يهيّئه للحكم من بعده، وهو ما فتح الباب أمام ابنه الآخر بشار، الذي ورث عن أبيه تركة سياسية واقتصادية ثقيلة، وملفات كبيرة لم يستطع مواجهتها بسبب استمراره على نهج والده في القمع والتضييق على الحريات والصحافة.
لقد ترك الأسد الأب سورية بلا حياة سياسية، أو اقتصاد متين، حيث تراجع دخل المواطن السوري في عهده إلى مستويات خطرة دفعت بالملايين إلى البحث عن عمل في البلدان المجاورة والخليج العربي. كما خلّف نظاماً ببنية معقدة، يقوم على السطوة الأمنية الخالصة، والفساد الذي استشرى في مؤسسات الدولة، حيث اعتمد الأسد مبدأ الولاء قبل الكفاءة في تعيين الوزراء والسفراء والمديرين، وهو ما مكّن النظام الذي أسّسه من الصمود نحو 50 عاماً.
المصدر: العربي الجديد