حمدين صباحي رئيس حزب الكرامة المصري زار دمشق بصحبة وفد المؤتمر القومي العربي، وقوبلت الزيارة بانتقادات بسبب مواقف سابقة له توحي بالانحياز للمعارضة وانتقاد بشار أسد.
يحتاج نظام بشار أسد جهود كبيرة لتعويمه على الساحة العربية بعد أن قوبلت زيارة وفد الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي إلى دمشق بانتقادات حادة من قبل أطياف من المعارضة السورية، ونخب وأحزاب وشخصيات سياسية عربية، واستعادت بعض وسائل الإعلام تصريحات سابقة لمن شاركوا في الوفد أكدت انحيازهم للثورة عند اندلاعها وإدانتهم لنظام بشار أسد.
وحظي السياسي المصري والمرشح الرئاسي ورئيس حزب الكرامة الناصري سابقاً حمدين صباحي بقدر ملحوظ من الانتقادات باعتباره كان رئيساً للوفد، وله خطابات مصورة حملت إدانات واضحة للنظام السوري الذي يشارك الآن في عملية الترويج له شعبياً ومدحه بزعم أنه أحد أهم جبهات المقاومة العربية حالياً.
ووُصف صباحي بالازدواجية أو “الشيزوفرينيا” والتناقض بسبب مواقفه المتباينة من النظام السوري، وتجاوزت شخصه، حيث أعيدت الاتهامات للتيار الناصري الذي يمثله صباحي، وغالبية القوميين العرب.
وجرى العزف على نغمة الخسائر التي تسبب فيها رموزه من قيادات عربية مختلفة في العقود الماضية، بدءاً من الرئيس المصري جمال عبدالناصر، وصولاً إلى العقيد الليبي معمر القذافي، مروراً بالرئيسين السوري حافظ أسد والعراقي صدام حسين.
واحتفظ حمدين صباحي بعلاقات سياسية جيدة مع هؤلاء، وقيل إنه نسج شبكة مصالح مادية معهم (باستثناء عبدالناصر)، ونال قدراً كبيراً من الهجوم عليه، ما يفيد بأن محاولات تسويق بشار أسد ونظامه من خلال قوى وأحزاب وشخصيات سياسية تواجهها عقبات أكبر من تلك التي تعرضت لها خطوات تطبيع بعض الدول العربية رسمياً مع النظام السوري وتبادل فتح السفارات.
وأعيدت سوريا إلى مقعدها بجامعة الدول العربية وقطعت شوطاً مهماً لتطوير علاقاتها مع كل من السعودية والإمارات والأردن والجزائر ومصر وغيرها من الدول العربية، وبدا أن الشارع العربي متفهم نسبياً لدواعي هذه النقلة النوعية، وأن مصالح الدول متقلبة دوماً، وهو ما لم يكن متقبلاً في حالة التحول الظاهرة في مواقف رموز سياسية شعبية.
ودافعت الدول التي لديها وسائل إعلام قوية عن قرار قادتها وفسرت وبررت أسباب التغيّر، وعوّل مواطنوها الذين لديهم اعتراضات وتحفظات على التوجه نحو سوريا على الرفض الشعبي لكبح جماح التطبيع مع بشار أسد، وعندما بدأت ما يسمى بالدبلوماسية الشعبية تنشط ظهر شعور بأن هذه الورقة يمكن أن تسقط في أيّ لحظة.
وقد يكون تيار الإسلام السياسي، أسهم بدور في إجهاض مهمة المؤتمر القومي العربي ونظام بشار، وتم استثمار الصور الضاحكة التي بثتها وكالة الأنباء السورية وجمعت بين بشار أسد ووفد المؤتمر، الأربعاء الماضي (2 آب/ أغسطس 2023)، لتُضّفي عليها حزناً بالتذكير بضحايا الثورة السورية ومواقف التيار العروبي من الدماء التي سالت، أملاً في السعي لوضع حد لرحلاته المتوقع أن تزداد الفترة المقبلة.
وتأتي مشكلة وفد المؤتمر القومي العربي من محاولته وضع نقطة ومن أول السطر، ما يصبّ في منحى تجاهل الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري والدمار الذي تحقق والخسائر التي تكبدتها قوى المعارضة الوطنية، الأمر الذي راعته الدول التي أعادت علاقاتها مع دمشق، إذ أعلى الخطاب الدبلوماسي لبعضها من أهمية المصالحة الوطنية، وصيغت مفردات وعبارات تشدد على عدم نسيان ما حدث مع الثورة.
وسواءٌ جاء ذلك لأسباب دعائية أو سياسية، فإن ما تعرضت له الدول العربية التي أعادت علاقاتها مع دمشق من انتقادات لم يكن مؤثراً، في حين قوبل وفد المؤتمر القومي باتهامات عدة، لأنه لم يقدم ما يعزز الاقتناع بدوره.
ومهما كان دور الإسلام السياسي في عملية التحريض على الوفد وصباحي تحديداً، إلا أن هناك تفاعلاً من خارجهم تعمد تشويه صورة التحرك الشعبي كي لا تتواصل القوافل العربية نحو دمشق ويتحول النظام الذي كان “منبوذاً” إلى بطل قومي بعد أن بدأت تتلاشى صورة البطل المفدى عقب رحيل العديد من القادة الذين حاولوا تمثيلها.
وأراد وفد المؤتمر القومي أن يُسهم في عملية الترويج لنظام الأسد عربياً، لكنه قد يتسبب في العكس، لأن من يتذكرون أدوار المؤتمر السابقة يحصرونها في باب الصوت العالي والمزايدة على التيارات الأخرى، ولم يتبق منه سوى مؤتمراته.
وجاءت زيارة دمشق عقب انعقاد الدورة 33 من المؤتمر القومي في بيروت نهاية تموز/ يوليو الماضي، وحتى مسألة الصوت العالي يمكن أن يخسرها المؤتمر، لأنها لم تعد ذات جدوي سياسية، حيث خسر التيار القومي حواضنه الرئيسية في دول عربية انساقت خلف خطابه.
وإذا كان المؤتمر يعمل على فرملة عجلة التغير الحاصل في الدول العربية فعليه أن يوقف عجلة الزمن التي تجاوزت أدبياته البضاعة التي كان يتم ترويجها، بدليل العواصف التي قوبلت بها زيارة الوفد إلى دمشق وتؤكد أن هناك أفراداً وجماعات من القوميين بلا قيادات تؤمن بالقومية، والكثير منها يقدم خطاباً تخطاه الزمن ويحمل أهدافاً غامضة، ولا يؤمن بالعروبة بمعناها السياسي العام ويريد تحميلها ما لا تحتمل.
ويخطئ المؤتمر القومي إذا كان يسعى للإبقاء على مفهوم سقطت أجزاءٌ كبيرة منه عملياً ولا يوجد من يعمل على استعادتها أو ترميمها، بل هناك من يحاربون هذا المنحى وهم يدركون أن تهديداته منعدمة، لذلك فمستقبل أيّ توجهات تأتي من البوابة القومية لدعم النظام السوري ستكونُ بلا أفق سياسي حقيقي، ويكفي لدحضها أن من لعب دوراً في إنقاذ نظامه هو إيران، الدولة الفارسية التي لها قومية مُعلنة ضد العروبة.
ويتجاهل القوميون العرب هذا المحدِدْ، واجتهد بعض ممثليهم لإيجاد صيغة لقواسم مشتركة بين الفارسية والعروبة مستندة إلى الشراكة في الدين الإسلامي، في حين هذه أيضاً محاطة بانقسامات حادة يمكنها أن تنزع أيّ تفاهمات ممكنة من جذورها، ما يحصر خطاب القوميين العرب في النطاق الخيالي، وهو مصير عملية تسويق النظام السوري من خلال جولات شعبية.
ووضعت زيارة حمدين صباحي ورفاقه إلى دمشق شريحة من النخبة العربية في مأزق، فردود الفعل على الزيارة جاءت سلبية سياسياً وشعبياً في مُجملها، ما يعني أن أيّ تحركات أخرى في هذا الاتجاه سوف تلقى النتيجة نفسها، أو على الأقل لن تتمكن من تحقيق اختراق يجعل النظام السوري رقماً عادياً في دول عربية عديدة، وما تم من مُصالحة معه فرضتها حسابات إقليمية من دون شعارات عاطفية حول العروبة.
كما أن المعارضة السورية الوطنية تشعر بغصة في حلقها جراء موقف مجموعة من السياسيين والمثقفين انحازوا إلى بشار ولم يجرؤ حمدين صباحي أو غيره على مطالبته بشكل محدد لتهيئة الأجواء في البلاد والقيام بنقلة سياسية تعيد اللحمة الوطنية إلى دولة تمثل أهمية استراتيجية في الجسم العربي العام.
* كاتب مصري
المصدر: العرب اللندنية/ الحرية أولاً