قراءة في كتاب : إرث ثورة. ٢ من ٢

أحمد العربي

يبدأ الكاتب خالد عقيل في الجزء الثاني من كتابه بالحديث عن سوريا إبان وفاة الأسد الأب عام ٢٠٠٠م وبداية حكم الأسد الابن في تمثيلية توريث عن طريق مجلس الشعب السوري الذي أنزل سن الرئيس إلى ٣٤سنة بحيث يناسب سن الأسد الابن. وكيف رشحته القيادة القطرية وصادق مجلس الشعب عليه وأصبح رئيسا وراثيا في دولة جمهورية.
وكيف بدأ حكم الأسد الابن بادعاء الانفتاح على المعارضة والرأي والرأي الآخر مما شجع المعارضة أن تعلن مواقفها وتشكل منتدياتها فيما سمي ربيع دمشق. وكيف انقضّ النظام على المعارضين: سجن البعض وكتم أفواه الجميع واغلقت المنتديات الى غير رجعه. وعادت القبضة الامنية في سوريا الى سابق عهدها.
كما تابع الكاتب تطور السياسة الخارجية السورية. حيث استمرت الهيمنة على لبنان وكيف رفض براغماتية رفيق الحريري الذي قتله في تفجير راح ضحيته هو وعشرات آخرين عام ٢٠٠٥م. اتهم بها النظام السوري وحزب الله حليفه في لبنان، وكيف اصدر قرار دولي بخروج سوريا من لبنان ، صحيح أن النظام خرج من لبنان صاغرا لكنه استمر مهيمنا فيه عبر حزب الله الذي أصبح القوة الفاعلة في لبنان…
ناور النظام عربيا ودوليا. لقد رفض احتلال امريكا وحلفاؤها للعراق علنا، لكنه جعل العراق منبع للإرهاب، صنعه في سجونه وصدّره إلى هناك. ومن ثم تاجر فيه مع الغرب. وهكذا مرر قضية اغتيال الحريري. ونامت المحكمة الدولية وأصدرت حكمها اخيرا باتهام عنصر من حزب الله. وخرج النظام بريئا من مقتل الحريري. لقد أثبت النظام أنه مازال الحارس الناجح في ضبط حدود سوريا مع اسرائيل وضبط حزب الله وبيع مواقفه هذه كلها للغرب وقبض الأثمان التي يريدها…
ينتقل الكاتب بعد ذلك للربيع العربي وكيف حصل وبدايته في تونس أواخر عام ٢٠١٠م ، سقوط حكم بن علي وانتقال الثورة الى مصر بعد ذلك وسقوط حكم مبارك، وبعد ذلك ليبيا وإسقاط نظام القذافي ومقتله. وكذلك اليمن. وكيف استبعد رأس النظام السوري وصول الثورة إلى سوريا. لكنها وصلت في أواسط آذار عام ٢٠١١م . استفتحها أطفال درعا على جدران مدارسهم. وموقف تجار دمشق : الشعب السوري ما بينذل بمواجهة تشبيح احد الشرطة في سوق الحريقة الدمشقي. وكيف تابع خالد عقيل إرث والده متجسدا فيه هو حيث وجد نفسه منتميا نفسيا وواقعيا لهذه الثورة وقرر أن يعمل بكل طاقته لانتصارها. كان قد عمل في السعودية لأكثر من عقدين وعاد إلى حلب وأسس شركته الخاصة. تزوج وأنجب ثلاثة أولاد . ابنه مجاهد الاوسط كان من ناشطي الثورة السلميين.
وثّق خالد عقيل يوميات الثورة بكل تفاصيلها في عموم سوريا وخاصة في حلب حيث كان أحد ناشطيها. التحق بـ لجنة العمل الوطني مع عبد المجيد منجونة المحامي صديق والده وآخرين من وجوه حلب وناشطيها. وخططوا لإطلاق المظاهرات في حلب. وخاصة بعد تأخر الحراك في حلب عن حراك بقية المدن والبلدات السورية. تابع الامن حراك الشباب الثائر وكان يداهم تجمعاتهم ومحاولة التظاهر. اعتمد الشباب على المظاهرات الطيارة السريعة وتصويرها وتحميلها على الانترنت. جيّش النظام الشبيحة والأمن وتعامل مع المتظاهرين بالعنف الجسدي وبالسلاح الأبيض، ثم بالسلاح الناري وبدأ يسقط الشهداء. شارك خالد وابنه مجاهد بالتظاهر والاعداد وبعض الإمداد للحاجات الأساسية الدوائية والمعاشية. اعتقل مجاهد وعذب في الأفرع الأمنية وافرج عنه بعد وساطات كثيرة.
قرر خالد ان يكون دوره السياسي مع اللجنة الوطنية في حلب. لكنه اختلف معهم عندما اسموا انفسهم هيئة التنسيق الوطنية وتوسعوا بضم صالح مسلم ممثلا عن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الممثل لحزب العمال الكردستاني في سوريا وهو صنيعة النظام وأحد أدواته. لذلك غادر خالد هيئة التنسيق وعمل مستقلا ثم شكل مع آخرين حركة احرار سوريا وعمل تحت رايتها. كان دوره تقديم الدعم الدوائي والاغاثي وعندما اشتدت هجمة النظام تنوع دوره ومن معه بدعم المناطق المحاصرة والنازحين والمهجرين. واستمر بدوره التنويري التعبوي عبر موقعه على الفيسبوك. وزاد نشاطه بالحصول على دعم للناس في مصابهم على كل المستويات. استفاد من شبكة علاقاته في السعودية والخليج ومصداقيته…
كان لتطور حال الثورة السورية وانتقالها للعمل العسكري وولادة الجيش الحر في مواجهة توحش النظام وعنفه ضد الشعب. هذا التوحش الذي دفع الناس إلى مغادرة سوريا وترك بيوتها وأملاكها. زاد التشبيح والسرقة. زاد تنكيل النظام بالناشطين واصبح مصير الناشطين القتل ميدانيا أو في المعتقلات. ومع ذلك استطاعت قوى الثورة المسلحة في اول سنتين أن تتوسع في الريف الحلبي وتصل الى حلب وتحرر حلب الشرقية. وكان هذا وبالا عليها. حيث استدعى النظام وحلفائه حزب الله والميليشيات الطائفية الافغانية والعراقية وايران . ومع ذلك لم يستطيعوا حماية النظام من السقوط. حيث كانت قوى الثورة السورية قد سيطرت على ٧٠ بالمئة من سوريا تقريبا. لذلك جاء الدعم الروس النظام بدء من عام ٢٠١٥م بالطيران والقتل والتدمير العشوائي والبراميل المتفجرة وصواريخ سكود. واستعمال الكيماوي. كان ذلك عبر سنوات راح ضحيتها من السوريين مئات الآلاف من القتلى ومثلهم معتقلين وملايين السوريين بين مشرد ومعتقل ومقتول. بلدات دمرت وهجر اهلها. هكذا حصل مع حلب الشرقية التي أعاد النظام السيطرة عليها لكنها خاوية ومدمرة.
استمر خالد بدوره الإغاثي والإعلامي وتحفيز الناس منافحا عن الثورة والثوار وأنها منتصرة حتما…
استمر في حلب الى وقت أصبح استمراره فيها خطر على حياته. كان قد ارسل ابنه مجاهد الى تركيا بعد ان طُلب للأمن مرة اخرى . حتى خالد طلبه الامن. ولأن العمل الإغاثي اصبح صعب وشبه مستحيل. انتقل خالد مع ابنته الى تركيا ملتحقا بابنه وبدأ يعمل من هناك في تأمين الإمداد الإغاثي السوريين الذين انتقلوا إلى المناطق المحررة. سواء هربا او عبر عمليات تهجير جماعي من أغلب بلدات سورية. . .
أدرك خالد أن الثورة السورية وقعت ضحية خيانة دولية. حيث ضحى بها اوباما رئيس امريكا لصالح توافقات مع إيران وايقاف مشروعها النووي وإطلاق يدها في سوريا وبقية مناطق تواجدها. وكذلك تحت الضغط الإسرائيلي الذي كان سعيدا بالمآل السوري فما يحصل في سوريا ينفع إسرائيل على كل المستويات. كم تحتاج اسرائيل من تضحيات وخسارات وتكلفة لتصل سوريا لماوصلت اليه لو اسرائيل ارادت فعل ذلك؟. لذلك كانت راضية عن واقع سوريا الجريحة المدمرة…
تابع خالد مسار ومآلات الثورة السورية . بدء من التظاهر السلمي و مرورا بالعمل المسلح. ودخول الدول الإقليمية والدولية على خط الدعم وكل لمصالحه وغرف الموم والموك. حيث أصبحت الثورة مرتبطة بالداعم تخدم أجندته اكثر من أجندة الثورة. وكيف دخل المسار السياسي للثورة في لعبة مؤتمر جنيف الذي وصلت جلساته إلى ١٩ جلسة عبر سنوات دون اي جدوى او تقدم في حل القضية السورية. والقرار ٢٢٥٤ الدولي الذي بقي حبرا على ورق. ومسار استانة الروسي الإيراني التركي الذي بقي يلعب على الوقت واستمرار تبريد الصراع دون حلّه. ومنصات الثورة المجلس الوطني ثم الائتلاف وهيئة التنسيق، ومنصة القاهرة ومنصة موسكو، معارضة الداخل ومعارضة الخارج وهيئة التفاوض. الرعاية الغربية ثم القطرية ثم السعودية ثم انسحاب الكل. وبقاء الدور التركي على تواضعه. وكيف تم تسليم الجنوب السوري للنظام بعد تحريره عبر توافقات دولية اقليمية. سيطرة الثوار على ٧٠ بالمئة من سوريا ثم انحسر لصالح داعش صنيعة النظام والنصرة ابنة القاعدة، وبقاء جيب محرر في إدلب وشريط على الحدود مع تركيا شمال غربي سوريا. وبداية تشكيل كيان انفصالي كردي شرق الفرات قوات سورية الديمقراطية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي فرع حزب العمال الكردستاني الانفصالي في سوريا. لقد أسسوا للادارة الذاتية وصنعوا مشروع دولة روج آفا غرب كردستان….الخ…
وماذا بعد.؟.
الكتاب ممتلئ يكاد يكون توثيق دقيق ومكثف لأغلب مجريات الثورة السورية عموما وفي حلب خصوصا. .. لذلك التوسع في التحدث عن الكتاب لن يفيه حقه والحل قراءته.
للكتاب أهمية لكونه ينقل رأي الكاتب المؤمن بحق الشعب السوري بالثورة وإسقاط النظام المستبد القاتل والنضال لتحصيل حقوقه بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل. وان الثورة رغم كل اخطائها لا تفقد مشروعيتها بكونها ترتبط بالشعب وحقوقه المهدورة ومطالبه المشروعة دوما. فأي خطأ يناقش ويعالج ويعدل المسار، المهم تحقيق مطالب الناس.
وان الثورة السورية وقعت ككل الربيع العربي ضحية غدر الغرب والاستخدام المصلحي من قبل كل الدول التي ساندت الثورة أو وقفت ضدها. وكانت سوريا وشعبها ضحية كل الوقت. وقدم النظام المبرر الشرعي الدولي والإقليمي لاستباحة سوريا وقتل شعبها وتشريده …
مآلات سوريا الآن كارثية بعض سورية تحت سيطرة النظام. لا كهرباء ولا غذاء، العملة الوطنية منهارة ٩٠ بالمئة من الشعب تحت خط الفقر. و٧٠ بالمئة تحت خط الجوع. هذا عن نصف الشعب السوري الذي مازال داخل سوريا يتذوق موته وإذلاله وفناءه اليومي. هذا غير الشعب السوري المشرد الموزع على دول الجوار والعالم وكيف أصبح عبئا عالميا وضاع جيلا من السوريين. ولم يستطع الخروج من المصير المفجع لمن غادر سوريا إلا قلّة قليلة.…
كما ان حقيقة النظام الطائفي الاستبدادي السوري أنه مجرد غطاء “شرعي” مزيف لسيطرة ايرانية روسية على القرار السياسي والاقتصاد وكل سبل الحياة في سوريا.
أما سوريا شرق الفرات حيث السيطرة الامريكية الحقيقية على النفط وخيرات الجزيرة السورية حتى الشمال الشرقي لسوريا القامشلي والحسكة وجوارهم. أداة السيطرة هناك قوات سورية الديمقراطية حزب العمال الكردستاني الانفصالي. مع واقع الظلم والاضطهاد للمكون العربي. مع عملية تهجير وتدمير البنية الديمغرافية والمجتمعية.
بعض سوريا في الشمال الغربي حتى ادلب وريف حلب الشمالي تحت الهيمنة التركية وفصائل الثورة السورية الجيش الوطني وأحرار الشام وهيئة تحرير الشام جبهة النصرة . كلهم يرتبط بالداعمين وينتظرون الذي عليهم فعله عندما تتوافق القوى الإقليمية والدولية على حل للقضية السورية. رغم ان الافق مظلم: الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا عكس نفسه على كل الملفات العالقة بينهم بما فيه الملف السوري وادخله في حالة استنقاع طويلة الامد…
اخيرا سوريا تعيش واقع التقسيم الفعلي . وشعبها داخلها يعيش جحيم الفقر والجوع والخوف والقتل المجاني. والذي يعيش خارجها ينتظر خلاص ما: قد لا يأتي..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى