هل المشكلة فقط بإدخال “الدواء” للشمال السوري؟ وهل ظهور مرض السرطان لدى أطفال الشعب السوري بالشمال محض صدفة؟ أم يشكل قرينة جديدة ترتبط بتورط النظام باستخدام النفايات النووية المدسوسة في براميله المتفجرة التي أفرغها على المدنيين الأبرياء لسنوات طويلة أمام صمت مجتمع عربي ودولي!؟ فأين قادة النظم الذين انتظموا لاستقبال قاتل الشعب السوري بهذه المأساة التي سببها لشعبه؟ أم هل تم تكنيس عداوات الماضي بينهم بـ“قمة” لا تحل ولا تربط؟
كأن شيئاً لم يكن، سورية عادت أو أُعيدت لأحضان “عربية” مُطعّمة “تطبيعياً”، جلسوا كلهم، علكوا كلاماً “موزوناً” وخرجوا وعادوا لممارسة “سلطاتهم” بالحياد الظاهر ومصادرة الحرية، وفجأة سقط الوحي عليهم، كُتبت الأوراق، حُذف الدم العربي وساد تفاهم “الخناجر”، و“الجمهور” العربي المنتظِم بات مهتماً بتهنئةٍ لعصابةٍ سوريةٍ قتلت شعبها، فيما “الجمهور” العربي المختلف، رجَّحَ حكمة قمة كاذبة وتغاضٍ إيرانيٍ خادع، والأهم أن الإعلام والحركات والتيارات والخنادق، تعيش فترة تعايش إكراهي، وكراهية مكبوتة.
هذه الإنفراجة السريعة، بعد آتون الانفجارات المُدمرة بعد ثورة 2011، ستتيح لأهل السياسة والإعلام والمال والمِلل والنِحل، صياغة يوميات باهتة، وتغييبٌ لدماءٍ سفكت، فلماذا تغاضوا جميعاً عن نفايات نووية ومواد مُشعة دُفنت في سورية خلال حقبة حكم آل أسد، مواد تتسم بخطورتها الإشعاعية، وأنها المصدر الأكبر ضرراً على الإنسان والبيئة، لأنها تتميز بطول عمرها الافتراضي، الأمر الذي يجعلها مصدراً للقلق لمدد طويلة جداً، وهذا وحده كافٍ للقلق حيال أي أمر قد يطرأ فجأة على كوكب الأرض!
وإن استهتار النظام الدموي بدمشق بأرواح ومصائر الشعب السوري حين وافق على جعل الأراضي السورية مدافن للنفايات النووية كان واضحاً، وما زاد الطين بلة وكوارث أن هذه العصابة أخذت تقصف المدن والقرى والحواضر السورية بعد ثورة الشعب في 2011 ببراميل تحتوي على تلكم النفايات!، فهل هناك علاقة بين تفشي السرطان بين أفراد الشعب السوري وبين البراميل المتفجرة والنفايات النووية؟ وهل ستسلم من آثار تلكم النفايات باقي شعوب المنطقة ؟!
إن ظهور مرض السرطان المؤسف لدى أطفال الشعب السوري بالشمال، ليس محض صدفة إنما يشكل قرينة جديدة ترتبط بتورط النظام باستخدامه النفايات النووية المدسوسة ببراميله المتفجرة والتي أفرغها على المدنيين والأبرياء السوريين لسنواتٍ طويلة أمام صمت المجتمع العربي والدولي!، فلا يكفي إدخال الدواء والعلاج والغذاء للشمال إنما المطلوب فتح تحقيق دولي وإدخال فرق متخصصة من الأمم المتحدة وخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتحديد حجم الجريمة وهوية مرتكبيها!
فكم من دورات عادية وغير عادية عُقدت لما يسمى المجلس التنفيذي للهيئة العربية للطاقة الذرية، وكم من الندوات وورش العمل قد أجريت للعاملين العرب بأبحاث الطاقة الذرية في هذه اللقاءات دون التعرض لمعاناه الشعب السوري من مآسٍ وقتلٍ بالمواد الإشعاعية التي لطالما حذروا من مخاطرها! أم أن هذه النشاطات، فقط، للمصادقة على الاتفاقيات والمشاريع المشتركة في مجال تعزيز وتبرير “الأمن النووي العربي المزعوم”!
صحيح أن هيئات ومنظمات المجتمع المدني السوري وطلائعه الثقافية والسياسية لم تفتر هممهم يوماً عن كشف ممارسات السلطة الأمنية السورية، وميليشياتها، والدعوة لمحاسبتها، لكن المؤسف أن المنظمات العربية- خاصة الرسمية منها- لم تولِ هذه المسألة التي تخص شعبنا السوري وخلاصه، أي اهتمام له صلة بحمايته من القتل والجرائم الممنهجة التي مورست بحقه، وإن كان دخول الأدوية هو المعبر الفلاني أو العلاني وقد سَمحَ أو سيسْمَح بدخول الأدوية المتواضعة للمشفى الوحيد بالشمال السوري، وكذلك السماح بإدخال المرضى لتركيا، فإنه لن يحل المعضلة السورية المزمنة من عصابة قاتلة قامت باستخدام كل ما هو مُحرّم ضد السوريين، خاصة البراميل الممتلئة بالنفايات المشعة والقطع المعدنية والفولاذية العشوائية الحادة.
إن نتائج اجتماع مجلس الدمى الأسدي وموظفي أداة المافيات الأسدية التنفيذية ممثلة بحكومته، تدل على أنها سلطة قد أفلست تماماً ونهائياً من جميع النواحي، وبالتالي لا حلول قريبة على أي صعيد وهذا في منتهى الخطورة، لأنه بدون تدخل دولي فعال لفرض حلول، فإن انهياراً لبقايا الدولة هو القادمُ الأخطر “أمنياً واقتصادياً وسياسياً”، وبالتالي ستحدث فوضى وانفعالات يستغلها نظام العصابة لإشعال حروب أهلية وفتن لحرب أهلية بين مكونات الشعب السوري ممن تبقى تحت سلطة ميليشياته، كآخر ورقة ما يزال يملكها لابتزاز السوريين والجوار الإقليمي والمجتمع الدولي من أجل حماية نفسه من المحاسبة.
فهل من خطوات تحمي ما لم يتم تدميره بعد من سورية، وتحمي من لم يتهجر بعد من السوريين، خطواتٍ تأتي من جميع النخب السورية، ومن جميع السياسيين وصناع الرأي العام ورجال الفكر والثقافة فضلاً عن رجال الأعمال السوريين المخلصين في الداخل والخارج لدعم ذلك وإبعاد النخب السورية من الوقوع تحت تأثير القوى الإقليمية التي قد لا يكون لديها مانع من إحراق سورية أكثر بمن فيها تجنباً لقيام أي ديمقراطية ناجحة في المنطقة منعاً لانتشار عدواها؟
المصدر: اشراق