هل تدخل المساعدات الأممية إلى سورية بدون تفويض مجلس الأمن؟

عماد كركص

لا يبدو الأفق واضحاً حيال تجديد آلية إدخال المساعدات الأممية إلى سورية، الذي يتطلب قراراً من مجلس الأمن، وقفت روسيا حائلاً دونه باستخدام حق النقض “الفيتو”، مع انتهاء تفويض إدخال المساعدات قبل نحو 20 يوماً.

ومع مضي هذا الوقت، بدأت الآمال تتلاشى باتخاذ قرار أممي يجدد الآلية، واستئناف إدخال المساعدات الإنسانية للملايين من المحتاجين في كافة المناطق السورية، لا سيما في الشمال الغربي من البلاد، حيث يعيش ملايين النازحين تحت خط الفقر، في الخيام أو التجمعات السكنية المؤقتة، بدون عمل أو دخل لتأمين مستلزمات الحياة.

وتسعى منظمات محلية ودولية، وحتى دول غربية، لتحضير البدائل، قبل أن يُحدث انقطاع المساعدات كارثة إنسانية في الشمال الغربي من البلاد، إذ لا تتضمن المساعدات المواد الغذائية والاستجابة السريعة فقط، بل تشمل الدعم اللوجستي للمشاريع التي تمد المحتاجين ببعض الخدمات الأساسية، كالصحة والمياه والتعليم.

تشكيك بأي آلية بديلة عن آلية الأمم المتحدة

وفي حين يتم الحديث عن عدد من الخطط البديلة لآلية الأمم المتحدة، يشكك ناشطون في المجال الإغاثي والإنساني بقدرة أي آلية بديلة ومحتملة على أن تملأ مكان آلية الأمم المتحدة، لا سيما مع ثقة المانحين وتعاملهم الرسمي مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (أوتشا)، الذي يتولى بشكل أساسي عملية تنسيق وإدخال المساعدات الأممية إلى سورية، وتسليمها للمنظمات المحلية لتوزيعها، أو تنفيذ المشاريع من خلالها.

وكانت روسيا استخدمت “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي في 11 يوليو/تموز الماضي، للاعتراض على تجديد آلية للأمم المتحدة لإرسال مساعدات إلى شمال غربي سورية من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، المعمول بها منذ العام 2014، وهو ما فتح الباب أمام أزمات معيشية لنحو ستة ملايين سوري، جلهم من النازحين في شمال وشمال غربي سورية.

وناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 19 يوليو، “الفيتو” الروسي من دون الخروج بحلول واضحة، في حين لا توجد مؤشرات على مفاوضات مع موسكو للتوصل لاتفاق جديد، بعد مشروع القرار الذي تقدمت به البرازيل وسويسرا، الذي يعد وسطياً من الأساس، ويقضي بتمديد تفويض الآلية لتسعة أشهر، في حين تتشبث روسيا بالتمديد لـ6 أشهر من معبر باب الهوى شمال إدلب، الحدودي مع تركيا.

لا آليات لاستبدال القرار الأممي حالياً

وأكد هشام ديراني، المدير التنفيذي لمنظمة “بنفسج”، وهي واحدة من أبرز المنظمات الإغاثية السورية والعضو في “تحالف المنظمات السورية غير الحكومية”، أنه “لا يوجد حالياً أي آليات حقيقية وكاملة لاستبدال قرار إدخال المساعدات عبر الحدود”.

غير أن ديراني أشار، لـ”العربي الجديد”، إلى أن “هناك بعض الآليات الجزئية، مثل صندوق AFNS، وهي اختصار لـThe Aid Fund for Northern Syria، أي “صندوق المساعدات لشمال سورية” الذي تم إنشاؤه لتعويض صندوق العمل الإنساني عبر الحدود إلى سورية (SCHF (Syria Cross-border Humanitarian Fund الذي تديره أوتشا”.

وأضاف: “لكن حتى الآن لا يوجد التزام كامل من قبل المانحين لتمويل صندوق AFNS، فعدد المانحين الممولين للصندوق ما زال لا يشكل 30 في المائة؜ من المانحين الاعتياديين، بالرغم من وجود نقاشات قائمة حول نقل التمويل نحو هذا الصندوق في حال تعطل قرار إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود. لكن لم يتم اتخاذ أي إجراءات جدية بعد بشأن هذا الأمر، وهذا فقط يقدم حلاً لمشكلة صندوق التمويل SCHF، وليس كامل التمويل المقبل من خلال الأمم المتحدة ووكالاتها”.

يشار إلى أن “AFNS” هو صندوق إنساني مشترك متعدد المانحين، تم إنشاؤه من قبل المانحين الدوليين نهاية العام الماضي لتلبية الاحتياجات ذات الأولوية في شمال سورية، تحسباً لعرقلة روسيا تمديد آلية إدخال المساعدات بداية العام الحالي.

وكان الاسم يشار له بداية إلى “أنصاف”، قبل أن يتم اعتماد “AFNS”. وتم إنشاء المنصة للحفاظ على استمرارية المساعدة الإنسانية للمحتاجين، في المجتمعات المحلية ومواصلة الاستجابة الشاملة، التي تستند إلى الاحتياجات الإنسانية وحدها.

وتربط المنصة البلدان المانحة والوكالات متعددة الأطراف والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، في إطار مهمة جماعية للمانحين للحفاظ على استمرارية المساعدة الإنسانية المرنة لسورية، في سياق ديناميكي متوافق مع خطة الاستجابة الإنسانية لشمال غرب سورية. ودعمت أربع دول، هي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، إنشاء الصندوق أو المنصة، على أن تقودها شركة “آدم سميث” الدولية، مع فريق توجيهي ومساعد من المنظمات المحلية السورية والدولية.

وفي معرض الحديث عن البدائل، قال ديراني إن “هناك تحليلا من قبل المنظمات المحلية، بالتعاون مع Guernica 37، وهي مؤسسة استشارات قانونية، وتحالف المنظمات السورية غير الحكومية SNA، بالإضافة للتحالف الأميركي لأجل سورية، يقوم على أن المساعدات عبر الحدود هي مساعدات قانونية، وليست بحاجة لقرار من مجلس الأمن، وهو تحليل مطروح من قبل المنظمات السورية”.

وتابع: “لكن لم يحصل تبنٍ لهذا التحليل من قبل الدول، بالرغم من وجود نقاشات حوله. وأيضاً، الاستجابة الإنسانية التي تقودها المنظمات المحلية قد تكون حلاً، ولكن جزئياً، لأن الدول لديها عوائق كبيرة عند تحويل التمويل من وكالات الأمم المتحدة باتجاه المنظمات المحلية”.

وحذر ديراني من عدم التوصل لحلول سريعة، مشيراً إلى أن “شمال غرب سورية يعتمد على المساعدات الإنسانية بشكل كامل، وتوقف العمل بقرار مرورها عبر الحدود، أو توقف برامج وكالات الأمم المتحدة، سينجم عنه توقف لنسبة عالية جداً من المساعدات الإنسانية في كل القطاعات، وسيكون هناك توقف لخدمات رئيسية في الصحة والمياه والغذاء، وغيرها من التدخلات العاجلة”.

قانونية دخول المساعدات بدون قرار أممي

وتواصلت “العربي الجديد” مع معاذ مصطفى، وهو المدير التنفيذي لـ”المنظمة السورية للطوارئ”، مقرها واشنطن، وعضو سابق في “التحالف الأميركي لأجل سورية”، والذي أشار أيضاً إلى التحليل الذي تحدث عنه ديراني بقانونية دخول المساعدات إلى سورية دون الحاجة إلى قرار من مجلس الأمن.

ونوه مصطفى إلى أنه “منذ اليوم الأول لاتخاذ القرار بالآلية، أكدنا على عدم الحاجة لقرار مجلس الأمن لإدخال مساعدات هي بالأساس إنسانية”.

وأضاف: “حالياً نعمل مع الإدارة الأميركية لتأييد دخول المساعدات بأي طريقة، سواء من خلال المنظمات الدولية أو عبر الأمم المتحدة بدون مجلس الأمن. والتحليل القانوني الذي يؤكد عدم الحاجة لقرار مجلس الأمن خرج برسالة، عمل عليها السفير السابق للولايات المتحدة لشؤون “العدالة الجنائية الدولية”، والعضو الحالي في المنظمة السورية للطوارئ، ستيفن راب، والتي أيدها بآراء وتوضيحات من قبل قضاة وقانونيين دوليين معروفين”.

وتواصلت “العربي الجديد” مع راب، الذي كان مدعيا عاما سابقا لدى المحكمة الجنائية الدولية بقضية رواندا والمحكمة الخاصة بسيراليون، وزودنا بالرسالة، التي تشير إلى أنه “لا يوجد حتى الآن عائق قانوني أمام عمليات الأمم المتحدة عبر الحدود في سورية بدون تفويض من مجلس الأمن الدولي”.

وتضم الرسالة التوقيع والرأي القانوني لخبراء وقانونيين، الذين وصفتهم الرسالة بكونهم “ائتلافا من كبار المحامين الدوليين والخبراء القانونيين”، الذين أكدوا عدم ضرورة قرار من مجلس الأمن لإدخال المساعدات إلى سورية، مستندين إلى قرارات ومرجعيات دولية، منهم قضاة في محكمتي العدل والجنائية الدوليتين، وخبراء بالقانون الدولي ومحامون دوليون، تثبت الورقة التي خرجوا بها.

وبدأ مجلس الأمن الدولي العمل بالآلية العابرة للحدود في العام 2014. وكانت المساعدات تدخل عبر أربعة معابر حدودية، هي باب الهوى والسلام من تركيا، واثنان من الأردن والعراق. ومع مرور الوقت، وبسبب الاعتراضات الروسية، بدعم صيني، بدأ تقليص عدد المعابر الحدودية، التي يتم إدخال المساعدات منها للشمال الغربي والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، لمعبر واحد، هو باب الهوى شمال إدلب.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى