أعاق سبعة عشر نقضاً روسياً قدرة مجلس الأمن الدولي على استمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا، لذلك على واشنطن وحلفائها أن ينظروا إلى الأمم المتحدة بدلاً من ذلك – أو أن يأخذوا الأمور بأيديهم على الحدود التركية.
بعد نحو عقدٍ من الجدل في مجلس الأمن الدولي بشأن تقديم مساعدات إنسانية للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، استخدمت روسيا حق النقض ضد مشروع قرار لتجديد آلية المساعدة للمرة السابعة عشرة، ووضعت الأمر بين يدَي النظام العميل لها في دمشق. وفي ظل غياب خطة بديلة لتسليم المساعدات، قد تضطر واشنطن وشركاؤها إلى قبول هذه النتيجة. وفي التاسع عشر من تموز/يوليو، حث نائب المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة في اجتماع الجمعية العامة في نيويورك واضعي المسودة الأولى في مجلس الأمن على إيجاد تسوية، لكن فرصة نجاح هذا المسار ضئيلة ولن يكون كافياً حتى لو توفر خيار التجديد.
وبدلاً من ذلك، على الولايات المتحدة استخدام إرادتها السياسية في الجمعية العامة لتذليل العقبات التي تعترض المساعدات وضمان الحياد عند تقديمها، لا سيما نظراً إلى الجهود المستمرة في المنطقة للتعافي من الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في شهر شباط/فبراير. وفي الوقت نفسه، يجب أن تضع خططاً مع تركيا لإيصال المساعدات إلى شمال غرب سوريا حتى بدون تفويض واضح من الأمم المتحدة، ولصد العدوان الروسي الأخير في سوريا، الذي تصاعد في الأشهر التي أعقبت الإعفاء الأمريكي من العقوبات لإغاثة ضحايا الزلزال.
الفيتو الروسي، رد النظام
في 11 تموز/يوليو، استخدمت موسكو حق النقض ضد مشروع قرار لمجلس الأمن من شأنه أن يمدد المساعدة عبر الحدود لمدة تسعة أشهر إضافية، بينما صوتت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ضد مشروع قرار روسي منافس. وبعد يومين، أصدر نظام الأسد رسالة منح بموجبها الأمم المتحدة الإذن بإرسال المساعدات عبر معبر باب الهوى في شمال غرب البلاد لمدة ستة أشهر، ولكن فقط “بالتعاون والتنسيق الكاملين مع الحكومة السورية”. ثم حددت الرسالة شروط هذا التعاون.
على سبيل المثال، نصت الشروط على ألا تتواصل الأمم المتحدة مع “التنظيمات الإرهابية… والكيانات الإدارية غير الشرعية التابعة لها في شمال غرب سوريا”، وذكرت “ما يُسمى بـ”الحكومة المؤقتة أو حكومة الإنقاذ” وذلك في إشارةٍ إلى “هيئة تحرير الشام”، أي الجماعة الجهادية التي تسيطر على جزء كبير من محافظة إدلب. كما شددت الرسالة على تمكين “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” و”الهلال الأحمر العربي السوري” – وهي منظمة شبه حكومية يسيطر عليها الأسد أساساً – من “الإشراف على توزيع المساعدات الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية في شمال غرب سوريا وتسهيل توزيعها”.
وفي 14 تموز/يوليو، أشار “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” إلى أن رسالة النظام توفر أساساً قانونياً لإيصال المساعدات لكنه رفض كلا المطلبين المذكورين أعلاه. ويُعد هذا القرار سليماً نظراً إلى عدم جواز وضع شروط سياسية على المساعدات الإنسانية، ناهيك عن واقع أن “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” و”الهلال الأحمر العربي السوري” لم ينشطا في شمال غرب سوريا منذ أكثر من عقد. ولكن المشاورات الخاصة اللاحقة لم تسفر عن أي بديل، لذلك أُحيلت القضية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشتها في التاسع عشر من تموز/يوليو.
الإعفاءات بعد الزلزال تأتي بنتائج عكسية
منذ عام 2014، اتخذت الولايات المتحدة القرار الصائب بوضع تقديم المساعدات من دون عوائق على سلم أولويات الأمم المتحدة، نظراً إلى القمع الوحشي الذي مارسه نظام الأسد ضد الانتفاضة السورية وفقدان السيطرة على المعابر الحدودية الشمالية مع تركيا. وأصبحت آلية مجلس الأمن لتمكين المساعدات عبر الحدود ضرورية للغاية، نظراً إلى تردد الأخبار عن تلاعب النظام بالمساعدات الإنسانية في أراضيه وعبر خطوط الفصل مع المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
واليوم، أصبحت الحاجة إلى هذه الآليات أكثر إلحاحاً. فقد زادت الاحتياجات الإنسانية في شمال غرب سوريا بشكلٍ كبيرٍ مع تدهور الظروف المعيشية في معظم المناطق – وهو الوضع الذي تفاقم بشدة بعد زلزال 6 شباط/فبراير. واستجابت واشنطن وحلفاؤها لهذا الوضع عبر الإعفاء السخي من العقوبات المفروضة على النظام والكيانات الأخرى لمدة ستة أشهرٍ من أجل تقديم الإغاثة في حالات الكوارث، ولكن التكلفة الدبلوماسية التي نتجت من هذه الخطوة كانت باهظة. ويبدو أن بعض شركاء واشنطن في المنطقة، لا سيما المملكة العربية السعودية، فسروا الإعفاء كترخيص للانخراط في جهود تطبيع عقيمة مع الأسد – على الرغم من انتهاكات النظام المستمرة لقرارات الأمم المتحدة، وفظائعه ضد المدنيين، ومغامرته الأخيرة في إنتاج الكبتاغون والتهريب في جميع أنحاء المنطقة.
وفي الوقت نفسه، زادت روسيا بشكلٍ غير متوقع من عمليات التحليق والمضايقات الأخرى التي تقوم بها ضد القوات الأمريكية والقوات الحليفة في سوريا ابتداءً من شباط/فبراير، في محاولةٍ على ما يبدو لإخراجها من مواقعها في شرق سوريا وقاعدة التنف. ورداً على ذلك، دعا الجيش الأمريكي موسكو مراراً وتكراراً إلى وقف هذه الأعمال، ونشر طائرات نفاثة متطورة من طراز “أف-22” من أجل ردعها عن ممارسة المزيد من العدوان.
وخلّف الإعفاء من العقوبات لإغاثة ضحايا الزلزال ارتدادات سلبية تهدد اليوم سياسة الولايات المتحدة في سوريا. وينتهي أجَل الإعفاء من العقوبات الذي تبلغ مدته ستة أشهرٍ في 8 آب/أغسطس، وينتظر صنّاع القرار في الكونغرس الأمريكي وخارج الولايات المتحدة لمعرفة ما إذا كانت إدارة بايدن ستمدده كما فعل “الاتحاد الأوروبي” في وقتٍ سابقٍ من هذا الأسبوع.
الإرادة السياسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة
على مر السنين، جادل الخبراء مراراً وتكراراً أنه يمكن إيصال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا دون الحصول على إذنٍ من مجلس الأمن. وفي نيسان/أبريل 2014، وردَ في رسالةٍ موقّعة من قبل خمسةٌ وثلاثين من أبرز المحامين والخبراء القانونيين الدوليين ما يلي: “نحن نرى أنه لا يوجد عائقٍ قانونيٍ يمنع الأمم المتحدة من تنفيذ عمليات إنسانية مباشرة عبر الحدود ودعم المنظمات غير الحكومية لتنفيذها أيضاً”. وأُعيد التأكيد على هذا الاستنتاج في وقتٍ سابقٍ من هذا العام في رسالةٍ أخرى ساهم في مضمونها قضاةٌ سابقون في “محكمة العدل الدولية” و “المحكمة الجنائية الدولية”. وأشارت الرسالتان إلى أن الأمم المتحدة هي بالفعل جهة فاعلة إنسانية شرعية، وأن موافقة جماعات المعارضة السورية التي تسيطر على الأراضي المعنية تكفي في بعض الحالات، مما يجعل الحصول على إذنٍ من الحكومة السورية أمراً غير ضروري. كما أشارتا إلى أن الحكومات لا تستطيع قانوناً حجب الموافقة لأسبابٍ غير إنسانية مثل إضعاف مقاومة العدو أو تجويع السكان المدنيين – وهي التكتيكات التي استخدمها نظام الأسد مرات عديدة على مر السنين.
وأفاد العديد من العلماء أن الجمعية العامة، وليس مجلس الأمن، يمكنها تمرير قرار فعال ودائم لتوفير المساعدات عبر الحدود (على سبيل المثال، إقرأ المقالين المقنعين من حزيران/يونيو 2021 و كانون الثاني/يناير 2023). وكما لفتت “محكمة العدل الدولية” في تموز/يوليو 2004، إن مجلس الأمن مسؤولٌ عن مسائل السلم والأمن الدوليين، لكن الجمعية العامة غالباً ما تتخذ “وجهة نظر أوسع نطاقاً” تشمل القضايا الإنسانية. علاوةً على ذلك، تبنت الجمعية في الماضي قراراتٍ متعلقة بالمساعدات، مثل القرار 60/225 (2005) بشأن مساعدة الناجين من الإبادة الجماعية في رواندا، وأربعة قراراتٍ في كانون الأول/ديسمبر الماضي تهدف إلى “تحصين” نظام الإغاثة العالمي المتخلف.
وتمنح هذه العوامل وغيرها تبريراً لواشنطن وحلفائها لحث الأمم المتحدة على مواصلة تدفق المساعدات إلى شمال غرب سوريا بموافقة الحكومة السورية أو بدونها، على الأقل إلى أن تتراجع دمشق عن القيود المسيَّسة مثل تلك الواردة في رسالتها في 13 تموز/يوليو. وإذا استحال على الجمعية العامة إصدار قرار حاسم، فلا يزال على واشنطن العمل مع تركيا على وضع خطط لتسهيل إيصال المساعدات عبر الحدود.
سوريا في الصورة الاستراتيجية الأكبر
عند مناقشة التعنت الروسي بشأن قضايا أمنية مهمة حول العالم، يعتبر الكثيرون من واضعي السياسات الغربيين أن نكسات موسكو في أوكرانيا قد ترغمها بشكلٍ متزايدٍ على التوصل إلى حل وسط في مثل هذه الأمور. ولكن يبدو أن فيتو روسيا على آلية المساعدات السورية وتعليق “مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب” تغلّبا على واشنطن وحلفائها مجدداً، مما يسلّط الضوء على قدرة موسكو المستمرة على استخدام القضايا الإنسانية كسلاحٍ وتحقيق أهداف سياستها الخارجية في مسارح أخرى. ولا شك في أن هذه القدرة ستستمر ما لم تُمنَ روسيا بهزيمة كاملة في ساحة المعركة في أوكرانيا. وفي هذه الحالة فقط قد يميل الكرملين إلى تغيير حساباته بشكلٍ جذريٍ والجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الغرب.
وتعطي استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الأخيرة، عن حق، الأولوية للمنافسة مع روسيا والصين، ولكنها تغفل عن العنصر العالمي لهذه المنافسة عبر تَجاهُل النهج الذي تتبعه موسكو في بعض المسارح مثل سوريا. وفي حين عزل الغرب روسيا إلى حدٍ كبيرٍ، يبقى الشرق الأوسط وأفريقيا مسرحين أساسيين لأنشطة موسكو المزعزِعة للاستقرار. علاوةً على ذلك، يتردد في هذه المناطق صدى سرديات الكرملين عن أوكرانيا والأزمات الأخرى، وغالباً ما ترافقه عواقب عملية متعلقة بالسياسات. على سبيل المثال، لم ينضم شركاء واشنطن العرب إلى العقوبات الغربية ضد روسيا بعد غزو أوكرانيا، بل زوّدوا في الواقع موسكو بحبل نجاة اقتصادي حيوي. وليس من قبيل المصادفة أن تبذل روسيا جهود استمالة في هذه المناطق على مدى سنوات، وقد أدركت أوكرانيا الحاجة إلى تعزيز سرديتها الخاصة في الخارج، وهذا ما يبرر تَطلّعها إلى فتح المزيد من السفارات في أفريقيا.
ومن أجل تسهيل الهدف الأوسع نطاقاً والمتمثل في إلحاق خسارة استراتيجية بموسكو، يجب أن تبذل واشنطن المزيد من الجهود لإقناع الشركاء غير الغربيين بأن رؤية روسيا للنظام العالمي هي رؤية خاسرة. وتستخدم موسكو سوريا منذ فترة طويلة لتهديد حلف “الناتو”، والتصدي للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، وتصوير نفسها كقوة عظمى. وبالتالي تُشكّل سوريا ساحةً رئيسيةً للحد من النفوذ الروسي. وفي البداية لا بد من التوجه إلى الجمعية العامة بدلاً من مجلس الأمن فيما يتعلق بمستقبل تسليم المساعدات. كما أن تشويه سمعة روسيا في نظر دول الشرق الأوسط وأفريقيا هو أمر بالغ الأهمية، نظراً لأن أصوات هذه الدول في الأمم المتحدة ومناصرتها للسردية الروسية حول أوكرانيا لها عواقب في العالم الحقيقي.
أندرو جيه. تابلر هو زميل أقدم في برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، يركز بحوثه على سوريا والمصالح الأمريكية في بلدان المشرق العربي.
آنا بورشفسكايا هي زميلة “آيرا وينر” في معهد واشنطن، حيث تركز على سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى