قراءة في رواية. رقصة القبور

أحمد العربي 

مصطفى خليفة كاتب سوري. وهذه روايته الثانية. بعد روايته المعروفه .القوقعه. التي كانت اقرب لسيرة ذاتية تتحدث عن تجربة الاعتقال في سجن تدمر الأسوأ في سوريا…

.رقصة القبور رواية تعتمد آلية السرد المتسلسل عبر الزمان مغطية لنصف قرن تقريبا، من الخمسينات تنتهي في عصر الأسد الأب في سوريا دون ذكر اسمه بالمباشر.

.تبدأ الرواية باعتقال السارد الأساسي في الرواية. وبصفته ناشطا بحزب يتبين من الرواية أنه الحزب الشيوعي. وأنه معتقل ضمن حملة تستهدف الحزب. وانه المسؤول عن جريدتهم الحزبية السرية. وسيلتقي في المعتقل بعبد السلام آل الشيخ. العضو الآخر بالحزب والمسؤول عن منظمة الشباب في الحزب. سيكون مريضا جدا. سيلتقي به ويعرفه بنفسه لانهما كانا قد التقيا. ضمن مناشط الحزب. ينقلان مع آخرين الى سجن المزة العسكري كما نستنتج. ويوضع معه في نفس الزنزانة  للعناية به. فقد لاحظ ان ادارة السجن حريصة على حياته… وبعد اكثر من اربعة اشهر سيحضر رئيس البلاد ويهدد المعتقلين بالعقوبة الشديدة ان كرروا اعمالهم ويطلق سراحهم… كان ذلك في الخمسينات… سيخرج السارد وعبد السلام من السجن بعد ان توطدت بينهما العلاقة كثيرا. وبعدما تعرفا على بعضهما بعمق كافي. السارد يعيش وحيدا بعد ان اختلف مع اهله و طرده والده من البيت. يعمل بالصحافة وينشط بالحزب ويصدر نشرته السرية مع رفيقته لميس.. التي سرعان ما احبها واحبته ويعيشان حياة جسديه مفتوحه… ولكن الاعتقال سيفرقهم عن بعضهم. وهو يفكر الان ان يعود اليها ويطرح عليها الزواج. رغم رفضها للفكرة سابقا.. فهي تؤمن بحق جسدها ان يلبي رغبته الجنسيه مع من تريد وفي اي وقت. وهي لا تستطيع الالتزام بالزواج وخصوصيته الاجتماعية والجنسية.. اما عبد السلام فهو ابن عائلة من رجال الدين ثرية ولها اتباع ومستغرب ان يكون ابنها يحمل الأفكار الشيوعية ومنضويا في حزب شيوعي..

.عبد السلام سيأخذنا الى عالمه فهو من سلالة خالد بن الوليد التي تعرضت للفناء مرتين عبر مئات السنين  ونجا في المرتين واحدا أعاد احيائها… المرة الأولى أفناهم احد الخلفاء الأمويين. خوفا على حكمه. وفي المرة الثانية أفناهم حكم علوي في حلب يستنتج أنه حكم سيف الدولة الحمداني او من اسلافه… وسنعرف ان هناك نظام صنع للعائلة دقيق هناك ابوه شيخ يقود العائلة.(الخوالد) وأنهم يعيشون في ضيعتهم منعزلين (الخالدية). وانهم أثرياء فلديهم كنوز ذهبيه. يحتفظون بها من جيل لجيل عبر سراديب أرضية لا يعلمها ويعلم مداخلها ومخارجها إلا خاصتهم. وان عبد السلام الابن الاكبر وهو خليفة والده بقيادة العائله. وان لهم نظام تراتبي متماسك ونظام علاقات محكم ودقيق. وأن قرارهم بتوزيع أولادهم في بلاد العالم مزودين بمال يستطيعون به صناعة حياتهم. لكي لا يتم استئصالهم مرة اخرى. وانهم يجتمعون مرتين كل سنه في الخالديه لكي تعاد عليهم سيرة الخوالد وتزرع فيهم خصوصيتهم . لربطهم ببعضهم ومعرفة ما حل بهم من مذابح… سيتعرف عبد السلام بالصدفة على الاسكافي الأرمني مهران الذي سيجذب عبد السلام له وأفكاره… ليصبح شيوعيا ومن ثم يتعرف على ابنته مارال التي سيحبها… نتعمق كثيرا في حياة عبد السلام وعائلته. والده الذي يعتكف في صومعته لسنة كاملة ولمرات عدة. وامتلاكه طاقات خارقة. ولنتعرف على نظام الفصل القاسي بين الإناث والذكور في العائلة. ولوجود عبيد تحولوا لاتباع يعيشون في خدمة اسيادهم آل الشيخ مدى الحياة… سيخوض عبد السلام تجربة الجنس مع ابنة عمه البوسنية القادمة مع والدها الى الخالدية. سيحبها وسيتعرف على الجنس ويعيش معها في ظروف خفية وتقية  و إباحية مطلقة لمدة شهر. ثم ستغادر وتترك في نفسه غصة… ستتطور علاقته بـ مارال ويعيشون علاقة جسدية مفتوحه.. سيبحث السارد عن حبيبته لميس وسيعرف انها سافرت الى روسيا لحمايتها من الاعتقال. بعد اعتقالهم… سيتدرج عبد السلام في حزبهم كقيادي شاب صاعد سيصطدم بعقلية الكهول. وسيقود فريق الشباب للتغيير بالحزب.. وعلى مستوى البلاد ستحصل عدة انقلابات سيكون آخرها الجنرال (الاسد الاب). سيحكم البلد بعد ان كان متهما من زملائه بأنه ضعيف وجبان… لكنه سرعان ما سيصبح الحاكم الأوحد للبلاد… ويتعاون مع الاجنبي ذلك الالماني من بقايا المخابرات الذي استوطن سوريا وباع خدماته للجنرال… وكان دليله في كل ما فعل في سوريا. يواجه الجنرال حركة الإسلاميين (الطليعة المقاتلة) ومن ثم الاخوان المسلمين بعنف ومذابح وتستقيم له البلاد… ستتطور الخلافات داخل حزب عبد السلام. فالبعض سيهادن الجنرال. ويفكر عبد السلام بمواجهة النظام… وسيصل الحزب ليكون حزبين ليصبح عبد السلام زعيما للحزب الجديد ومعه مارال التي ستصبح زوجته بعد أن عانت هي وهو من الرفض الاجتماعي. حيث رُفض زواجها من اهلها طائفتها الارمنية. كمسيحية وارمنية. وكذلك ماطل والده كثيرا. فزوجته يجب أن تكون مخزومية من قبيلة الخوالد… يعتدي عليه وعلى مارال اقربائها الرافضين لزواجهم. وكاد يموت.. ومع ذلك تزوج مارال بشرط ان يربوا اولادهم في الخالدية في حضن والده الشيخ الكبير… وهكذا حصل.. وعلى مستوى الحزب الجديد يعلنوا موقفا معاديا للنظام وضرورة مواجهته بالعنف المسلح. وسيكون عبد السلام المتحمس الأكبر وستكون مارال معه. ويبدؤون التجهيز في الجبال لخلق بنية لقتال النظام… سيتراجع عبد السلام عن فكرة العمل المسلح. بعد دراستها وإدراك عجزهم عن مواجهة النظام. طلب منه والده بأن يتخلى عن  السياسة وإلا استأصلتهم السلطة ونصحه بمغادرتها. و يعاني من رفض مارال لرأيه. وانتصارها مع الحزب لفكرة العمل المسلح ضد النظام المتمثل بالجنرال. وينسحب عبد السلام ويعتزل في الخالدية بسريه كامله لانه سيتحول للمطلوب رقم واحد عند النظام… الجنرال الذي كان قد أصبح مهيمنا على الدولة عبر طائفته العلوية. وكان يتابع الحزب وتخطيطه ضده وخوفه من دور عبد السلام الديني كخالدي ضد العلويين والثارات بينهم. وكذلك كونهم شيوعيين ويعملون لمصلحة الشعب الفقير والمضطهد… سيخطط الجنرال ان يستأصل الحزب بكل كوادره. ويتركهم ليذهبوا الى الجبل ويحاصرهم على مدى سنتين بقيادة مارال. دون قدرة على الفعل وتركهم يجذبون إليهم الأنصار و يصفيهم جميعا وهذا ما حصل بعد مضي عامين تقريبا. حيث حوصروا وقبض عليهم جميعا وحكموا بمدد سجن مختلفه. وحكم على مارال بعشرين سنة… مارال التي اختلفت مع عبد السلام حول فكرة العمل المسلح وتركهم. واعتكف في الخالدية بسرية مطلقة. أصبحت مارال القائد البديل عن عبد السلام للتنظيم المتواجد بالجبال والمحاصر بعد ذلك… ستعيش خيبتها من خسارة زوجها وحبيبها عبد السلام. وتعوض عن غيابه بعلاقات جنسية مفتوحة مع شباب الحزب المقاتلين وسيعرف ذلك ويصمونها بكونها عاهرة وسيئة. لكنها تعتبر هذه السلوكيات آخر ما تبقى لها. بعد ان خسرت أولادها وزوجها وحصار الحزب في الجبل.. بعد ذلك يحاصروا في الحبال ويلقى القبض عليهم. في سجنها ستستفيد من كونها طبيبة ومعالجتها للمرضى وعبر مرور الوقت.. ستجد نفسها وحيدة في حياة السجن.. وستعود مرة أخرى للبحث عن اللذة كحاجة جسدية تمارس العلاقة الجنسية المثلية (سحاق) مع سجينة أخرى وتعيش حياتها على هذا المنوال… اما عبد السلام فسيعيش خمس سنوات في الخالدية بالسر… ويقرر ان يخرج. بعد موت والديه. وبعد ان نقل أولاده وثروة الخوالد الى تركيا… وعندما سيخرج للعلن وسط الخوالد في يومهم السنوي المعتاد. سيجد الأمن متخفيا بينهم ويقتلوه في اعدام جماعي… سيكون أخاه السارد متابعا لعبد السلام منذ خروجهم من سجنهم الاول. وسيصبح أخاه بالدم و سيوضع تحت رعايته ويشتري له بيتا ويؤمن له موردا ماليا دائما للمعيشة. سيستمر معه في الحزب ويكون معه في حزبهم الجديد. لكنه يختلف معهم في موضوع العمل المسلح وسيغادرهم. ويبقى على علاقة مع عبد السلام ومارال. ستعود لميس من روسيا ويطلبها للزواج. وترفض وتعيش معه كزوجين دون عقد زواج. سيراقب هو ولميس تحولات عبد السلام ومارال. التحول للعمل المسلح والصعود للجبال و الاعتقال للحزب و اختفاء عبد السلام وخروجه ومقتله.. يعاصر عودة اولاد عبد السلام ليستمروا في قيادة الخوالد. وخروج مارال من السجن محملة بتجربتها ومذكراتها عن السجن. ومحاولتها ان ترى أولادها يشاهدوها ويرفضونها… لكن ابنا لها في جنوب افريقيا يقبلها. ستذهب إليه محملة بعمر مليئ بالخيبات والمرارة…

.هنا تنتهي الرواية.. وفيها كثير من الأحداث والتقاطعات التي لم نمر عليها..

.في قراءة الرواية نقول…

.نحن أمام نموذج مبتدع فالرواية لاتعيد قراءة تاريخ ماضي ليستثمر ضمن نص يعطي رسالة ما. هنا الرواية تصنع تاريخا بديلا… خالد ابن الوليد واولاده واحفاده و امبراطوريتهم المبتدعة. ولكن لا يخرج هذا الخلق للتاريخ البديل عن مآلات التاريخ نفسه. صراع الحكام في كل زمان. وصراع الطوائف والمذاهب والاضطهاد العرقي. كما حصل مع الأرمن والعلويين في زمان مضى… كان الاجدر ان يعاد التاريخ ليضيء الواقع كما فعل أمين معلوف يوسف زيدان بنسالم حميش… وغيرهم كثير..

.وايضا الرواية محملة بمواقف ايديولوجية مترسخة بلا شعور الراوي الى درجة تم تغييب قراءة الواقع حين التحدث عن الحزب (الشيوعي) الذي عمل لخمسين عاما واعتقل كله. دون ان نقرأ واقعه والواقع الذي يتحرك به وهذا ظلم للحزب. وعدم وضوح للدولة التي هيمن عليها الجنرال بتوصية الأجنبي… وهي مؤشر لفكرة الدعم الخارجي للنظام. وانه يعجز بذاته عن تحصيل ماحصل من نجاحات.طبعا عبر استعباد الشعب والاضطهاد السياسي لولا توجيه الأجنبي ودعمه…

.وأيضا سنجد ان هناك شحنة حرمان جنسي سيعبر عنها بتصوير الجنس كمخرج حياتي ومتابعته كممارسة وتحوله لهوس… ليظهر انه الحقيقة الانسانيه الوحيده عند البشر… طبعا الجنس المنتمي لنفسه فقط كغريزة دون اي ضابط من اي نوع كان… ولا نستبعد ثقل سنوات السجن على الكاتب نفسه ليكتب ماكتب في موضوع الجنس…

. وكذلك المواقف المطلقة الرافضة للزواج. او التصنيف الاجتماعي المغلق لموضوع الزواجات المختلطة. بين الأديان والطوائف. وأنها تنتهي بكوارث دائما.. رغم ان في الواقع البعض الناجح والبعض الذي فشل والقليل الذي انتهى بشكل كارثي…

.التاريخ ليس تاريخ والسياسة ليست سياسة. والحياة ليست هكذا… الوحيد المؤكد هو الجنرال الأسد الذي بنى دولته المستبدة مستغلا الطائفة العلوية. مستعبدا المجتمع لاغيا للسياسة. جاعلا الناس ضحية لقمة العيش. ومحولا السياسيين  الى مستحاثات في طبقات الواقع الاجتماعي… بين قتيل ومعتقل وهارب ومنزوي…

.لقد فرغت له البلاد وبنى جمهورية القهر العظيم…

..احمد العربي…

18.12.2016

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى