من المقرر أن تعقد السلطة الروسية القمة الروسية الإفريقية في سانت بطرسبرغ في الفترة من 26 إلى 29 تموز/ يوليو، وذلك في محاولة للتأثير على الدول الإفريقية سياسياً واقتصادياً، فضلاً عن إظهار صورة للعالم أجمع أنه على الرغم من العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب شنها الحرب على أوكرانيا تظل موسكو قوة مؤثرة على الساحة الدولية. مع ذلك، لا تدرك الدول الإفريقية أن العلاقات مع روسيا “سامة” الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الوضع السياسي الداخلي في إفريقيا.
لقد بات سلوك روسيا على الساحة الدولية شديد السمية لدرجة أن “قوتها الناعمة” في الدول الأوروبية لم تعد فعالة. منذ بداية غزوها لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022 اتجهت روسيا نحو القارة السمراء حيث يمكنها الاستيلاء على موارد إضافية لدعم اقتصادها الخاضع للعقوبات. في الواقع، تنتهج موسكو سياسة توسعية في إفريقيا مؤثرة على الدول الإفريقية ليس فقط من خلال مرتزقة مجموعة فاغنر بل أيضاً من خلال الدعاية الروسية المناهضة للغرب.
بغض النظر عن مدى محاولات روسيا للتخلص من وضع الدولة المنبوذة فلا يزال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصية غير مرغوب فيها في معظم دول العالم، بما في ذلك بعض الدول الإفريقية. قد يكون للتواصل مع المسؤولين الروس عواقب سلبية على صورة قادة الدول الإفريقية ومواقفهم السياسية لأن روسيا قد حصلت على لقب الدولة الأكثر تعرضاً للعقوبات في العالم إذ فرض أكثر من 14 ألف عقوبات على الأفراد والكيانات القانونية من روسيا وهذا هو الرقم الذي ارتفع خمسة أضعاف منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية.
بالإضافة إلى ذلك، أكدت حكومة جمهورية جنوب إفريقيا حقيقة عزل روسيا الاتحادية في الساحة الدولية بحيث قال نائب رئيس البلاد بول ماشاتيل إن حكومة بلاده تأمل بشدة ألا يحضر الرئيس الروسي بوتين قمة “البريكس” وإلا فسيتعين اعتقاله وإحالته إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي كما تقضي به مذكرة توقيف بحقه.
على الرغم من ذلك، لا يزال الكرملين يحاول تقديم روسيا كدولة لديها شراكة عميقة مع دول إفريقيا، وأحد الطرق لهذا الغرض عقد القمة الروسية الإفريقية لإظهار دعم الدول الإفريقية للمسار السياسي الحالي للقيادة الروسية. من خلال الموافقة على المشاركة في هذه القمة يجب على قادة الدول الإفريقية أن يأخذوا في الاعتبار أن روسيا الاتحادية بأنشطتها على الساحة الدولية تخرق تماماً مبدأ حرمة الحدود. إن احترام حرمة الحدود أمر بالغ الأهمية إذ إن انتهاك دولة مبدأ حرمة الحدود لدولة أخرى يمكن أن تكون سابقة وتثير نزاعات مسلحة في إفريقيا.
بدورها، تسعى روسيا إلى السيطرة على المناطق الرمادية للصراع في القارة الإفريقية من خلال ضخ الأسلحة والمقاتلين لاستخدام تلك المناطق كنقاط محورية لحركة الهجرة، الأمر الذي يشكل خطراً على استقرار الدول الإفريقية ويستنزف الموارد البشرية ويقوض العلاقات مع العالم المتحضر. إن وجود روسيا في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي والسودان وبوركينا فاسو يمهد الطريق لتوسع موسكو في إفريقيا.
واليوم، تخرق روسيا مبدأ الحياد في العالم ولذا، تنوي الفصل بين الدول الإفريقية “المخلصة” و “غير المخلصة”. من المحتمل أنه بعد القمة الروسية الإفريقية سيتفاقم الوضع الاجتماعي والسياسي في بعض الدول الإفريقية، خاصة تلك التي تمارس سياسات مستقلة ولا تعتبر موالية تماماً لموسكو. وتجدر الإشارة إلى أن القادة الأفارقة دعوا بوتين خلال زيارتهم لموسكو في حزيران/ يونيو من هذا العام إلى بدء مفاوضات سلام مع أوكرانيا. وبدا أن جميع محاولاتهم ذهبت سدى وروسيا لا تتخلى عن سياستها الإمبريالية التوسعية بل تسعى إلى الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من أراضي أوكرانيا الدولة المجاورة لها.