بعد أن خبت نيران الحريق || ماذا تعرف عن حي العقيبة ومحاولات محافظة دمشق استملاكه؟

فتحي أبو سهيل

حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يتم الإعلان عن سبب الحريق الذي اندلع في دمشق فجر يوم الأحد والتهم العديد من المحال والمنازل وطال بالضرر بعض المعالم الأثرية في المنطقة التاريخية.

وأكّد مصدر محلي لموقع تلفزيون سوريا أن الحريق ليس في منطقة ساروجة المتعارف عليها حالياً بين سكان العاصمة التي تقع في منطقة تتوسط الجهة الخلفية لكل من سوق الخجا والبحصة على الطرف المقابل لمحافظة دمشق، بل في حي العقيبة المقابل لسوق الخجا وساروجة المعروفة.

وأضاف أن العقيبة هو امتداد واحد “لسوق الحرامية” وبعده العصرونية ومقام السيدة رقية والمسجد الأموي، لكن الإعلام الرسمي قد يكون تعمد إخفاء تحديد اسم المنطقة لحساسيتها الأثرية، أو تجنباً لإعادة توجيه الاتهامات إلى إيران في رغبتها بالسيطرة على هذه المنطقة التي تحيط “بمقامات مقدسة”، أو لعدم الحديث بقصة قديمة تعود إلى 2011 حين استملكت المحافظة المنطقة ورفض سكانها الخروج منها.

ما أهمية العقيبة؟

يقع هذا الحي خارج سور دمشق القديمة، شمال شارع الملك فيصل، ويبدأ من سوق الهال القديم حتى مدخل السيدة رقية، وتعود أصل تسمية العقيبة إلى أربعة قرون إذ بني على ما يشبه العقبة – تلة صغيرة – تصل مساحتها إلى خمسة كيلومترات مربعة.

أحد أهم الأبنية الأثرية المتضررة من حريق حي العقيبة هي منزل خالد العظم، السياسي السوري ورئيس وزراء لست مرات متتالية، ورئيس مؤقت لسوريا بين نيسان وأيلول 1941.

تحول المنزل فيما بعد إلى متحف أطلق عليه اسم “متحف دمشق التاريخي” وضمّ مركز الوثائق التاريخية للعاصمة الذي تضرر في الحريق الأخير، لكن “لم تتأثر الوثائق بأي ضرر لأنها نُقلت سابقاً بينما انهارت أجزاء من القسم الجنوبي للبيت” وفق رواية المدير العام للآثار والمتاحف في سوريا نظير عوض لتلفزيون الخبر المحلي.

إضافةً إلى منزل خالد العظم، تضرر قصر عبد الرحمن باشا اليوسف وهو أمير محمل الحج في العهد العثماني، ورغم أهمية هذا المعلم الذي يعود للقرن التاسع عشر، إلا أنه كان مهجوراً ومهملاً.

وقال عوض: “اندلع الحريق بحدود الساعة الثالثة صباحاً بأحد المنازل المجاورة لبيت عبد الرحمن اليوسف وهو منزل دمشقي مهم جداً مليء بالزخارف والمشغولات الخشبية ومهجور، ثم انتقل الحريق بشكل سريع إلى أقسام واسعة من المنزل، ثم إلى قسم النساء في بيت خالد العظم، وهو أيضاً بيت دمشقي مهم”، وأضاف: “هذا القسم تشغله مديرية الوثائق التاريخية في المديرية العامة للآثار والمتاحف”.

تاريخ المنطقة المحيطة

يعود الجدل حول المنطقة القديمة المحيطة بالعقيبة إلى عام 2007 بمشروع أطلقته محافظة دمشق باسم “تطوير شارع الملك فيصل الأثري”، على أن يتم توسيع الشارع لحل مشكلة الاكتظاط المروري، لكن القضية حملت الكثير من الأخذ والرد حينها، حيث كانت المحافظة ترى أن كل شيء خارج سور دمشق ليس تراثياً بينما تدخلت اليونسكو واعتبرت حينها أن هذا التصرف قد يضع دمشق على لائحة الأماكن الأثرية المهددة، وبقيت القضية بين مؤيدين ومعارضين حتى ضمن حكومة النظام نفسها.

ويقضي المشروع بإزالة السوق الذي يعتبر امتداداً للمدينة القديمة خارج السور، واستبداله بمنطقة تجارية. ويتطلب تنفيذ مشروع شارع الملك فيصل إخلاء وهدم منطقة سوق الهال القديم وحتى جامع المعلق قبل سوق النحاسين وجزء من الطريق الذي يستمر من منطقة جامع المعلق حتى ساحة باب توما.

بقي المشروع معلقاً، ومع بدء الثورة في سورية عام 2011، شكّل وزير الثقافة التابع للنظام آنذاك رياض نعسان آغا لجنة فنية وأثرية ومعمارية لمتابعة مشروع تطوير الشارع، وفي 2012 تراجعت محافظة دمشق عن استملاكها للعقارات وأجزاء العقارات الواقعة ضمن استملاك شارع الملك فيصل وسور مدينة دمشق، وذلك بعد أكثر من خمس سنوات على صدور القرار المتضمن الموافقة على المصور الاستملاكي رقم 770 للعقارات وأجزاء العقارات الواقعة ضمن 4 مناطق عقارية هي: باب السلام، جورة، عمارة برانية، بحصة سنجقدار.

المحافظة تضع يدها على العقيبة والسكان يعلمون بالمصادفة

لم تنته القصة هنا، لأن المحافظة أغلقت قضية وفتحت أخرى في حي العقيبة الذي يقع فيه منزل خالد العظم مكان الحريق الأخير، إذ اقترحت حينها مديرية التنظيم والتخطيط العمراني على المكتب التنفيذي للمحافظة في 2012، طي قرارها رقم 1220 تاريخ 7/12/2011 المتعلق باستملاك عدد من العقارات المجاورة لمحيط منزل خالد العظم أو ما يعرف بمنطقة العقيبة، حيث كان من المقرر استخدمها لصالح المحافظة بغرض إقامة “فعاليات ثقافية” من دون توضيحها.

هذا المقترح كشف أن محافظة دمشق وضعت يدها على المنطقة مقابل تراجعها عن استملاك مناطق أخرى مجاورة لصالح مشروع شارع الملك فيصل وكانت الضحية حينها العقيبة، وبقي الموضوع معلقاً من دون أي توضيح إلى اليوم.

وفي عام 2012 قدم أحد سكان المنطقة شكوى نشرت على أحد المنتديات تضمنت الآتي “في تاريخ 7/12/2011 أصدرت محافظة دمشق القرار رقم 1220 م ت والقاضي باستملاك العقارات (649-650-653-645/4-655/1-656-658/2-659-660-677) عقيبة لصالح فعاليات ثقافية وأعطته صفة الاستعجال مما يبعث على الريبة ويثبت سوء النية”.

وتابع صاحب الشكوى بقوله: “الأسباب المعلنة لهذا الاستملاك هو فعاليات ثقافية أي أسباب مبهمة وغير مفسرة أو محددة”، وأضاف: “قدم أهل الحي عند علمهم بالمصادفة بهذا القرار اعتراضاً مجتمعين إلى المحافظة إلا أننا فوجئنا بصدور المخطط التنظيمي رقم /455/ بتاريخ 13/6/2012 والمنشور في بهو المحافظة الذي تم فيه تعديل الصفة العمرانية للعقارات (649-650-651-652-653-655) من /ل/تجاري إلى فعاليات ثقافية”.

وأشار حينها إلى أنه “عند مراجعة ذوي الشأن في المحافظة لم يستطع أحد أن يحدد معنى فعاليات ثقافية أو الغاية من ذلك وما الذي يجعل المواطن المالك للعقار أباً عن جد يُسلب حقه بقوة الدولة”.

“مشروع بحاجة إلى وقت كبير”

وقال مدير التخطيط والتنظيم العمراني عبدالفتاح إياسو حينها “لجريدة قاسيون” إنه: “تم استملاك هذه العقارات بناءً على طلب وزارة الثقافة، وفقاً لقانون الاستملاك السابق العائد لعام 1983، إلا أنه إن استكمل القرار الذي مازال متوقفاً، فسيتم تقييم العقارات وفقاً للأسعار الرائجة حالياً”، وبيّن أن “القرار لم يكتمل حتى الآن ولم ينفذ بعد” مشيراً إلى أنه “يحتاج إلى وقت كبير” رغم  تعديل صفة هذه العقارات.

من جانبه قال مدير المباني والتوثيق الأثري، نظير عوض، حينها أيضاً لقاسيون إن “الفكرة  الأساسية من الاستملاك، كانت تحويل الشريحة أو جزء من الشريحة ضمن محيط بيت خالد العظم، إلى حي ثقافي ومركز للفعاليات الثقافية” وأشار إلى أن “هذه البيوت منها مسكون ومنها ما هو مهجور ومنها بحالة يرثى لها”.

الحرائق في دمشق القديمة

في نيسان 2016 التهمت النار أكثر من 80 محلا في سوق العصرونية خلف المسجد قرب مقام السيدة رقية، وكانت أرقام الأضرار تتحدث عن نحو ملياري ليرة سورية، والسبب حينها سجل على أنه ماس كهربائي في أحد المحال.

وفي تشرين الأول من العام نفسه، شب حريق في سوق ساروجة بحارة المفتي، في البيوت المقابلة لباب جامع الورد، عند مدخل طريق عين الكرش، واحترقت 3 منازل بالكامل واختلفت الروايات حينها بين رواية تتحدث عن رغبة أحد التجار بشراء منزل من المنازل لكن ملاكه رفضوا، وبين الرواية الرسمية التي تتحدث عن مفحمة كبيرة تزود المقاهي المجاورة بالفحم.

وفي كانون الأول من 2016، شب حريق هائل بحسب الشهود في سوق الحميدية، ما أسفر عن أضرار مادية بلا أي خسائر في الأرواح، ورجحت الروايات الرسمية، أن يكون سبب الحريق ماساً كهربائياً في أحد المحال التجارية في سوق “مردم بيك” بالحميدية وامتد إلى تسعة محال أخرى.

وعادت الحرائق في تموز 2017، مع اندلاع حريق بمنطقة باب الجابية (سوق الصوف) بدمشق، وبقي سببه مجهولاً، ولم يتطرق الإعلام الرسمي إلى خسائره أو حجمه، وبقي الخبر عبارة عن سطر واحد عبر صفحة دمشق الآن.

ويتهم ناشطون الميليشيات الإيرانية بافتعال الحرائق في دمشق القديمة، لإجبار الدمشقيين على بيع محالّهم وعقاراتهم، باعتبار المنطقة مهمة لدى إيران بسبب قربها من “مقام السيدة رقيّة”، لكن النظام أعلن حينها أن الحرائق جميعها نتجت عن ماس كهربائي.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى