بمناسبة مرور ٥٩ عام على تأسيس حزب الاتحاد في ١٨ تموز ١٩٦٤   ||  بطاقة تعريف بحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي في ذكرى تأسيسه

محمد علي صايغ

في ذكرى تأسيس حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي في سورية ، لا بد من الوقوف على دوافع التأسيس والمحطات الرئيسية في تاريخه النضالي  , والتأكيد على أن المؤتمر التأسيسي الأول للحزب الذي انعقد  في بيروت بتاريخ ١٨ تموز ١٩٦٤ ترافق مع الذكرى الأولى لحركة  18 تموز 1963 التي قادها العقيد جاسم علوان ضد استفراد حزب البعث العربي الاشتراكي بالسلطة في سورية وإقدامه على خرق اتفاق 17 نيسان 1963 للوحدة الاتحادية بين مصر وسورية والعراق.

وقد انتهى المؤتمر التأسيسي إلى إعلان التمسك بالوحدة والعمل على إعادتها وتأسيس تنظيم سياسي موحد يحمل راية مشروع الامة العربية والعمل بالارتكاز الى القواعد الشعبية في فرض إعادة الوحدة ومواجهة العقليات الانفصالية التي تقف عائقا على هذا الطريق.

وفي المؤتمر التأسيسي العام تقرر حل حركة الوحدويين الاشتراكيين وحركة القوميين العرب والجبهة العربية المتحدة وتأسيس تنظيم الاتحاد الاشتراكي العربي من هذه القوى وتيار المستقلين بمن فيهم من كان سابقا من البعثيين.

وقد تضمنت وثيقة التأسيس والبيان الختامي الذي أصدره المؤتمر إسقاط نظام حزب البعث العربي الاشتراكي بالنضال السلمي الديموقراطي وإعادة الوحدة بين الإقليمين السوري والمصري برئاسة جمال عبد الناصر ,

وانتخب المؤتمر نهاد القاسم أمينا عاما للتنظيم. وفي العام التالي انسحبت قيادات الوحدويين الاشتراكيين وحركة القوميين العرب من الاتحاد وعادت لتنظيماتها بينما استمر العديد من قواعدها وكوادرها بالتزامهم في الاتحاد الاشتراكي العربي.

 بعد نكسة حزيران 1967 وتلبية لمتطلبات الصمود ورص الصفوف الوطنية والقومية في مواجهة العدو الاسرائيلي، شارك الحزب في أيار 1968 بتشكيل جبهة وطنية مع حركة القوميين العرب، وحركة الاشتراكيين العرب، وحزب البعث القومي، وعلى أثرها تعرض لضربة طالت جميع قياداته وفروعه، فتوقف نشاطه لمدة تزيد عن العام.

ثم عقد المؤتمر العام الرابع في دمشق من عام 1968 – أسوة بالمؤتمر الثاني والثالث – ، وقدم فيه جمال الأتاسي مشروع التقرير العام الذي غلب عليه الطابع الفكري, وكان من نتائج مضمونه, إقرار فكرة الحزب الثوري الذي يضم  طلائع قوى الشعب العاملة المعارضة للنظام الحاكم , والحرص على سرية التنظيم وعلنية المبادئ والأهداف والمواقف, وأهمية العمل والنضال في الداخل.

وقد كان لبيانه الختامي صدى واسعا في الإقليمين السوري والمصري ولدى قيادة عبد الناصر. وبعد المؤتمر تنازل جاسم علوان عن موقعه كأمين عام منتخب للأمين العام المساعد جمال الأتاسي الموجود في الداخل مع التزامه القيام بالمهام الموكلة إليه وبخاصة ما يتعلق بالعلاقة مع قيادة عبد الناصر في القاهرة.

وفي مسار عمل الحزب ونشاطه .. والمراحل التاريخية منذ النشأة وحتى اليوم .. مر الحزب بمحطات مفصلية هامة نلخصها بما ياتي :

– المحطة الأكثر أهمية تأسيس الاتحاد الاشتراكي العربي عبر المؤتمر التأسيسي في بيروت بتاريخ ١٨ / تموز ١٩٦٤ بعد عام على حركة جاسم علوان ضد استفراد حزب البعث في السلطة بسورية والتفافه على مباحثات الوحدة مع عبد الناصر لإعادة الوحدة بين مصر وسورية وإجهاض هذه المباحثات.

– ‏المحطة الثانية كانت تغيير ٱلية النضال للتغيير الديمقراطي من إطار الاعتماد على الطاقات الداخلية للحزب ، والعمل وفق القدرات والامكانات الموجودة والمتاحة في تحريك الشارع (جماهير الشعب ) للارتقاء الى العمل الجبهوي المشترك لمختلف القوى والاحزاب الوطنية في الساحة السورية .. هذا التحول في الرؤية السياسية ادى الى الدفع بتشكيل الجبهة الوطنية مع حركة القوميين العرب وحركة الاشتراكيين العرب وحزب البعث القومي عام ١٩٦٨ .

– ‏المحطة الثالثة كانت في المؤتمر الرابع للحزب عام ١٩٦٨ الذي ركز على أهمية العمل الحزبي في الداخل السوري والانتقال من إطار التنظيم التجميعي إلى إطار العمل الحزبي وتشكيل المؤسسات والهياكل الحزبية عبر نظام داخلي جديد ، كما اتخذ الحزب موقفا فكريا واضحا في تأكيده على أهمية الوحدة والعمل القومي الوحدوي واتخذ منهجا واضحا بالانحياز الى الطبقات الفقيرة وتبنى الاشتراكية العلمية طريقا للتنمية والنهوض الاقتصادي والاجتماعي والحضاري للأمة العربية .

– ‏المحطة الرابعة كانت عقب مبادرة السلطة بعد الحركة التي قادها حافظ الاسد ،وباقتراح من الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي وافق المؤتمر الخامس للحزب بقرار الاغلبية على الانخراط بالجبهة الوطنية التقدمية والمشاركة في السلطة ، لكن حزبنا عندما شعر ان وجوده بالجبهة ليس أكثر من تعددية شكلية وديكور سياسي انسحب من جبهة النظام وخاصة بعد الاعتراض على المادة الثامنة من مشروع الدستور التي اعتبرت حزب البعث قائدا للدولة والمجتمع عندئذ انعقد المؤتمر السادس للحزب وقرر الانسحاب من جبهة النظام ، كما اعلن شعار الهجرة للجماهير والعمل ضمن قواعده الأساسية .

– ‏المحطة الخامسة تجسدت على طريق اتخاذ الحزب موقفا استراتيجيا بالتحالف مع قوى المعارضة الوطنية ، ففي عام ١٩٧٩ دخل الحزب في حوار جاد مع الحزب الشيوعي/المكتب السياسي الذي أصبح فيما بعد يحمل اسم[حزب الشعب]، وحركة الاشتراكيين العرب، وحزب البعث الديمقراطي، وحزب العمال الثوري وبعضاً من المستقلين كان من نتائجه صياغة ميثاق وطني للتغيير الديمقراطي، والإعلان عن تشكيل {التجمع الوطني الديمقراطي} الذي أصبح في ذلك الوقت الواجهة السياسية للعمل الوطني خارج أطر السلطة , وكان امينه العام الدكتور جمال الأتاسي الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي.

بدأ التجمع حراكه الشعبي بالتفاعل مع النقابات المهنية واتحاد الكتاب العرب وفي داخل الكتلة العمالية والفلاحين عبر نضال سلمي لتحقيق التغيير الديمقراطي، من خلال الاعتصامات والتظاهرات السلمية، لكن جنوح القوى المتشددة التي اطلق عليها الطليعة المقاتلة واستخدامها العنف في مواجهة السلطة أدى الى مواجهات عنيفة وقادت الى ضرب وانهاء الطليعة المقاتلة وامتداد الملاحقات والاعتقالات الى كوادر التجمع الوطني الديمقراطي لتبدأ حقبة جديدة من الاستبداد السياسي والقمع والملاحقات الامنية بالرغم من ان موقف التجمع منذ البداية كان واضحا بإدانة العنف والطائفية من اية جهة كانت كما أنه طرح الحل الديموقراطي والطريق السلمي لتحقيق التغيير بغية الخروج من دائرة العنف المتبادل.

– ‏المحطة السادسة بدأت عقب المؤتمر الثامن للحزب عام ٢٠٠٠ الذي انعقد تحت شعار ” تجديد الفكر والبنيان “  واعتمد المؤتمر في خطوة مفصلية جديدة بالتخلي عن العمل السري والاتجاه نحو العلنية لأنه لم يكن خيار الحزب بالأصل، وإنما كان ضرورة لمرحلة مؤقتة اقتضتها القبضة الأمنية الشديدة تجاه القوى الوطنية، كما تقرر فيه تعديل اسم الحزب ليصبح {حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي} وتم اعتماده في نظامه الداخلي . ولقد حقق الحزب حضوراً واضحاً في المرحلة العلنية على المستويين الوطني والقومي، تجلى هذا الحضور بشكل بارز في الاحتفال العلني بتاريخ الحزب وثورة يوليو سنوياً اعتباراً من 2002 شاركت فيه وفوداً قوميةً من عدد من الدول العربية، كما كان له دور بارز في المنتديات الثقافية والفعاليات الاجتماعية كمنتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي الذي كان يشرف على إدارته التجمع الوطني الديمقراطي، هذا المنتدى الجامع لكل الطيف الوطني المعارض بكافة تكويناته وحتى بحضور بعض الحاضنة المؤيدة للسلطة، وكذلك كان الحزب في طليعة المؤسـسين والمشاركين في لجنة نصرة العراق وفلسطين , ومنتدى الكواكبي، وهيئات ولجان حقوق الإنسان وبخاصة المنظمة العربية لحقوق الإنسان، كما عمل على إحداث وإنجاز مخيم جمال الأتاسي للشباب{ تثقيفي وتوجيهي} الذي استمر لعدة سنوات.

– ‏المحطة السابعة بدأت مع انطلاق ثورة الحرية والكرامة في آذار / 2011 ، وانطلاق التظاهرات السلمية الشبابية في العديد من المحافظات السورية ، بعد انسداد الافق في التغيير السياسي ، وعقب الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتغول البنية الامنية للنظام في التحكم بمفاصل الدولة والمجتمع وانسداد فرص الخروج من النفق المظلم الى تغيير سياسي ديمقراطي، وعلى خلفية انتشار واتساع مواقع التواصل الاجتماعي التي فتحت آفاق الشباب السوري ومقارناته بين الوضع السوري والمتغيرات التي تحدث في العالم عامة والمنطقة العربية خاصة ، قرر الحزب الانطلاق نحو الجماهير والشروع بالنضال السلمي لتحقيق المطالب الشعبية والجماهيرية ، وجاء انطلاق ثورات الربيع العربي حافزا اضافيا للمطالبة بالتغيير السياسي كمدخل لا بد منه لإعادة الاعتبار للكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.

انخرط الحزب بالحراك الشعبي عبر كوادره منذ بداية انطلاق الحراك .. وتصاعدت المطالب عبر الضغط على السلطة الحاكمة للعمل على الاصلاح السياسي تمهيدا للتغيير الديمقراطي السلمي ، ومع تعنت النظام وادارة الظهر لكافة مطالب الجماهير الثائرة ، أعلن الحزب مع القوى الوطنية الاخرى ( حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي ، حزب العمل الشيوعي ، الحزب الشيوعي المكتب السياسي ، حزب البعث الديمقراطي ، حركة الاشتراكيين العرب واحزاب كردية متعددة ، وشخصيات عامة ومستقلين ) الى إعلان تأسيس ” هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي “ وكان ذلك بتاريخ ٣٠ / ٦ / ٢٠١١ ، حيث عقد بعد الإعلان المؤتمر الموسع لها بتاريخ ١٧ / ٩ / ٢٠١١ الذي تبنى الوثيقة الوطنية التي تؤكد على : { الحفاظ على المسار السلمي للثورة ، والتأكيد على لاءاتها الأربع التي تبنتها وعرفت من خلالها لدى أوساط المجتمع الدولي والقوى العربية والمحلية ( لا للعنف ، لا للطائفية ،  لا للتدخل الخارجي ، لا للاستبداد السياسي )} .

ونتيجة لمواجهة النظام الاستبدادي القمعي للاحتجاجات والمظاهرات بالعنف والقمع والتنكيل ، بدلا من احتواء الازمة والبدء بالإصلاح السياسي الذي طالبت به جموع المتظاهرين ، ونتيجة لاستمرار العقل الامني للسلطة في فرض إيقاع العنف المفرط ، مما ادى الى ارتفاع سقف المطالب الشعبية ومطالب هيئة التنسيق الى شعار تغيير النظام بكافة رموزه ومرتكزاته ، ولتتصاعد بعد ذلك حالات العنف والعنف المضاد ليرتد بعد أكثر من ستة اشهر الى العمل المسلح وعسكرة الحراك الشعبي مما أوصل البلاد الى ما وصلت إليه اليوم من خراب ودمار وقتل ونزوح وهجرة واحتلالات متعددة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى