يحضر التصعيد مجدداً شمال غربي سورية، على ضفتيه، سواء في إدلب ومحيطها التي لديها خطوط تماس مباشرة مع قوات النظام، أو في ريف حلب حيث تقف قوات المعارضة بمواجهة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على عديد الجبهات وخطوط التماس هناك.
ولم يكن هذا التصعيد بمنأى عن المدنيين الذين وقعوا ضحايا في إدلب وحلب، إما بقصف النظام أو بالمفخخات التي تتهم المعارضة السورية وتركيا “قسد” بالوقوف وراء تمريرها إلى مناطق سيطرة “الجيش الوطني” والنفوذ التركي بريف حلب.
وأمس الأول الأحد قصف النظام بلدة البارة في جبل الزاوية جنوبي إدلب، مستهدفاً مساكن مأهولة بالمدنيين. وقال الدفاع المدني (الخوذ البيضاء)، في بيان، إنّ ثلاثة أطفال أصيبوا بجروح، أحدهم بحالة حرجة، إثر قصف مدفعي مشترك لقوات النظام السوري وروسيا على الأحياء السكنية في البلدة الواقعة جنوبي إدلب، على خط التماس المباشر بين النظام والمليشيات الحليفة لها من جهة، والمعارضة السورية المسلحة من جهة أخرى.
ومساء اليوم ذاته، أصيب مدنيون بقصف مدفعي من قوات النظام على مدينة جسر الشغور غربي محافظة إدلب، بحسب “الخوذ البيضاء”، التي أكدت فرقها أن القصف تسبب بإصابة 3 أشخاص، ودمار في منازل وسيارات المدنيين.
وفي ريف حلب، قتل، أمس الأول، خمسة مدنيين بينهم طفل، بالإضافة لإصابة آخرين جراء تفجير سيارة مفخخة في قرية شاوا التي تسيطر عليها قوات المعارضة بريف حلب شمالي سورية.
وجاء التفجير بعد ساعات من مقتل ثلاثة من قوات “مجلس منبج العسكري”، التابع إلى “قسد”، بينهم قيادي، نتيجة انفجار سيارة في مدينة منبج بريف حلب الشرقي شمالي سورية، والخاضعة لسيطرة “قسد”. وبعد الانفجار فرضت قوى الأمن الداخلي في منبج (الأسايش) طوقاً أمنياً حول مكان الانفجار، في حين قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن بين القتلى قياديا في المليشيات، مضيفاً أن طبيعة الانفجار الذي وقع “مجهولة” ولا يعرف ما “إذا كان عبوة ناسفة أو استهدافا من قبل طائرة تركية مسيّرة”.
تواصل التصعيد في ريف حلب
واستمر التصعيد أمس الاثنين. فعلى خطوط التماس بين “الجيش الوطني السوري” الحليف لتركيا و”قسد”، قتل خمسة من عناصر “فيلق الشام” التابع للأول جراء عملية تسلل من الثانية على محور بلدة باصوفان في ناحية عفرين بريف حلب الشمالي. ويشهد محور باصوفان بشكل متكرر محاولات تسلل من “قسد”، أدت سابقاً إلى اشتباكات سقط على إثرها قتلى وجرحى من الطرفين.
كما قتل جندي تركي وأصيب آخر، نتيجة قصف صاروخي على قاعدة عسكرية تركية ومركز للشرطة التابعة للمعارضة في منطقة البحوث شرقي مدينة اعزاز بريف حلب. وقال المكتب الإعلامي للمدينة، في بيان، إن “قصفاً بأكثر من ثمانية صواريخ استهدف مركزا لشرطة اعزاز في البحوث شرق المدينة، مصدره مناطق سيطرة مليشيا قسد والمليشيات الإيرانية الموالية لنظام الأسد شمال حلب”.
وأضاف أن “الصواريخ سقطت في محيط مركز الشرطة، والتي تضمّ قاعدة عسكرية تركية، كما تحوي في محيطها عشرات الخيم العشوائية، ومركز إيواء لمتضرّري الزلزال”. وأشار إلى أن “المعلومات الأولية تفيد بأن الصواريخ أطلقت من راجمة محلية الصنع، متمركزة بمحيط مطار منغ العسكري” القريب من المنطقة.
عدم تفاهم المتنفذين
كل هذا التصعيد في الميدان، يوحي بعدم تفاهم المتنفذين على طاولات السياسة في ملفات مختلفة، لا سيما عملية التطبيع بين النظام وتركيا التي ترعاها روسيا وإيران، بما في ذلك موقع “قسد” والمجموعات الكردية من هذه العملية، بالإضافة إلى رغبة النظام بالتقدم نحو إدلب مع رفض الأتراك هذه الخطوة بالمطلق.
وأعرب القيادي في المعارضة السورية، العقيد مصطفى بكور، عن اعتقاده أن “التصعيد الأخير على مختلف المحاور، يأتي في إطار محاولات الروس والنظام والإيرانيين خلط الأوراق وقلب الطاولة”.
وأضاف، لـ”العربي الجديد”، أن ذلك يأتي “بعد الحديث عن تحضيرات التحالف شرق سورية لعمل عسكري ضد المليشيات الإيرانية وبعد فشل جولة أستانة الأخيرة في تحقيق أي تقدم لصالح النظام بعد الموقف التركي القوي ضد المطالب الروسية، وتراجع مستوى التنسيق بين روسيا وتركيا على الساحة السورية”.
تحولات دراماتيكية في المشهد السوري
من جهته، رأى المحلل السياسي باسل معراوي أنه “توجد تحولات دراماتيكية هامة حدثت في المشهد السوري لا بد من أن تلقي بظلالها على الخريطة الميدانية”.
وذكر معراوي منها، لـ”العربي الجديد”: “انهيار كل التفاهمات الروسية – الأميركية على المستوى الدولي، وبالطبع ستكون سورية جزءا منها، وتوقف خطوط التواصل الساخنة، لذلك نرى شكوى من الطرفين بانتهاك كل واحد منهما للتفاهمات المبرمة”.
وأضاف: “تلك الحوادث خطيرة، وقد تفلت من زمام السيطرة ويحدث تصادم مباشر، كما يظهر التآكل التدريجي للقوة الروسية، حيث تعتبر تلك القوة هي الحاملة لمعظم التفاهمات التي أوجدت وقف إطلاق النار حالياً، والوقوف عند خطوط القتال الآن”.
يضاف إلى هذا، بحسب معراوي، “عدم التوصل لاتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران، وبالتالي لو حصل ذلك لكانت سورية من ضمن بنود ذلك الاتفاق أو عربونا له. وظهر مؤخراً تنسيق بالأهداف (إن لم يكن عبر اتصالات مباشرة) بين قسد وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، لإدراك كل منهما بأنه ضحية أي نجاح للمسار الرباعي الذي ترعاه روسيا، حيث سيفكك النظام وحلفاؤه قسد كشرط أولي لتفكيك الأتراك للهيئة”.
رسائل عبر الميدان
وأضاف معراوي أن “كل طرف من الأطراف الإقليمية أو الدولية له حليف محلي على الأرض، يريد التصعيد في الميدان لإرسال رسائل للطرف الآخر. وبالتالي لن تبقى تلك الحدود الحالية التي تسمى بخطوط القتال صامدة نظراً لتغير موازين القوى على الأرض، ولأن الهدن السارية سواء في إدلب وحلب، غير مكتوبة وعبارة عن تفاهمات أفرزتها طبيعة القوى على الأرض”.
وبناء على ذلك، توقع معراوي أن يؤدي خلاف المصالح والأهداف بين تركيا و”الهيئة” إلى قيام الأخيرة بالتصعيد على جبهات النظام لإفشال أي اتفاق أو تقارب بين دمشق وأنقرة، كما سيذهب الإيرانيون للتصعيد شرقي سورية ضد القوات الأميركية كما حدث في السابق، في الوقت الذي تلوح فيه واشنطن بإعادة هيكلة القوى شرق سورية، وإعطاء دور أكبر للمكون العربي بقطع الممر بين العراق وسورية أمام إيران، وبالتالي فإن التصعيد العام قد يكون عنواناً للمرحلة المقبلة.
المصدر: العربي الجديد