إدخال المساعدات للشمال السوري: موسم الابتزاز الروسي كالعادة

عدنان أحمد

مع حلول كل موعد لتجديد مجلس الأمن الدولي دخول المساعدات الدولية إلى الشمال السوري عبر الحدود، تحاول روسيا عرقلة هذا التمديد والمطالبة بإلغاء العملية برمتها باعتبارها، كما تقول، تنتهك “سيادة” سورية، وتطالب باستبدالها بآلية “المساعدات عبر الخطوط”، أي تسليم المساعدات للنظام السوري مباشرة، وهو يتولى توزيعها على المحتاجين في كل المناطق السورية، بما فيها مناطق المعارضة.

هذا الأمر يرفضه المجتمع الدولي، والمجتمع المحلي غير الخاضع لسيطرة النظام، وسط اتهامات للأخير بالرغبة في الاستيلاء على كل المساعدات الدولية، بغية احتكارها وتوزيع بعضها على أنصاره، والاحتفاظ بالباقي أو بيعه، مع حرمان مناطق المعارضة منها، إلا بشكل محدود جداً.

وينتهي في 10 يوليو/ تموز الحالي تفويض مجلس الأمن الدولي، الذي سبق أن مدده في 10 يناير/كانون الثاني الماضي، بشأن آلية نقل المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر معبر باب الهوى الحدودي.

وفي معرض تحذيرها من عرقلة قرار تمديد إدخال المساعدات الذي بات يجرى التصويت عليه كل 6 أشهر، بعد أن كان كل عام قبل ذلك، ذكرت لجنة الإنقاذ الدولية في بيان لها، أول من أمس الخميس، أن تقديم المساعدات الإنسانية في سورية لم يكن بهذا التعقيد منذ عام 2012، داعية مجلس الأمن الدولي إلى تمديد تفويض دخول المساعدات عبر الحدود 12 شهراً على الأقل.

تأثير زلزال فبراير

وشددت اللجنة في بيانها على أن فشل مجلس الأمن في تمديد التفويض في 10 الشهر الحالي “سيكون مدمراً، في ظل عدم وجود بديل قابل للتطبيق”، مؤكدة أن الآلية عبر الحدود هي “بمثابة العمود الفقري للاستجابة الإنسانية في شمال غرب سورية، وبدونها ستكون العواقب وخيمة”.

وشددت على انه “مع تزايد الاحتياجات الإنسانية، ما نحتاجه هو المزيد من الوصول وليس تقليله” مشيرة إلى أن “الوضع الصحي في شمال غرب سورية تأثر بشكل كبير بزلزال 6 فبراير/شباط الماضي، ما ألحق أضراراً جسيمة بالمرافق الصحية في النظام الصحي الهش بالفعل، حين كان نحو ثلث المستشفيات ونصف مراكز الرعاية الصحية الأولية داخل سورية، لا يعمل حتى قبل الزلزال”.

كما طالب مشرعون أميركيون في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب إدارة الرئيس جو بايدن بدعم تمديد تفويض دخول المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر الحدود من ثلاثة معابر (باب الهوى وباب السلامة والراعي)، مؤكدين أن “دعم الأمن والإنسانية في شمال غرب سورية يصب في مصلحة الولايات المتحدة”.

وفي رسالة وجهها 15 نائباً أميركياً إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس – غرينفيلد، شدد المشرعون على “الأهمية الحاسمة لاستمرار الإدارة الأميركية في الدعوة إلى تمديد تفويض المساعدات عبر الحدود مدة 12 شهراً من معابر باب الهوى وباب السلامة والراعي”.

يشار إلى أن معبري السلامة والراعي لم يُستخدما في عمليات الأمم المتحدة الإنسانية عبر الحدود منذ عام 2020، عندما استخدمت روسيا والصين حق الفيتو ضد مساعي الأمم المتحدة الرامية لإبقاء المعبرين مفتوحين لتوصيل المعونات الإنسانية. ويقتصر إدخال المساعدات منذ ذلك الحين على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.

ولفتت الرسالة إلى أنه “مع بلوغ الاحتياجات الإنسانية أعلى مستوياتها، من الواضح أن المساعدات عبر الخطوط لا يمكنها تلبية احتياجات الشعب السوري، مقارنة مع 2.6 مليون شخص يجرى الوصول إليهم شهرياً عبر الحدود”. ودعت إلى التعامل مع “الحقائق الإنسانية على الأرض، وليس المصالح السياسية، لاتخاذ القرار بشأن المساعدات عبر الحدود”.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد حثت مجلس الأمن الدولي على تمديد آلية إيصال المساعدات إلى سورية عاماً آخر، وذلك خلال اتصال هاتفي بين وزيري الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان الأربعاء الماضي.

وذكرت الخارجية في بيان أن بلينكن شدد على ضرورة السماح باستمرار تدفق مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود لمدة 12 شهراً، وضمان الوصول من دون عوائق خلال تلك الفترة عبر جميع نقاط العبور الحدودية الثلاث المستخدمة حالياً.

وفي وقت سابق، شدد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث على ضرورة تمديد تفويض المساعدات إلى سورية عبر الحدود 12 شهراً لتغطي فصل الشتاء.

الابتزاز الروسي وتعويم الأسد

من جهته، قال نائب مدير الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) منير المصطفى، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إنه في كل تصويت جديد لتمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود “تزداد وضوحاً حالة الابتزاز التي فرضتها روسيا على الملف الإنساني، وربط استمرار المساعدات مقابل تنازلات هدفها دعم نظام الأسد ومحاولة تعويمه سياسياً، وتوفير غطاء أممي لاستخدام أموال الدول المانحة في إعادة إعمار مؤسسات نظام الأسد وسجونه وزيادة إثراء شبكة الفساد وأمراء الحرب، تحت بند حزم التعافي المبكر، في تحايل واضح على العقوبات الدولية وشروط إعادة الإعمار”.

وأضاف المصطفى أن “التوظيف السياسي الروسي لملف المساعدات الإنسانية من دون أدنى اعتبار للقيم الإنسانية، خصوصاً بعد كارثة الزلزال المدمر، جاء مستفيداً من الوضع الدولي الراهن وغياب الجدية في التعاطي مع الملف السياسي في سورية. ويشكل هذا التوظيف عامل تهديد للوضع الإنساني في شمال غرب سورية، ويفرض شللاً وحالة من العطالة على عمل المنظمات الإنسانية، وغياباً للاستقرار في تدفق المساعدات المنقذة للحياة، بما يهدد حياة أكثر من 4 ملايين مدني نصفهم مهجرون”.

وأوضح المصطفى أن الاحتياجات الإنسانية زادت بعد الزلزال بشكل كبير، ويقدر برنامج الأغذية العالمي أن 12.1 مليون سوري يعانون حالياً من انعدام الأمن الغذائي، ويشكل هذا الرقم أكثر من نصف عدد السكان. كما أن هناك 2.9 مليون مهددون بانعدام الأمن الغذائي بزيادة تقدر بحوالي 52 في المائة خلال عام واحد.

وشدّد على أنه “لا يمكن القبول باستمرار إخضاع الملف الإنساني والمساعدات المنقذة للأرواح للابتزاز الروسي، ولا يمكن القبول بتحول المساعدات الإنسانية إلى سلاح بيد روسيا ونظام الأسد الذي يقوم بتسييس توزيعها في مناطق سيطرته، وسرقتها لتمويل عملياته الإرهابية لقتل السوريين، بينما يُحرم المدنيون منها”، متابعاً: “كما لا يمكن منح نظام الأسد مزيداً من السيطرة على المساعدات الإنسانية من خلال الضغط لزيادة التسليم عبر الخطوط، ليتحكّم في عبور المساعدات وإهانة كرامة من هجرهم، عبر إجبارهم على استلام دوائهم وغذائهم منه، وهو المسؤول عن معاناتهم، واستخدم بشكل ممنهج خلال السنوات الماضية المساعدات سلاحاً في حصار وتجويع وإذلال السوريين”.

ورأى المصطفى أن الأزمة الإنسانية التي يعيشها المدنيون في سورية هي “انعكاس لغياب الحل السياسي وتجاهل المجتمع الدولي لتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 والمسارات المضللة التي من شأنها خلق عطالة سياسية، تحول دون تحقيق تطلعات السوريين في مشروع التغيير المنشود ومسارات العدالة والمحاسبة وإنصاف الضحايا وذويهم”.

وشدد على أن “الوصول إلى المساعدات الإنسانية بكرامة ومن دون تسييس هو حق أساسي للمحتاجين، يجب ألا يخضع أصلاً للتفاوض الدوري في مجلس الأمن، الذي مهمته الأساسية التركيز على جهود الحل السياسي وحماية المدنيين وليس الانشغال بإدخال المساعدات”.

وطالب المجتمع الدولي باعتماد آلية مستقلة خارج مجلس الأمن تضمن استمرار وصول المساعدات المنقذة للحياة من دون إتاحة الفرصة مجدداً لأي ابتزاز سياسي.

ولفت المصطفى إلى أن العديد من الدراسات القانونية تؤكد أن وصول المساعدات المنقذة للحياة من خلال جميع السبل الممكنة لا يتطلب تفويضاً من مجلس الأمن، أبرزها تحليل قانوني لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وجامعة أكسفورد، ودراسة أخرى أصدرتها منظمة “Guernica 37” والتي تؤكد عدم الحاجة لتصويت مجلس الأمن في ظل وجود سند قانوني يعطي الأمم المتحدة الحق في إدخال المساعدات خارج مجلس الأمن.

ورأى أن “ما جرى من استغلال نظام الأسد وروسيا للمساعدات خلال الزلزال يعطي تصوراً واضحاً عن ممارسات النظام، واعتباره إيصال المساعدات إلى شمال غربي سورية عبر الخطوط مجرد لعبة سياسية روسية لا علاقة لها بحل أزمة إنسانية، وهي باختصار خطة استثمار سياسي تعتمد على استغلال المساعدات المنقذة للحياة لإعادة شرعنة نظام الأسد”.

بدائل لعدم الرضوخ للابتزاز الروسي

وحول البدائل الممكنة في حال نجحت روسيا في تعطيل التمديد يوم 10 الشهر الجاري، قال الباحث علي عبد المجيد، من مركز عمران للدراسات، لـ”العربي الجديد”، إن “المجتمع الدولي أخذ القرار بعدم الرضوخ للابتزاز الروسي عبر محاولة يمكن أن نسميها خطة باء، في حال جرى الاعتراض على إدخال المساعدات عبر الحدود، وذلك عبر آلية جديدة من قبل المانحين، في معابر لا سيطرة للنظام السوري ولا للأمم المتحدة عليها، في مقابل سيطرة أطراف متفقة على ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية بغض النظر عن الآلية، فإذا لم تكن عن طريق الأمم المتحدة، فيمكن أن تكون عبر مانحين دوليين أو منظمات مجتمع مدني قادرة على تأدية الدور المطلوب في هذا السياق”.

وأضاف عبد المجيد أنه “خلال مؤتمر بروكسل الأخير، جرى التعهد بدعم الشعب السوري أينما وُجد، وإيجاد الآليات والطرق لإيصال المساعدات لمستحقي الدعم من الشعب السوري، وإلى اليوم، لدينا منظمات تدخل المساعدات بشكل مباشر من دون المرور عبر الأمم المتحدة”.

ولفت عبد المجيد إلى أنه منذ عام، كانت هناك آلية بين بعض المانحين تسمى “إنصاف”، وتتمثل في تعاون عدد من المانحين لإيجاد طريقة تنسيق بديلة أو موازية لعمل للأمم المتحدة، كي تكون بديلاً في حال تم الرضوخ للابتزاز الروسي. لكن عبد المجيد توقع أن يتم التمديد، ولكن لفترة قصيرة ونفس المسارات السابقة.

وطالب أن يتم التجديد للمعابر الثلاثة (باب الهوى وباب السلام والراعي) وفق الاستثناء الذي حصل بعد كارثة الزلزال، وأن يكون التمديد طويلا لمدة سنة أو سنتين ولا يخضع للابتزاز الروسي في كل مرة.

ولفت إلى دراسة قانونية أجراها المنتدى السوري بالتعاون مع عدد من شركات المحاماة البريطانية والمنظمات السورية في دول الشتات والمجلس البريطاني السوري، تؤكد أنه بالإمكان إدخال المساعدات عبر الحدود من دون الرجوع لقرار مجلس الأمن، ولكن للأسف، الأمم المتحدة دوماً متخوفة من ردود الفعل الروسية، وهناك حقيقة ضعف مؤسسات الأمم المتحدة تجاه السطوة الروسية.

وحول البديل الذي يطرحه النظام وروسيا، أي تقديم المساعدات عبر الخطوط، رأى عبد المجيد أن هذا الطريق “شبه مستحيل وغير ممكن، وذلك من خلال ما رأيناه من محاولات سابقة فاشلة، وتأكيد منظمات المجتمع المدني ومن السوريين جميعاً في المناطق أن هذه الآلية غير قابلة للتطبيق، لأنها ستكون عرضة للابتزاز وانتهاك الخصوصية والتسييس الدائم من قبل النظام السوري، الذي يستغلها في جمع المعلومات عن المستفيدين بما يهدد أمنهم وسلامتهم”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى