قراءة في رواية: سراب بري

أحمد العربي

.تبدأ الروايه من وجود الطيران المروحي فوق الغوطه الغربيه. يقوم بإلقاء براميله المتفجرة على الاحياء الشعبيه. الناس بين قتيل وجريح. والبعض يركض بحثا عن ناجين او جرحى ببن الانقاض والبعض يلم اشلاء الضحايا الشهداء.. عامر العبد الله بينهم يتحرك مثقلا بما يحصل يراقب الشباب وهم منهمكين في بحثهم.. ويلاحظ كثيرا ممن صدفهم في معتقله .  وكلهم يحاولون ان يفعلوا شيئا في مواجهة آلة الموت الجهنمي..

.تنتقل الروايه بعد ذلك مع عامر في عام 2002. عندما اعتقل في بلد عربي ما.. سنكتشف بعد حين انه ليبيا.. وسنتعرف على عامر العبد الله الكاتب والذي يعمل مع اصحاب اعمال كبار .. وينتقل من مكان لاخر يتابع عمله .حياته مريحه وله عائله. زوجه شام وولديه الصغيرين.. يعتقل ويتفاجأ باعتقاله فليس هناك سبب مباشر لاعتقاله.. لكنه يكتشف رويدا رويدا.. ان هامش الحريه الذي استثمرة وكان يكتب وينتقد ولكن توريه. لم يكن بعيدا عن المتابعه.. وهو لم يستجب لبعض التحزيرات التي اتته.. كتب عن موضوعات حقوق الانسان والناقد لسياسات الدوله العليا وقام بدراسات عديده اعتبرت انتهاكا للصالح العام والدولة التي وجد بها ليبيا..

.عامر سوري خرج من سوريا بعد ان ضاقت به السبل ..فابوة يمكن تسميته معارض بالفطرة وكذلك عامر .فلم يكن مسيسا او ينتمي لحزب ما لكنه كان يرفض الظلم والفساد.. وزع بيانات سرا وجدها على ناصية الطريق .حاول ان يساير .. لكي يعيش ويتوظف ويحصل على حقوقه. فاصبح بعثيا..ولكن مطلوب منه ان يكون متعاونا مع الامن يعني مخبرا .استدعاه ضابط الامن عندما عين مديرا.. وقيل له: كن معنا نجعلك في احسن حال..لكنه لم يستطع التأقلم وسرعان ما استبعد من الادارة لانه يناقش بالسياسه ويستقبل بعض المعارضين ولم يكن متعاونا..يعني يكتب تقارير الوشاية بمن حوله.. ضاقت عليه الدنيا فهاجر لليبيا ووجد بها عملا وحياة جيده. لكنه لم يترك اهتمامه العام.. قررت الاجهزة الامنيه اعتقاله لانه خطر ولسانه طويل وقلمه ضار.. اعتقل وضع في شروط قاسية جدا..الزنزانة القبر والمعاملة الممتهنة لانسانية الانسان.. الاساءة والاهانة واي مطلب انساني اصبح من المستحيلات .اكل تسكنه الحشرات .لا خروج للمرحاض الا باوقات تطول ويصبح عبدا لحاجات انسانيه غرائزيه .كالتبول او الطعام او النوم..

.اعتقل ولا يعرف لماذا وعندما واجهوه وبدؤوا يكيلون اليه التهم عن التجسس على الدوله وكتابة تقارير للاعداء في الخارج. .. كانت تهما جاهزة تحتاج فقط لانهياره وقبوله بها.. هذه مهمة الاعتقال..اعتبر جزء من اعمال تضر بالمصلحة العليا للوطن.. وضع في شروط تعذيب قاسيه جربت به كل ادواتةالتعذيب والاذلال. وهو مريض بالربو وكثيرا ما وضع بين الحياة والموت ليوقع على ملف معد سلفا يتنامى بخطورته كل يوم. يقضي عليه مطلقا.. الضرب والاهانات والشبح كل مايخطر على البال ..واخيرا انهار واعترف بكل مانسب اليه.. وكان لا بد ان يصل خبره لعائلته وزوجته التي فوجئت ولم تستطع ان تفعل شيئا. اكتمل ملفه وحول لمحكمة الشعب .وحول للسجن وهناك وجد احوالا اسوأ من الاعتقال .سجناء منتهكي الانسانيه. بعضهم سياسي والاغلب جنائي. غابة صغيره . فيها كل الموبقات من مخدرات حشيش وهيروين ومشروب وحبوب هلوسه. عالم كامل من الرذيلة ترعاه الدولة بشكل غير مباشر. في المعتقل والسجن هناك قرار عند المسؤولين. العمل الدائم على اذلال الانسان وكسر كرامته وامتهانه… وبعد محاكمة صوريه حكم عليه بالاشغال الشاقه. لم يستوعب الصدمه .ولم يتأقلم مع العيش في السجن وسط اناس في قاع المجتمع وقد امحيت انسانيتهم.. كان يلوذ ببعض السياسيين او تجار المخدرات الميسورين.. عمل على تعليم السجناء ان يسترجعوا حقوقهم .كان يفشل احيانا وينجح في اخرى . ويعاقب بشده. وبعد سنوات تزيد على العشرة في حياة اقرب للجحيم وسط.هدر لانسانية الانسان وفي ارتدادات الربيع التونسي وبداية الثورة في ليبيا.. يترك ليخرج من السجن ..وليعمل للعودة لسوريا وتساعده سفارة النظام السوري .للصعود في الطائرة وليصل الى دمشق ويكتشف انه مقبوض عليه..

هنا تنتهي الروايه ..

.في الرواية اسلوب للسرد اقرب للمتابعة المباشرة للمعاش كشاهد عيان منفصلا نسبيا عن محيطه المجتمعي واحوال الدوله او تغيرات العالم..سوى بعض الشذرات لنعرف نحن في اي زمان كاحتلال بغداد بعد اعتقاله بسنتين مثلا.. وسيكون السرد مغرقا في الذاتيه الوصفيه وكاننا امام كتابة مذكرات منها لرواية تريد التحدث عن الاعتقال والسجن في بلد عربي وقع ضحية الاستبداد الوحشي لاربعين عاما..والحديث عن ليبيا.. وايضا دون غوص بالعمق لقراءة العصر الذي غطته الروايه .وهي العشريه الاولى من القرن الواحد والعشرين.. لم يغير من هذا الاقتراب مما حصل في الربيع العربي في نهاية الروايه.

.نحن مطلعون على الرواية السياسيه والاعتقال السياسي على وجه الخصوص. بدء برواية شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف وبعدها باكثر من عشرين عاما روايته الثانيه شرق المتوسط مرة اخرى.. ورواية التعتيم الفاضح للطاهر بن جلون التي تحدثت عن اسوأ اعتقال سياسي حدث في المغرب العربي وغيرهم كثير .. وكلها روايات ابنة عصرها.. ممتلئه بما حصل مع ابطالها وما حصل بعصرهم.. كنا ننتظر ذلك في هذه الروايه..

.بكل الاحوال ..الرواية شهادة ادانه للانظمه الاستبدايه تضاف لغيرها من الشهادات .فاضحة الانظمة الهادرة لانسانية الانسان في دولها.. ومفسرة جزئيا اسباب الربيع العربي .الذي اثمر ثورات مستمره انتصارا لانسانية الانسان وحقه بالحريه والعداله والكرامة والديمقراطيه والحياة الافضل.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى