بعد تجربة شباط (فبراير) المريرة للنظام السوري مع طائرات بيرقدار التركية المسيرة، يبدو أن موسكو والنظام يستعدان لتلافي إخفاقهما في التعامل مع الطائرات المسيرة.
أكدت وزارة الدفاع التركية مقتل أحد جنودها وجرح آخرين خلال استهداف عربة طبية تتبع للجيش التركي في محافظة إدلب شكال غرب سوريا. وتناقلت مصادر محلية ونشطاء خبر مقتل جندي تركي وإصابة آخر عصر الجمعة. وقامت عربات طبية بإجلاء الجنود من قرب بلدة سرمين إلى تركيا شمالا. وسلكت العربات طريق إدلب-معبر باب الهوى، وتقدمته سيارة شحن بيك آب تتبع للجبهة الوطنية للتحرير التي فتحت الزمور وطالبت العابرين والسيارات فتح الطريق أمام عربات الإسعاف العسكرية التركية.
وقال موقع “SY-24” إن مسلحا يركب دراجة نارية أطلق النار على “جنديين اثنين من الجيش التركي بالقرب من النقطة التركية الواقعة في مدينة سرمين بريف إدلب”.
ووفقا لشهود عيان فإن “دورية من الجيش التركي طاردت الدراجة النارية على الطريق الواصل بين منطقة سرمين ومدينة إدلب، وتمكنت من قتل منفذ الهجوم بعد الاشتباك معه، كما قامت بنقل جثته إلى مكان مجهول”.
وفي 27 أيار (مايو) تعرضت دورية للاستهداف بعبوة ناسفة على طريق الترانزيت M4 وأدى الهجوم لمقتل جندي تركي وإصابة آخرين بينهم عناصر من فيلق الشام المرافقين للدوريات التركية بشكل دائم.
وتزامنت الحادثة، مع تصعيد من قوات النظام في منطقة “خفض التصعيد” الرابعة، حيث خرقت قوات النظام والميليشيات الإيرانية المساندة لها وقف إطلاق النار حسب ملحق اتفاق سوتشي والذي وقع في الخامس من آذار (مارس) الماضي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان. وأطلقت من نقاط تمركزها على طريق حلب-دمشق الدولي/M5 قذائف مدفعيتها ورشاشاتها الثقيلة، وقصفت مدفعية النظام السوري قريتي منطف في السفوح الشرقية لجبل الزاوية ورويحة في ريف معرة النعمان الشمالي وقرية الفطيرة جنوبي جبل الزاوية. وصدت فصائل المعارضة محاولة تسلل للميليشيات الإيرانية المتمركزة في مناطق سيطرتها في كفرنبل.
واستقدم النظام السوري تعزيزات عسكرية إلى خطوط التماس في جبل الزاوية ومنطقة سراقب، كما حشدت الميليشيات الإيرانية قواتها في ريف حلب الغربي والجنوبي والمناطق المحاذية لفتنناز والطلحية ومعارة النعسان.
وقصف مدفعية النظام الأراضي الزراعية بغية إحراق محاصيل الشعير والقمح قبل حصادها، وتكرر القصف على عدة مناطق غرب طريق M5 وشوهدت السنة الدخان في بلدة آفس، وحنتوتين ودير سنبل بالقرب من طريق معرة النعمان-أريحا.
وأسقطت الرشاشات الثقيلة للمعارضة طائرة استطلاع إيرانية على محور رويحة، وهي منطقة صخرية وعرة للغاية تقع بين طريق حلب-دمشق الدولي وطريق معرة النعمان أريحا، والسيطرة عليها تعني عمليا السيطرة ناريا على الطريق الأخير. فهي ترصد القسم الجنوبي من الطريق حول بينين وجوارها وتشرف ناريا على قرية الدانا (دانة المعرة) وتعتبر رويحة هي بوابة العبور إلى قرية سرجة، معقل ألوية صقور الشام الإسلامية إحدى مكونات الجبهة “الوطنية للتحرير” ومسقط رأس قائدها أحمد الشيخ أبو عيسى.
وفي سياق التعزيزات العسكرية للجيش التركي، أرسل ثلاثة أرتال عسكرية ضخمة تضم مدرعات وناقلات جند ومنظومات دفاع جوي، عبر معبر كفر لوسين شمالي باب الهوى. وأنشأ الجيش التركي نقطة تمركز جديدة بالقرب من بلدة مرعيان في جبل الزاوية، وأدخل عبر معبر كفر لوسين (شمال باب الهوى) ثلاثة أرتال لمدرعات وعربات وناقلات آليات، وتوجه قسم كبير منها إلى جبل الزاوية، وعزز باقي نقاط انتشاره في جبل الزاوي بمدرعات وآليات إضافية. يعتبر جبل الزاوي من أكثر المناطق استراتيجية بالنسبة لتركيا وهو ذو حساسية عالية بالنسبة لها، فقد تعرضت تركيا إلى خسارة كبيرة إذ فقدت 34 جنديا في قصف لقوات النظام والقوات الروسية على معسكر للجيش التركي في بيلون في 28 شباط (فبراير) ما ولد صداما بين قوات النظام والقوات التركية، انتقمت من خلاله تركيا لمقتل جنودها وتوترت الأوضاع بينها وبين موسكو وظهرت تباينات بالتصريحات واتهمت موسكو أنقرة بسوء التخطيط معها.
وسيرت القوات التركية والروسية الدورية الخامسة عشرة، بينهما انطلاقا من بلدة الترنبة غربي سراقب، وصولا إلى بلدة بسنقول المطلة على سهل الروج. وقطعت الدورية مسافة 30 كم تقريبا ذهابا ونفس المسافة إيابا، بعد أن وصلت الدورية الرابعة عشر إلى كفر شلايا بمسافة 24 كم. ولم تتعرض الدورية لأي هجوم أو استهداف ناري، عدا عن رشقها بالحجارة والذي أصبح ظاهرة متكررة ولكنها خجولة للغاية، خصوصا بعد إبعاد الجيش التركي لهيئة تحرير الشام عن الطريق وإجبارها على فض “اعتصام الكرامة” الذي كانت تدعمه.
وبالتوازي مع تعزيز نقاط جبل الزاوية، وتسيير الدوريات المشتركة، أحدثت القوات التركية، نقطتي مراقبة جديدتين على طريق M4 بالقرب من قرية القياسات حيث نشرت مخفرا صغيرا ونقطة تجمع صغيرة. واتخذت من مدرسة السواقة قرب بسنقول نقطة أخرى في إطار تعزيز مخافر الحراسة وأمن الطريق. وزاد عدد نقاط انتشار القوات التركية في محافظة إدلب عن 60 نقطة، يصعب إحصاؤها بدقة كونها نقاط غير دائمة تتغير حسب الضرورة وتقوم القيادة بتجميع أو نقل جنود وآليات بين يوم وآخر.
طائرات ميغ-29 إلى الواجهة
في أواخر أيار (مايو) هاجمت طائرة ميغ-29 الروسية أهدافا تركية على السواحل الليبية. فقد هاجمت طائرات ميغ مجهولة سفينة تجارية تركية في ميناء طرابلس، كما تعرضت فرقاطة تابعة للبحرية التركية لهجوم في المياه الليبية.
بقي الهجوم غامضا، لم تعلق أنقرة أو طرابلس على العملية نهائيا، وكأنه لم يحصل، فضلتا الحسم ضد قوات حفتر، على إخراج الحساسيات والخلافات مع موسكو إلى السطح. وكشف يفغيني كروتيكوف، في صحيفة “فزغلياد” الروسية أن الطائرات بيلاروسية وأن الطيران ربما من بيلاروسيا أو من صربيا. ولا تغيب نظرية أن تكون الطائرات قد قدمت من قاعدة حميميم الجوية الروسية. لكن هذا الأمر لم يتم حسمه حتى وصلت دفعة طائرات ميغ-29 إلى سوريا قبل أيام. ولم يكن لدى القوات الجوية الروسية أي منها قبل ذلك في سوريا، إضافة إلى إمكانية تعقب الطائرات الروسية حسب أرقامها.
وبالطبع فان سير العمليات وهزائم قوات اللواء حفتر والتفوق الجوي الكبير لصالح طائرات الدرون التركية، يشير إلى عدم امتلاكه أي طائرات ميغ-29 الاعتراضية والتي يعتبر مهمتها الأساسية القتال الجوي وليس قصف أهداف أرضية. بمعنى انه لو امتلك اللواء حفتر طائرات ميغ-29 لكان حافظ على توازن السيطرة على الأرض وأسقط الطائرات التركية المسيرة قبل مقدرتها على المناورة وقصف أهداف أرضية لقواته، وكانت ستصعب المسألة على مهمة الأتراك في ليبيا.
هذه المقاربة، تفسر صفقة شراء النظام السوري لطائرات ميغ -29 نهاية شهر أيار (مايو). حيث أعلنت وزارة دفاع النظام السوري تسلمها الدفعة التالية من الطائرات الروسية المتطورة والمحدثة من طراز ميغ-29.
وأضافت الوزارة في تصريح رسمي “نفذت الطائرات التي تعد أكثر فعالية من جيلها السابق تحليقها من قاعدة حميميم إلى مناطق تمركزها في المطارات العسكرية السورية، حيث سيبدأ اعتباراً من أول حزيران/يونيو 2020 طيارونا البواسل بتنفيذ المناوبات المقررة بهذه الطائرات في الأجواء السورية”. ورغم أن القوى الجوية السورية تمتلك سربين من طائرات ميغ-29 فاقتصر إشراكهما على عمليات قصف محدودة، سقطت إحداهما في صيف 2016 في القلمون الشرقي في ريف دمشق. وتبنى إسقاطها جيش الإسلام. وطائرة ميغ-29 هي طائرة اعتراضية، مخصصة للاشتباك الجوي وهي مخصصة أساسا لحماية القصر الجمهوري واعتراض الطائرات المهاجمة. وتمتاز بمقدرتها الكبيرة على المناورة الجوية وتجنب الصواريخ المضادة للطائرات التي تطلق من الأرض.
وبعد تجربة شباط (فبراير) المريرة للنظام السوري مع طائرات بيرقدار التركية المسيرة، يبدو أن موسكو والنظام السوري يستعدان لتلافي إخفاقهما في التعامل مع الطائرات المسيرة. حيث تعتبر مواجهة الدرون بالطائرات الاعتراضية أفضل الخيارات لهما لمنع بيرقدار من تدمير الدبابات والآليات أو منظومات الدفاع الجوي.
ما يعني أن حشود النظام جدية للغاية وأرادت موسكو تأمين السماء من خلال الحد من التفوق الجوي التركي، فعملية عسكرية ليست مضمونة النتائج ستشكل إحراجا كبيرا لروسيا بطبيعة الحال.
المصدر: القدس العربي