هجوم تل أبيب يؤكد تحذيرات الأمنيين من تداعيات “بيت وحديقة” ومخاوف إسرائيلية من إيقاظ ساحات مقاومة أخرى.
قبل ساعتين من عملية الدهس في تل أبيب، التي أدت إلى إصابة سبعة إسرائيليين في الأقل، كان النقاش الإسرائيلي حول عملية جنين “بيت وحديقة” ومدى تحقيق أهدافها وصل إلى ذروته بعد اجتماع لتقييم الوضع دعا إليه وزير الأمن يوآف غلانت، وشارك فيه رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي وقادة الأجهزة الأمنية، إذ اعتبر المجتمعون العملية ناجحة وحققت الجزء الأكبر من أهدافها، وعليه أعلن أكثر من مسؤول تقديراتهم لإنهاء العملية مساء اليوم الثلاثاء.
لكن هذا التقييم، الذي روج له غلانت ودعمه نتنياهو، لم يحظ بدعم أمنيين وسياسيين وحتى مسؤولين سابقين في جهاز الاستخبارات العسكرية. فعملية تل أبيب كانت واحدة من التحذيرات التي أطلقها أمنيون، معتبرين أن المقاومة الفلسطينية ستعود وبقوة رداً على عملية جنين.
وهناك من كشف عن زيف ما روج له الجيش، مدعوماً من نتنياهو وغلانت، بأنه اتخذ قرار تنفيذ العملية بعد الكشف عن كميات كبيرة من الأسلحة في مخيم جنين، وعن قواعد صاروخية وبنى تحتية خطرة لعناصر التنظيمات الفلسطينية المسلحة.
بلا تبجح
فبعد اجتماع تقييم الوضع الذي دعا إليه غلانت، كشفت تقارير عن عدم عثور الجيش على كميات كبيرة من الأسلحة أو العبوات الناسفة ومخازن الأسلحة وغيرها من الأهداف التي وضعها متخذو قرار تنفيذ العملية نصب أعينهم.
واعتبر الجنرال احتياط غيورا إيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أن الانتصار الذي حققته العملية انحصر في أول ساعتين منها. داعياً متخذي القرار إلى الإسراع بإنهائها “قبل أن تنتقل النار إلى مناطق أخرى أيضاً، وقبل أن تترجم التنديدات ضدنا من جانب الأصدقاء في العالم العربي إلى خطوات سياسية”.
وتوجه إيلاند إلى القيادتين السياسية والعسكرية محذراً “صحيح أن الأنظار تتجه الآن نحو جنين، لكن علينا ألا ننسى أن التهديد العسكري الأكبر هو (حزب الله). فهو يحاول أن يناور بين التخوف من حرب شاملة وبين الحاجة إلى إرضاء الزعيم في طهران، إلى جانب الشعور بأن أسلوب نصر الله الحالي غير مطمئن، وفي مركزه تنفيذ عمليات صغيرة وخلق استفزازات”.
واعتبر إيلاند إقامة “حزب الله” خيمتين له في مزارع شبعا هو أكبر تعبير عن هذا الأسلوب، “وعليه يتوجب على المسؤولين التصرف بشكل صحيح ومتقن”.
التقرير الأولي الذي صدر عن الأجهزة الأمنية حول دوافع اتخاذ قرار تنفيذ عملية جنين ادعى أن هناك كميات كبيرة وخطرة من الأسلحة والمعدات، ومن نشطاء مسلحين يهدد انتشارهم في المخيم أمن إسرائيل والإسرائيليين.
ويرى الخبير العسكري يوسي يهوشاع، أن ما وجده الجيش على أرض الواقع خيب توقعاته، مضيفاً “كانت التقديرات أن يعثر الجيش على غنيمة كبيرة من نوعيات مختلفة من الأسلحة وصواريخ وغيرها، لكن الحقيقة هي أننا لم نر كميات استثنائية لوسائل قتالية أو لسلاح من النوع المحطم للتوازن من أي نوع كان، وعليه فمن كل أحداث الأشهر الأخيرة، وعلى رأسها الاستعدادات لعمليات مبهرة للقوات الخاصة بمشاركة (الشاباك) وسلاح الجو، لم نر لا حملة ولا سوراً ولا واقياً”.
ونصح يهوشاع قيادة الأجهزة الأمنية والسياسية باتخاذ قرار فوري بسحب القوات من مخيم جنين، مؤكداً “يتوجب إنهاء العملية من دون خسائر لقواتنا، ومن دون تبجح كفيل بإيقاظ ساحات أخرى من صالحنا ألا تسيقظ”.
افتتاحية الغضب
وهيمنت الانتقادات لعملية “بيت وحديقة” على نقاش الإسرائيليين، ووجهت جهات عدة الانتقادات اللاذاعة للقيادتين السياسية والعسكرية، سواء في شأن كيفية اتخاذ القرار بعد أن تبين أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عرض قبل أكثر من أسبوع خطة العملية على المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) ورفضت بأكثرية ساحقة، وعلى رغم ذلك خرجت العملية إلى حيز التنفيذ بقرار اقتصر على نتنياهو وغلانت وقادة عسكريين.
ومع الكشف عن مزيد من المعطيات المناقضة للتقارير التي طرحها متخذو القرار، احتدم النقاش وازداد حدة مع افتتاحية صحيفة “هآرتس”، التي جاءت تحت عنوان “حملة كابح الصدمات”.
تقول الافتتاحية “تدور على ظهر الجيش الإسرائيلي رحى حرب قوية، يستخدم فيها الطرف السياسي المنفلت العقال قواته: وزراء حزب (عوتسما يهوديت)، قيادة المستوطنين وعلى رأسهم رئيس مجلس السامرة الإقليمي يوسي دغان، المشاغبين الذين ينفذون الاعتداءات الجماعية تحت العين المفتوحة والمشجعة للحكومة، ومجرمين يسمون قادة الجيش (قاتل) و(خائن)، هؤلاء جميعاً نجحوا في أعمالهم الخطرة بفرض قرار تنفيذ العملية على الحكومة”.
وتابعت الصحيفة “حملات كهذه تطور الوهم الخطر بأن أسس الإرهاب الفلسطيني تتمركز في مخيم لاجئين واحد أو في مدينة واحدة، وبأنه تكفي ضربة شديدة واحدة لإبادة البنى التحتية له، لكن تتعاظم الدوافع للمس بالإسرائيليين كلما اتسعت مجالات الاحتكاك بين اليهود والفلسطينيين في الضفة من سطو على الأراضي وسلب للممتلكات وتقييد حركة الفلسطينيين واعتقال مئات وآلاف وقتل أبرياء وإقامة مزيد ومزيد من المستوطنات وتبييض البؤر الاستيطانية وإحراق البيوت والسيارات واقتلاع الأشجار وإبادة المحاصيل، وهذه كلها جزء من عينة القمع التي تمارسها إسرائيل بالتعاون مع المستوطنين ضد السكان الفلسطينيين. وفي ضوء مسرحيات رعب الاحتلال وشغب المستوطنين، لا يمكن لإسرائيل أن تتوقع الهدوء في منطقة هي نفسها تعرفها بأنها تخضع للاحتلال”.
الثغرة الكبيرة
لقد خرج اليمين الإسرائيلي في اليوم الأول من عملية “بيت وحديقة” يتفاخر بما سماه “الإنجاز الكبير للجيش” في العملية، وأطلق أكثر من وزير ونائب توقعاته بأن هذه العملية العسكرية “ستكسر التوازن” بحسب الوزير بتسلئيل سموطرتش، مضيفاً “الحقيقة أن (بيت وحديقة) ليست حملة (الدرع الواقي 2)، لكنها حملة ستعيد الردع لإسرائيل وتغير الاتجاه بواسطة استئصال الإرهاب”.
لكن أكثر من مسؤول في الجيش حرص على نقل موقف مغاير والترويج له عبر مصادر إعلامية نقلت أنه “في القيادة العليا في الجيش يفكرون بشكل مختلف ويطمحون إلى إنهاء العملية بسرعة نسبية، لأن القتال الطويل سيؤدي إلى ازدياد عدد الخسائر ومن ثم التصعيد في ساحات أخرى”.
وبحسب تصريحات مسؤولين عسكريين وبيانات الجيش فإن الوضع مختلف، “إنها حملة محددة بالوقت والزمن والمكان والأهداف، وهي تستهدف إعادة جهود الإرهاب الفلسطيني من جنين، التي تسارعت في السنة ونصف السنة الأخيرة، خطوات عدة إلى الخلف. ولا توجد لدى المستويات المهنية في جهاز الأمن أي أوهام بأن العملية ستحقق تغييراً جذرياً في الوضع الأمني. فالهدف هو إنزال ضربة تصعب على التنظيمات التي تعمل في مخيم جنين المس بالإسرائيليين لفترة معينة”.
واعترف الجيش بأن قواته واجهت صعوبات في مخيم جنين بسبب عدم تحضير واستعداد الجيش لمثل هذه العمليات، بل “لا توجد له تجربة بكل ما يتعلق بالعملية المحدودة في مثل هذا القتال”.
وأعرب أكثر من مسؤول أمني وسياسي عن خشيته من أن تكون عملية “بيت وحديقة” بمثابة الشعلة لتوحيد بقية الساحات: غزة، والشمال تجاه لبنان وسوريا، وحتى شرقاً تجاه الأردن، إذ اتخذ الجيش احتياطاته بنشر قوات خشية تسلل مقاتلين وتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية وإسرائيليين.
الخبير العسكري عاموس هرئيل، اعتبر الوضع تجاه لبنان هو الأكثر عرضة للانفجار، وبرأيه أن إقامة خيمتين لـ”حزب الله” في مزارع شبعا جنوب الحدود، على رغم إزالة إحداهما، تثير حالاً من التوتر وعدم الاستقرار”.
وفي تقديره “اتخذ قرار وضع الخيام من المستوى العملياتي في الميدان من دون معرفة الأمين العام للحزب حسن نصر الله. وما زالت الجهود الدبلوماسية تبذل لإنهاء المواجهة، لكن تواصل القتال في الضفة يمكن أن يؤثر بشكل سيئ أيضاً في ما يحدث في الشمال”.
المصدر: اندبندنت عربية