قال شادي حميد، الزميل الأقدم في معهد “بروكينجز” وأستاذ الدراسات الإسلامية بمعهد “فولر” في الولايات المتحدة، إن “الربيع العربي” حمل وعداً بأن أمريكا يمكنها أخيراً حل معضلة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط.
وأضاف حميد، في تحليل بمجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy) الأمريكية ترجمه “الخليج الجديد”، أن “اعتماد واشنطن على الطغاة العرب كان ولا يزال مبررا باسم الاستقرار، لكن من الصعب النظر إلى الشرق الأوسط في العقود الأخيرة ورؤية أي شيء يشبه منطقة مستقرة”.
و”كانت انتفاضات عام 2011 بمثابة تذكير وتأكيد على أن الاستقرار الاستبدادي وهم، لكن بعض الدروس يصعب تعلمها، وعندما يأتي الربيع العربي المقبل، سيتعين على المسؤولين الأمريكيين مرة أخرى أن يتعلموا تلك الدروس”، وفقا لحميد.
وأطاحت تلك الاحتجاجات الشعبية بالأنظمة الحاكمة في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، وامتدت إلى دول عربية أخرى بينها سوريا والبحرين.
وتابع حميد: “في 3 يوليو/ تموز 2013، انتهى الربيع العربي، حين أطاح انقلاب عسكري بالرئيس المصري المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي (بعد عام واحد في الحكم)، الذي كان قياديا في جماعة الإخوان المسلمين”.
وفاز مرسي في أول انتخابات رئاسية في أعقاب احتجاجات شعبية حاشدة أطاحت، في 11 فبراير/ شباط 2011، بالرئيس آنذاك حسني مبارك، وهو عسكري سابق حكم البلاد بين 1981 و2011.
مسؤولية الانقلاب
“اليوم، بعد عقد من الزمن، لا يزال الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في الأحداث التي أدت إلى الانقلاب والانقلاب نفسه مثيرا للجدل، إذ يلقي أنصار الإخوان باللوم على إدارة (الرئيس الأمريكي حينها باراك) أوباما (2009-2017) لعدم استعدادها لمنع الانقلاب أو حتى تسميته بانقلاب”، بحسب حميد.
واستطرد: “فيما يزعم مؤيدو الانقلاب أن أوباما هو من دفع الإخوان المسلمين إلى السلطة في المقام الأول، أما بين المحللين وصناع السياسة الغربيين، فإن السرد السائد هو أن الإدارة الأمريكية فوجئت بالانقلاب ولم تكن قادرة على فعل الكثير حيال ذلك”.
واستدرك: “لكن بالاعتماد على الروايات الصحفية، بالإضافة إلى أكثر من 30 مقابلة أجريتها مع كبار المسؤولين الأمريكيين وبينهم أولئك الذين كانوا في الغرفة مع أوباما في اللحظات الحاسمة لاتخاذ القرار، فإن الأدلة المتاحة تشير إلى نتيجة مثيرة للقلق”.
وموضحا، شدد حميد على أن “الرواية القائلة بأن الانقلاب أصاب أوباما بالصدمة هي ببساطة رواية خاطئة، والعكس أقرب إلى الحقيقة، إذ أعطى أوباما الجيش المصري ما كان بمثابة ضوء أخضر للإطاحة بأول حكومة منتخبة ديمقراطيا في البلاد”.
وأردف أنه “لطالما تعثرت عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي بسبب معضلة الإسلاميين، وقد وجد المسؤولون الأمريكيون الذين قد يؤمنون بالديمقراطية صعوبة أكبر في دعم الإسلاميين في الدول العربية؛ لأن الأحزاب الإسلامية هي الأكثر احتمالية للأداء الجيد بل وحتى الفوز في الانتخابات الحرة”.
براجماتية أوباما
لكن أوباما، وفقا لحميد، “كان براجماتيا يميل بشكل مزاجي إلى الحذر ثم الحذر، وكان الاستقرار هو شعاره. وبحالة مصر في أعقاب ثورة 2011، كان ذلك يعني دعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، السلطة الانتقالية التي تولت الحكم في 2011 بعد تنحي مبارك، حتى لو كان ذلك يعني تخريب تطلعات الشعب المصري إلى الديمقراطية”.
وتابع: “بشكل ملحوظ ومحرج، بعد أسابيع من الانقلاب، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية جين بساكي: قررنا أنه لا يتعين علينا اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان هذا انقلابا أم لا”، في إشارة إلى قانون أمريكي يمنع تقديم مساعدات لبلد شهد انقلابا شارك فيه الجيش.
وأفاد حميد بأنه “داخل الإدارة الأمريكية، كانت توجد اختلافات في الرأي حول مرسي والإخوان المسلمين؛ بسبب المصالح المؤسسية والقرب من الجنرالات المصريين، وكانت (وزارة الدفاع) البنتاجون أكثر تشكيكا في مرسي؛ مما جعل الوزارة في حالة توتر مع الخارجية والبيت الأبيض، اللذين كانا على الأقل يتشدقان بالديمقراطية”.
واستطرد: “كان كبار مسؤولي الدفاع، مثل جيمس ماتيس الذي كان قائدا للقيادة المركزية الأمريكية لجزء من فترة مرسي، يميلون إلى رؤية الترويج للديمقراطية باعتباره ترفا يصرف الانتباه عن مكافحة الإرهاب، وذات مرة اعتبر ماتيس أن الإخوان وتنظيم القاعدة “يسبحون في البحر نفسه””.
و”قد أخبرني أحد كبار مستشاري وزير الخارجية (آنذاك) جون كيري، بأن الأخير شعر أن الانقلاب لم يكن نتيجة سيئة لنا من وجهة نظر مصالح الأمن القومي، فهو لم يكن من المعجبين بالإخوان المسلمين ولا بمرسي. وقال مسؤول آخر في الخارجية بصراحة: كيري يكره الإسلاميين”، بحسب حميد.
ضوء أخضر
وشدد حميد على أنه “في الأيام التي سبقت الانقلاب، كان المسؤولون الأمريكيون يعرفون ما كان يجري، وكانوا في وضع يسمح لهم بمحاولة منع السيسي إذا أرادوا ذلك، لكنهم لم يحاولوا”.
وأضاف أنه “في معرض تأمله لهذه الفترة، صرح وزير الدفاع آنذاك تشاك هاجل بأنه يتفق مع المزاعم السعودية والإماراتية والإسرائيلية بأن جماعة الإخوان المسلمين خطيرة ويجب مواجهتها”.
وزاد بأنه “صادف أيضا أن يأتي أول ضوء أخضر غير مقصود للانقلاب العسكري من هاجل، فقبل أيام قليلة من الاستيلاء على السلطة، قال هاجل للسيسي: لن أخبرك أبدا كيف تدير حكومتك أو بلدك. عليك حماية أمنك وبلدك”.
وتساءل حميد: “في اجتماعهما الأول في مارس/ آذار 2012، ماذا لو أخبر كيري السيسي أن واشنطن ستعارض الانقلاب بشكل قاطع؟ ماذا لو هدد هاجل بقطع فوري للمساعدات إذا تدخل الجيش؟”.
واستطرد: “ماذا لو أعلن أوباما قبل احتجاجات 30 يونيو/ حزيران 2013 أن واشنطن ستدعم حق المصريين في التظاهر سلميا، لكنها ستعارض بقوة أي محاولة من الجيش لاستغلال الاحتجاجات لصالحه وستعلق بشكل كامل وفوري المساعدة العسكرية؟”.
و”لقد تحدثت إلى السفيرة الأمريكية في مصر، آنذاك، آن باترسون، عن كيفية تذكرها لبعض هذه اللحظات الحرجة، فقالت: الحقيقة هي أننا ربما كان لدينا نفوذ، لكننا لم نستخدم أقصى قدر من النفوذ لمنع الانقلاب. وعندما سألتها عن السبب، أجابت: في تلك المرحلة، كان هناك الكثير من الأشخاص الذين لا يأسفون لرؤية مرسي يرحل”، وفقا لحميد.
وفي العالم التالي للإطاحة بمرسي، جرى انتخاب السيسي رئيسا في 2014، ولا يزال يحكم حتى اليوم، ومن المقرر أن تشهد مصر انتخابات رئاسية جديدة عام 2024، في ظل أفق سياسي مسدود وأزمة اقتصادية خانقة ومتفاقمة.
المصدر | شادي حميد/ فورين بوليسي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد