قراءة في رواية : خيط البندول

أحمد العربي

عن دار نوفل صدرت رواية خيط البندول للروائية المتميزة نجاة عبد الصمد، التي قرأت اغلب انتاجها الروائي وكتبت عنه.

خيط البندول رواية تعتمد أسلوب الخطف خلفا. وبلغة المتكلم على لسان بطل الرواية د أسامة الطبيب المختص نسائية الذي ذهب إلى أستاذه الجامعي يستشيره عمّا يجب أن يفعله بالطفل آدم الذي ولّده في عيادته وأصبح في عهدته. هل يسلمه للدولة ام يتبناه هو وزوجته نداء …

يبدأ الفصل الأول للرواية من تاريخ ١٩٩٣م حيث يتحدث بطل الرواية د. أسامة عن نفسه منذ طفولته في بلدة الزعفران وكيف عاش في أسرة متواضعة اعطته فرصة للتعلم وكيف كان متفوقا وحصل على امتياز دراسة الطب في العاصمة. لم يدخل  د اسامة تجربة الحب الحقيقي إلا مع نداء الفتاة التي تدرس العمارة والتي تعرف عليها في الجامعة خططوا لمستقبلهم  ولم تسر الحياة معهما كما أرادا لها.

اظلم الرواية ان اعتمدت على هذه الوقائع لأقول أنه العمود الفقري لها فقط… بل إن هذه الوقائع هي شجرة كبيرة واضحة المعالم متميزة في غابة الرواية، التي هي حيوات كل الناس المحيطين بالثنائي اسامة ونداء وعبر عقدين من زمن الرواية وقبلها عشرات السنين.

ترصد الرواية حقيقة البنية القيمية عند الناس التي تضبط سلوكياتهم الخير والرحمة والعدل والتعاون والكرم .. كما ترصد المظلومية المتراكمة عموديا من رأس هرم النظام الذي بقي مضمرا في الرواية يظهر بالأمن الذي يكتب أحدهم له التقارير. ويهّرب له الذهب والسلاح والدخان ويخدمه بكل صغيرة وكبيرة. هذا النظام الذي يخشاه الكل ويتقي شرّه الأغلب ويتزلّف له الانتهازيين. تتحدث الرواية عن سطوة الغني وانسحاق الفقير. هيمنة الرجل وتبعية المرأة وارتهان حياتها على موقف رجال العائلة. وكيف تسير الحياة وسط هذه المعادلات المتداخلة وكل فرد رجل أو امرأة يعمل ليصنع لنفسه حياة يريدها. بجهده أو بالتلاعب، بالسر او بالعلن، بالحق او الباطل. المهم كل فرد يعمل ليصنع من نفسه ولنفسه حياة يريدها ويرغبها… وسط كل ذلك يوجد حب وعشق وخيانة وعلاقات جسدية سريّة مسكوت عنها أو مفضوحة. معلنة أو مستورة. وهناك دوما احتمال حصول المستحيل، وامتناع حصول الممكن. نداء لم تنجب ، وأخرى تغتصب ممن لا تعرف تحمل وتنجب طفلا سيولّده د أسامة ويفكر هو وزوجته نداء أن يتبنوه…

مئات الحكايا مسبوكة في غابة الحياة في خيط البندول لرواية نجاة عبد الصمد. نعم هل يستطيع احد -غير الخالق عز وجل- أن يحصي حياة كل إنسان في حيز معين ويتحدث عنه، ظاهره وباطنه، طفولته وشبابه ، كهولته ، عزوبيته وزواجه وأولاده وأحفاده وما هي سيرته بعد موته. وهذا وذاك وتلك وتلك وكلهم وسط علاقات مفتوحة على الزمن وعلى القرابة والتعايش والتفاعل . البشر المتغيرين بين يوم وليلة وما ادراك ما تغيرهم في سنوات او عشرات السنين. كل ذلك في زمان محدد ومكان محدد في بلاد محددة لأشخاص محددين…

 انه المستحيل التي حاولت الكاتبة ان تخوض غماره بجدارة..

ينتهي حدث الرواية عام ٢٠١٠م… لكنها تزرع في ذات القارئ الكثير من الأسئلة المقترنة بالكثير من المعلومات عن حيوات الناس. فوراء كل حكاية عبرة ووراء كل حكاية مظلمة او حق مهدور أو حق يحتاج من يحصله. وراء كل حكاية تخلف اجتماعي بنيوي قائم على تراتبية ذكورية ظالمة وغير مقنعة… ومظلومية مجتمعية سببه غنى فاحش وفقر مدقع. مظالم نظام يختفي خلف كل المظالم…

هل نحتاج ان نؤكد ان الرواية نسوية بامتياز. المرأة الحاضرة كل الوقت بكل تجلياتها المجتمعية في الرواية. المرأة العاملة والمجدة العادلة المعطاءة. والمرأة الظالمة المتخلفة السفيهة المفترية … كلهنّ حاضرات…

المرأة بصفتها الوجه الأكثر وضوحا وتبلورا للمجتمع حاضر في الرواية…

وردة نموذج المرأة المظلومة التي ظلمت من أهلها بوجود والديها وبغيابهم، من جدتها ثم من حبيبها الذي يخطفها ليتزوجها، ليظهر انه مهرب مخدرات وسلاح ومدمن على المخدرات، وردة نموذج عن قاع قاع المجتمع…

وماذا بعد…

أقول بكل ثقة لو اردت ان اتوسع في الحديث عن الرواية لكان لزاما علي ان اعيد كتابتها مجددا… لانه لا يغني اي تعريف بها عن قراءتها…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى