تأسس “النظام الوطني التقدمي” في سورية يوم التاسع من يونيو/ حزيران 1967، حين أذاع من سيصبح “عظيم الأمة، وبطل التشرينين: تشرين التصحيح وتشرين التحرير”، حافظ الأسد، بيانا أسقط الجولان بإسقاط عاصمته، مدينة القنيطرة، قبل وصول الجيش الإسرائيلي إليها عبر نزهة جبلية قام بها سيرا على الأقدام، استمرت ثلاثة أيام من دون أن يجد ولو رفيقا واحدا من “الجيش العقائدي” في انتظاره، على الرغم مما كان في تحصينات الهضبة من ذخائر وأغذية تكفي لستة أشهر قتال، في حال قرّر جنرالات إسرائيل قتل عشرات آلاف من ضباطهم وجنودهم، وهم يحاولون يائسين احتلال القنيطرة.
لم أقصد نهاريا في فلسطين المحرّرة للسياحة والاصطياف، استجابة لدعوة مفتوحة وجهتها إذاعة دمشق لمواطني سورية، للراحة من وعثاء المعركة الخاطفة، التي سيخوضها “جيشهم العقائدي”، وهو يشق الجليل في يوم الحرب الأول، متقدّما نحو تل أبيب في يومها الثاني، أو الثالث على أبعد تقدير، تصديقا لكلام الذي أذاع بيان إسقاط الجولان، اللواء حافظ الأسد، الذي قال منتصف شهر مايو/ أيار: “إن الحرب ستنتهي بتحرير فلسطين، على أقل تقدير”. وهكذا، فضّلت السفر إلى اللاذقية، للقاء أستاذي وصديقي إلياس مرقص، الذي أمسك فجأة يدي، ونحن نسير على الكورنيش، وقال بصوت هامس: “سلمهم مفتاح المشرق الاستراتيجي، ورح يسلموه سورية، عشرط يحكمها كبلد محتل” وهذا ما كان.
وكان قادة “الثورة في دمشق” قد خونوا جمال عبد الناصر، قبل الحرب، لأنه لم يستجب لفوريتها. وبعدها، لأن جيشه لم يحارب، وحرم “الجيش العقائدي” من شرف الانقضاض على العدو وتحرير فلسطين، تحقيقا لما كان قد تعهد به حافظ الأسد في تصريحه، عندما انضم إلى جوقة المحرّرين التي أنشدت أهازيج النصر من شرفات القصر الجمهوري ومكاتب رئاسة الحكومة، وأقبية رئاسة الأركان، وشاشات التلفاز … إلخ، معلنة تصميمها من دون مواربة على حرق العدو وسحقه، ما أن يرتكب غلطة عمره، ويطلق ولو “فتيشة” بالخطأ، بل إن منشده الأكبر أخذه الحال، وهدّد بجعل الأسطول الأميركي السادس طعاما لأسماك المتوسط، وشاع أن قائده قرّر إقامة “صلاة الغائب” على روحه وأرواح بحارته، بعد إلقاء أركانه نظرةً على حاملات طائرات الجيش العقائدي وبوارجه.
… وتأسست الحرب بعد انفصال سورية عن مصر، واتخاذ قرار بعثي برفض إعادة الوحدة مع مصر، ما دام عبد الناصر رئيسها، ونقل المعركة ضده من المجال الثنائي الضيق إلى المجال القومي المفتوح، وتدمير زعامته فيه. هذه الخطوة التي كان عسكريو “البعث” يعرفون أنها تتحدّى قدراتهم، دفعتهم إلى الاستعانة بطرفٍ يشاركهم العداء لمصر وزعيمها، هو إسرائيل، لشن حرب عليه، بعد أن يجرّوه هم إليها، بإرغامه على تطبيق “معاهدة الدفاع المشترك” التي عقدها معهم عام 1966، بطلب من رئيس وزراء السوفيات، كوسيغين الذي ناشد عبد الناصر أن يكبح “الرؤوس الحامية في دمشق” عبر المعاهدة التي أصبحت أداة في يدها لجرّه إلى الفخ، بما أنها ألزمته بالدفاع عنها، إن تعرّضت لعدوان، سرعان ما عرّضت نفسها له ببدئها القتال في الجولان، وترك الباقي لإسرائيل التي وضعت خطة وافق عليها الرئيس الأميركي جونسون “لاقتناص الديك الرومي”، أي عبد الناصر، الذي ما أن طبق أول بند في المعاهدة، وأرسل جيشه إلى سيناء، حتى أسقط في الفخ، وأخذ يتخبط من دون جدوى كي يفلت منه، فالحرب كانت قرارا باصطياده، مهما أبدى من نوايا سلمية واستغاث.
المصدر: العربي الجديد